صنعاء 19C امطار خفيفة

الجنولوجيا مجتمع تشاركي يتحرر بالمرأة ومعها

2025-06-26

خلال قراءتي لأحد كتب عبد الله أوجلان احد المعارضة الكردية في تركيا والمحكوم عليه بالسجن المؤبد بعد تخفيف الإعدام ، شدّني مصطلح لم أكن قد صادفته من قبل “الجنولوجيا” علم المرأة لم يكن الفضول نابعًا من خلفية سياسية أو انتماء، بل جاء كنوع من الدهشة المعرفية التي تنتاب القارئ حين يعثر على فكرة لم تكن في حسبانه لم أكن أبحث عن علم جديد، لكنني وجدت نفسي أمام رؤية نسائية تحررية فلسفية علمية ، تتجاوز شعارات المساواة وحقوق المرأة، لتطرح مشروعًا شاملاً لإعادة بناء المجتمع انطلاقًا من موقع المرأة، جسدًا وقرارًا ودورًا وقيادة الجنولوجيا، ليست علمًا يدرس المرأة كموضوع، بل كقوة مؤسِّسة للحياة، وفاعلة في تشكيل ,التاريخ والمعرفة والمجتمع، إنها نقد حاد للمعرفة التقليدية التي تشكلت في ظل أنظمة ذكورية وهي دعوة جذرية إلى تجاوز البُنى الهرمية التي حكمت علاقتنا بالجسد بالحب وبالسلطة. 

 
ما شدّني أكثر في هذا الفكر، أنه لا يضع المرأة في مواجهة الرجل او الاصطدام به ، بل في شراكة جديدة معه وتبدأ من العائلة كوعي تشاركي ، لا التنافس وتبنى على الحب المتبادل، لا التملك بل على التوازن لا السيطرة، كما يظهر ان المرأة ليست كائنًا هشًّا أو تابعًا، بل ذاتٌ كاملة تشارك في صياغة كل ما هو حيّ من القرار السياسي إلى التنظيم الاجتماعي، من الإنتاج الاقتصادي إلى بناء العلاقات
 
بعيدًا عن التيارات النسوية الكلاسيكية التي انطلقت من خلفيات غربية، ليبرالية أو ماركسية، تأتي الجنولوجيا كفكر تحرري مستقل كوني ووجداني في آنٍ واحد، و لا تكتفي بمواجهة السلطة الذكورية، بل تُقوّض أساسات المعرفة التي أنتجت هذه السلطة، وتعيد صياغة مفاهيم مثل الحرية العدالة القوة الحب والتاريخ من منظور نسائي متجذر في التجربة الجماعية، لا في صراع فردي على الحقوق ومع ذلك علم الجنولجيا للمرأة تكمل الحركة النسوية في القانون الدولي.
 
ركّزت الجنولوجيا علم المرأة على بعض الحركات النسوية على تمكين المرأة داخل بنية الدولة، ترى الجنولوجيا أن التحرر لا يمكن أن يتحقق ضمن نظام هرمي قائم على المركزية والعنف المؤسسي بل تؤمن أن المرأة لا تُحرّر فقط عبر القوانين فقط ، بل تحويل الحياة نفسها وذلك من التعليم التنمية العلاقات التنظيم والاقتصاد البديل.
 
تبتعد الجنولوجيا عن نبرة المواجهة العدائية، وتطرح نموذجًا تكامليًا لا يقوم على قلب الأدوار، بل على تفكيكها بل تحول السلطة الذكورية بسلطة نسائية مقابلة بمعنى ان كلى الجنسين قادة و تسعى إلى تفكيك مفهوم “السلطة” نفسها، وإعادة بنائه على قاعدة المشاركة والوعي الجماعي في بناء دولة متماسكة حتى على مستوى التعددية السياسية
تاريخيا تسردالجنولوجيا أن المرأة مركز المجتمع، وبرزت ككاهنة زعيمة ومصدر للخصوبة في حضارات مثل السومرية والحثية كانت الإلهة الأنثى تُعبد قبل الآلهة الذكورو يعتقد منظّرو الجنولوجيا أن هذا العصر شهد أولى صور المجتمع الطبيعي المتوازن.
في بعدها السياسي، لا تطالب الجنولوجيا بحضور رمزي للمرأة، بل تسعى لتأسيس نمط مختلف من ممارسة السلطة، يبدأ من القاعدة الشعبية ويصعد عبر التمثيل الأفقي، حيث تشارك المرأة في القرار، لا بوصفها صوتًا إضافيًا، بل كصاحبة مشروع متكامل في إدارة الحياة. المجالس اللجان أنظمة الإدارة المحلية كلها تُعاد هندستها لتضمن مشاركة عادلة لا تُقصي أحدًا
 
اقتصاديًا، تقدم الجنولوجيا رؤية بديلة عن الاقتصاد الربحي والرأسمالي، وتُعيد الاعتبار للعمل الرعائي، والزراعي، والجماعي، الذي لطالما قامت به النساء دون اعتراف أو مقابل.فهي لا ترى المرأة كيد عاملة فقط، بل كقوة تنظيم مجتمعي وإنتاج مستدام، يُراعي الحاجات الإنسانية أولا لا جشع السوق
ثقافيا الجنولوجيا منتجة للمعرفة الجماليه في الفلسفة الذكورية، كانت المرأة دائمًا موضوعًا للجمال وليسا صنعه له ،وهنا تختلف المعادلة اذ ان المرأة ليست مفعولًا به في الجمال، بل فاعلةٌ في إنتاجه كروح ووجدان
كما تُشجع النساء على أن يكنّ فنانات، نحاتات، شاعرات، اديبات لا كمحاكاة لرجال، بل كامتداد لتجربتهن الحسية والروحية الخاصة
في المجال الاجتماعي تُفكك الجنولوجيا الصور النمطية التي كبّلت جسد المرأة باسم الشرف، وقيّدت مشاعرها باسم الطاعة، وسلبت قرارها باسم التقاليد إنها تُعيد الاعتبار للعاطفة كقيمة إنسانية وللجنس كحق، وللرغبة كمساحة للتعبير الحر، لا كذنب يجب كتمه في هذا السياق، يصبح الجسد الأنثوي ليس عبئًا ثقافيًا، بل لغة حيّة تُستعاد كجزء من هوية المرأة.
 
المرأة في هذا الفكر لا تطالب بالحب بل تختاره لا تنتظر القبول، بل تُعلن حضورها لا تقف على الهامش، بل تُشارك في البناء، وتُعيد تعريف العلاقة مع الرجل، لا باعتبارها علاقة امتلاك، بل علاقة بين حريتين تلتقيان على أرضية الاحترام والرغبة والكرامة.
 
أما الرجل، فلا يُصوَّر كعدو أو خصم، بل يُدعى للتحرر هو الآخر من الأدوار القسرية التي فرضتها عليه المنظومة الذكورية في العصر الابوي بمعنى ليس عليه أن يكون قويًا دائمًا أو مهيمنا أو مُعيلًا بالضرورة ، بل شريكًا ناضجًا، قادرًا على الإصغاء، والتغير، وإعادة التفكير بموقعه من السلطة والعاطفة معًا.
 
الجنولوجيا لا تقترح مجرد علم فقط ، بل تطبق لمسار وطريقة حياة ومشروع تحوّل مجتمعي شامل إنها تلهم النساء والرجال وتحترم فكرهم المتنوع وثقافتهم ليعيدوا اكتشاف أنفسهم خارج القوالب، خارج الأدوار المفروضة، وخارج أنظمة السيطرة التي نشأنا في ظلها جميعًا و كيف يمكن أن نبني مجتمعًا لا يرتكز على القمع، بل على التشارك لا يُنظم بالعنف، بل بالوعي لا يُدار بالتراتبية بل بالتكامل
 
ما تقدمه الجنولوجيا ليس بديلًا جاهزًا، بل أفق مفتوح قابل لدراسات، وأداة تفكير قابل للنقد ، وتجربة مستمرة في أماكن كثيرة بدأت تُطبّق فيها هذه المبادئ في السياسة، والتربية، والعلاقات اليوميةبالنسبة لي، لم تكن هذه القراءة مجرد اكتشاف لان سبق لي ان قرات الجنولوجيا من منظور علمي لكنه اكتشاف لمنظور علم المرأة ، بل وضعني في لحظة وعي دفعتني لإعادة التفكير في معنى الحرية والحب والمجتمع وتعزيز الذات
 
وربما قد تبدأ المجتمعات المتأزمة في التشافي حين تُعاد صياغتها انطلاقًا من سؤال بسيط وعميق ماذا لو بدأنا من المرأة!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً