عن البيان الصادر عن "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، وقد تبنى بعض الإعلاميين، وللأسف، مواقف دفاعية عنه دون تمحيص.
دعونا نقرأ هذا البيان من منظور آخر قانونيًا، ولتقديم نقد بناء لخطوة المكتب وبيانه الذي افتقر إلى الوضوح والتحديد.
أولًا الغموض:
جاء البيان غامضًا، ولم يوضح مطالبه بشكل صريح. فقد اضطر أنصار المكتب إلى تفسير البيان بالقول إنه كان يطالب بحضور الاجتماعات والحصول على حصة في مؤسسات الدولة. هذا الغموض يضعف من قوة البيان ومصداقيته، فالمطالب الواضحة والمحددة هي أساس أي خطاب سياسي فعال.
ثانيًا الإطار القانوني للاجتماعات هيئة التشاور:
من المهم التأكيد على أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس معنيون قانونيًا ودستوريًا بإحاطة الشركاء، بمن فيهم هيئة التشاور والمصالحة والمكونات الممثلة فيها، بمستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية. هذا يأتي في سياق مقتضيات الشراكة الوطنية، وليس لاتخاذ قرارات تنفيذية أو تشريعية، فهذه المهام من اختصاص الحكومة ومجلس النواب ومؤسسات الدولة المختصة.
لذا، فإن هذه الاجتماعات التشاورية تقع في صلب مهام مجلس القيادة الرئاسي والهيئات والفرق المساندة له. هي تأكيد لنهج التشاور الواسع مع القوى السياسية المشمولة بمرجعيات المرحلة الانتقالية، وهو ما يفترض أن يحظى بالتقدير والإشادة من غالبية الشركاء، بدلًا من الاعتراض عليه دون أي سند قانوني.
ثالثًا تقمص دور الوصاية:
ذهب بيان المكتب السياسي للمقاومة الوطنية إلى تقمص دور الوصاية على السلطة التنفيذية، متحدثًا نيابة عن الحكومة، بدلًا من كونه مكونًا سياسيًا يسعى لتحقيق تطلعات مشروعة وفقًا للقوانين النافذة وأحكام تسجيل وتشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية. هذا التجاوز يعكس فهمًا خاطئًا لدور المكونات السياسية في الدولة.
رابعًا غياب الصفة القانونية للمكتب:
البيان يفتقر إلى الصفة الدستورية والقانونية لرفض أو الاعتراض على لقاء تشاوري لرئيس الدولة مع مكونات سياسية معترف بها. فالمكتب السياسي للمقاومة الوطنية غير ممثل في هيئة التشاور والمصالحة، ولم يكن مشمولًا بمرجعيات التوافق الوطنية والإقليمية والدولية، كما أنه ليس مكونًا سياسيًا مسجلًا لدى لجنة شؤون الأحزاب. هذه النقاط الأساسية تجرده من أية شرعية للتدخل في مهام السلطة التنفيذية بهذه الطريقة.
أخيرًا: كان من المتوقع أن يمثل هذا البيان فرصة لتشكيل جبهة ضغط شعبي ترفض الخروج عن المرجعيات المتوافق عليها، وانتهاك قانون الأحزاب، وتطالب بمكونات سياسية منزوعة السلاح أو أي أساس ديني أو مناطقي لها. لكن بدلًا من ذلك، فقد أظهر البيان تبني موقف غير مبرر قانونيًا أو دستوريًا، مما أفقد فرصة توحيد الجهود حول قضايا وطنية جوهرية.
سلامتكم...