حوض صنعاء مقبل على النضوب وأزمة مياة شديدة في انتظار أمانة العاصمة
في بداية الثمانينيات، وضمن المساعدات السوفيتية لليمن، بعث الاتحاد السوفيتي فريقًا فنيًا إلى وزارة الزراعة، متخصصًا في مجال المنشآت المائية، أطلق عليه "مشروع حوض صنعاء".
كانت مهمة هذا الفريق تتلخص في دراسة الوضع المائي لحوض صنعاء، من خلال تحديد مواقع عدد من السدود والحواجز المائية في المناطق المحاذية لأمانة العاصمة، وإعداد تصاميمها الفنية. تتلخص مهمة هذه المشاريع في تغذية حوض صنعاء بالمياه الجوفية، والذي بدأ تعرضه للاستنزاف بفعل تزايد سكان المدينة، إلى جانب التوسع في زراعة القات، ومن ناحية أخرى الحفاظ على بنية المدينة ومشاريعها الخدمية من الانجراف.
العام 83م أكملت تأدية خدمة الدفاع الوطني بعد تخرجي من المدرسة الثانوية الفنية الصينية بصعناء -القسم المعماري، وفي العام ذاته التحقت موظفًا بوزارة الزراعة والري.
بعد ستة أشهر من عملي بالوزارة، ابتعثت للاتحاد السوفيتي بترشيح من المشروع "حوض صنعاء" ضمن تخصص: التشييد الهايدرولوجي للأعمال النهرية وبناء محطات الطاقة الكهرومائية (اختصارًا منشآت مائية).
كما أشرت آنفًا، قام المشروع الروسي، وفي مواجهة الأزمات المائية القادمة، بتصميم عدد من السدود والحواجز المائية في المناطق المحيطة بصنعاء، منها خولان وسنحان وهمدان وبني مطر وأرحب وبلاد الروس وغيرها.
ومن المهم الإشارة هنا والتأكيد على أن عمق المياه في حوض صنعاء لم يكن يتجاوز في بداية الثمانينيات، 100م.
العام 89م وبعد إكمالي الدراسة الجامعة، عدت متخصصًا في مجال المنشآت المائية، وملتحقا للعمل بوزارة الزراعة والري.
خلال فترة عملي قمت بتصميم والإشراف على عدد من السدود والحواجز المائية في عدد من محافظات الجمهورية، بما ذلك العمل استشاريًا لدى كل من مشروع الأشغال العامة والصندوق الاجتماعي للتنمية.
كان منسوب الماء في حوض صنعاء يهبط بين سنة وأخرى، ليصل حتى تاريخه إلى عمق 1200م، عمق يجب أن يشعرنا بالقلق، ويستوقفنا أمام جدية المشكلة المائية المقبلة.
تراجع أسباب هذا الهبوط وبهذا القدر المخيف يرجع أولًا إلى التوسع في زراعة القات، وثانيًا كنتيجة لعدم الالتزام بالمعايير والمسافات العلمية المفترضة بين حفر الآبار.
لا شك أن غياب الدولة وقانونها المفترض على هذا الصعيد، ترتب عليه التوسع غير الطبيعي في زراعة القات على مستوى حوض صنعاء والمناطق المجاورة، وصولًا إلى زراعته، وفي تحدٍّ واضح، في القيعان الزراعية الأخرى، في قاع جهران ويريم وبكيل في آنس وقاع عمران، وغيرها من القيعان الزراعية في معظم محافظات الجمهورية.
زراعة القات لم تتوقف، وحفر الآبار العشوائية مازال قائمًا، في مقابل غياب المشاريع المائية التي يمكن لها أن تعوض ولو جزءًا من هذا الفاقد المائي.
إذن، يمكن القول، وبثقة كاملة، وأمام هذا الوضع السائب، بأن أمانة العاصمة والمديريات المجاورة لها، مقبلة على جفاف حوضها وتعرضها لأزمة مائية شديدة ومخيفة، ما لم تقف السلطة وجهاتها المسؤولة أمام هذا الخطر القادم بكل جدية ومسؤولية.
ومن المهم هنا الإشارة، وفي هذا السياق، إلى أحد تقارير الخبراء الروس الذين رفعوه إلى قيادة الوزارة في النصف الأول من عقد الثمانينيات، والمتضمن وضع قيادة الوزارة أمام ما ينتظر حوض صنعاء من نضوب لمياهه الجوفية تمامًا في العام 2028م.
تعرض الأمانة لأزمة مياة سيمثل كارثة حقيقية ومضاعفة إذا ما قارناها بأزمة تعز، بالنظر إلى الكثافة السكانية وكلفة البدائل مثل استجلاب المياه عبر تحلية مياه البحر، كنتيجة لطول المسافة والمرتفعات الجبلية التي تضاعف الكلفة.
من هذه المنطلقات على سلطة البلد أن تقف أمام هذا الموضوع بفاعلية وجدية وإحساس مسؤول بحجم الكارثة القادمة، من خلال اتباع السياسات التالية:
1. منع التوسع في زراعةالقات، بل قلعه من أراضي حوض صنعاء والمناطق المجاورة والأحواض المائية في مختلف محافظات البلاد.
2. منع حفر الآبار العشوائية، والالتزام بما يجب أن يصدر عن الجهات المسؤولة من إجراءات على هذا الصعيد.
3. القيام بإنشاء السدود والحواجز المائية في المناطق التي حددها الفريق الروسي من خلال مشروع حوض صنعاء، ومناطق ومجاري سيول أخرى تؤدي نفس الغرض.
سياسة الدولة في هذا الاتجاه لا يجب أن تقتصر على حوض صنعاء، بل لا بد أن تشمل كل الأحواض في الجمهورية والمعرضة لذات المصير.