صنعاء 19C امطار خفيفة

تحويل العدو الأول للعرب من الكيان الغاصب إلى إيران

منذ أن طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، إسحاق رابين، رؤيته لـ"الشرق الأوسط الجديد"، في تسعينيات القرن العشرين (وبخاصة في سياق اتفاقيات أوسلو وودي غربو وكامب ديفيد)، سعى الكيان الغاصب -بمباركة ودعم ضمني أو صريح من بعض حلفائه الغربيين- إلى ترسيخ تصور إقليمي جديد، لاحَظَ الكيان الفرصة الناشئة عن الثورة الإيرانية عام 1979، وتصاعد الخطاب الإيراني الذي يَحمِل بُعدًا مذهبيًا واضحًا، وبخاصة نص الدستور الإيراني على أن المذهب الاثني عشري هو دين الدولة، فأثار الكيان الرعب لدى الدول العربية بأن إيران تسعى إلى تصدير الثورة، وعزز من ذلك وقوف ثلاثين دولة غربية مع صدام أثناء حربه مع إيران،

 
ودعم دول الخليج وكثير من الدول العربية لصدام)، فسعى الكيان جاهدًا، وبالتوازي مع مخاوف عميقة لدى دول مجلس التعاون الخليجي، من النفوذ والتوسع الإيراني وأجنداته، إلى تحويل إيران من حليف سابق لإسرائيل في عهد الشاه، إلى العدو الأول المشترك للدول العربية والإسلامية في المنطقة.
كما استفاد الكيان الغاصب بشكل كبير من هذا التحول الاستراتيجي. فقد نجح، عن طريق تضخيم البُعد المذهبي في السياسة والخطاب الإيراني الرسمي (والذي استُخدِم فعليًا لتبرير التدخلات في شؤون الدول العربية)، في تعميق الشرخ بين إيران وجيرانها العرب، لا سيما دول الخليج الغنية. هذا التصوير سمح لإسرائيل بإعادة تشكيل المشهد الأمني الإقليمي، حيث أصبح "الخطر الإيراني" هو الهاجس الأكبر لدى العديد من العواصم العربية، متجاوزًا بذلك الصراع العربي -الإسرائيلي التقليدي كأولوية قصوى في بعض الأحيان، ومهّد الطريق لمسار التطبيع التدريجي الذي نراه اليوم.
في هذا السياق، تشكّل الضربات التي توجّه إلى عمق الكيان الإسرائيلي (مثل تلك التي نفذتها إيران ليلة أمس إلى دك مبانٍ في أغلب مدن هذا الكيان الذي يتعربد بدعم وتمويل أمريكي وغربي ورضى عربي) حدثًا ذا دلالة عميقة. فهي تذكّر بأن قضية فلسطين المركزية لم تُدفن تحت ركام الاستراتيجيات الجيوسياسية المتغيرة، وأن إسرائيل تظل كيانًا محتلًا في نظر شعوب المنطقة، فمشاهد الدمار والقتل الجماعي في غزة، والتي تمثّل استمرارًا لمعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والعدوان، تُلهب مشاعر الملايين في العالمين العربي والإسلامي، وتُثبت فشل كل محاولات تجاوز الحقوق الفلسطينية أو تهميشها، بغض النظر عن التحالفات الإقليمية المؤقتة أو خطابات العداء الموجهة ضد أطراف أخرى.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً