صنعاء 19C امطار خفيفة

يا مروح بلادك

في نقاط الحوبان وأنت تنظر لتلك الحواجز ونقاط التفتيش، عليك أن تقتنع أن هناك إدارتين بائستين تديران حياة الناس من الجانبين، أو لنقل فرقتين.

 
واحدة منضبطة وبرأس واحد، والأخرى منفلتة وبلا رأس أو بعدة رؤوس.
رائحة الغبار والتراب والخراب والموت في كل مكان.
صور هنا، صور هناك، لكن الموت والدمار هو العامل المشترك الأبرز بين هذه وتلك.
عسكر هنا، عسكر هناك، عسكريات هنا، عسكريات هناك، كل هؤلاء مجتمعون من أجل تفتيش مواطن يبحث عن مكان للهروب منهم جميعًا، بحثًا عن الأمان في قرية نائية، أو للخروج والدخول إلى مدينتهم.
تدخل المدينة بحزن كالجبال، وتحاول الخروج بسرعة حتى لا تتشقق وتتعمق جراح مدينة تعز في داخلك أكثر وأكثر.
مدرسة الشعب حزينة، جبل صبر أكثر حزنًا من الجميع.
شاهدت هذا الحزن بعيني يمشي على رجلين مع الناس وفي أوساطهم.
للحزن والحزن هنا قصص مؤلمة ستروي حكاياتها لكم.
لا شيء كذكرى يمكن تسجيلها هنا سوى بدلة رسمية مهلهلة عليها آثار تعب سنين وسنين، بداخلها رجل كهل (عسكري مرور)، ربما في الثمانين من العمر، يقف في الجولة بعد مدرسة الشعب، لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، ولا يستطيع حتى الوقوف، تسأله عن أقرب مكان للخروج إلى موقع نادي الصقر؟
وبالتأكيد لا يستطيع الإجابة وهو خارج الخدمة تمامًا.
سألت نفسي ما الذي أخرجه من بيته؟
وعرفت الإجابة بوضوح.
لا يوجد هنا شيء اسمه تقاعد أو شيخوخة!
الكل يبحث عما يسد الرمق.
تعز متوقفة عن التطور والتحديث منذ سنين.
تعز لا تتجدد، كبركة مياه آسنة، ورائحتها تزداد كل يوم عفونة تزكم الأنوف.
يجري تحويل تعز إلى بيئة طاردة خالية من مقومات التمدن والحياة.
نظرت بشجن إلى السوق المركزي على اليسار.
هنا كانت الحياة ممتعة ومفعمة بالحيوية والنشاط، كل من فيها يعمل بروح ومزاج عالٍ.
كنا نمر إلى عند الرفيق حسن سعيد عبدالجبار، رحمة الله عليه، نأخذ وجبة دسمة عن حزب البعث، وقيادة الرفيق صدام حسين، وصمود العراق، ونخرج بابتسامة وأمل.
 
آه يا شارع جمال عبدالناصر ويا فندق دي لوكس..!
على يمين شارع جمال بناية القميري، هنا كنا ننتظر سيارات الساطع ومحمد عبده وجميل الزريقي، ساعات وساعات، لنسافر إلى قريتنا.
هنا كنا نشعر أن تعز مدينة أكبر من خيالنا، وفيها روح ومشاقر على خدود فتاة صبرية فائقة الحسن والجمال.
رصيف شارع جمال عبارة عن دكاكين متحركة لبيع كل شيء، وأناس متعبين يبحثون عن قراطيس لا تكفي لسد رمق أطفالهم، لكنهم يقاومون الموت بشجاعة.
القمامة والزحمة في كل مكان، وكم أنت محظوظا إذا وجدت طريقًا لسيارتك بين هذه الفوضى والزحمة.
تعز المدينة تتعرض لمؤامرة بشعة.
تعز الدولة تتعرض لتجريف بشع عبر محافظين فاسدين مختارين بعناية فائقة ومدروسة، وأحزاب تافهة، وقيادات مفسدة، وسلطة قررت العقاب الجماعي لسكان تعز، ومنظمات تسرح وتمرح بلا ضوابط وبلا رقيب ولا حسيب.
كلنا يعرف السبب.
إنها لعنة الفساد.
نحاول الخروج بسرعة من مدينة تعز، حتى لا نرى بقية الخراب والفساد اللذين يتمددان بسرعة الضوء.
نخرج من تعز، ونغني من أجل الماء:
وادي الضباب ماءك غزير سكاب.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً