صنعاء 19C امطار خفيفة

إسرائيل شرعنت بعدوانها على إيران ضربها مستقبلًا لنفس السبب

ارتكبت إسرائيل عدوانًا سافرًا ضد إيران، فجر الجمعة، الثالث عشر من يونيو/ حزيران، وكان المفروض أن تتلقى هي مثله كدولة مارقة ومحتلة ونووية. استمرأت إسرائيل المدعومة من أمريكا، الاعتداءات التي تخدم سياسة التوسع وإضعاف الخصوم، وبهذا الدعم لم يعد يهمها القانون الدولي أو أي من التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. كانت إيران على وشك مواصلة التفاوض مع أمريكا في مسقط، بعد ستين ساعة من العدوان، في جولة سادسة قد تعقبها جولات أخرى للبحث في الوضع النووي الإيراني، وليس الإسرائيلي، وترسانته النووية الفعلية. من حيث المبدأ، أمريكا غير مفوضة من قبل أية جهة دولية مختصة للقيام بهذا الدور، ولكن منطق القوة الذي ساد عند خلق إسرائيل عام ١٩٤٨، لايزال يفرض نفسه في ظل تواطؤ غربي يهيمن على التنظيم الدولي.

 
إن سابقة العدوان الإسرائيلي على إيران تبرر للغير مستقبلًا مهاجمة برنامجها النووي العسكري الذي يشكل خطرًا حقيقيًا على المنطقة والعالم. الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنحازة مع دول غربية عديدة لإسرائيل، تفتش وتراقب البرنامج النووي الإيراني عن كثب، ولم يصدر عنها ما يدين البرنامج النووي السلمي الإيراني، باستثناء التعبير عن مخاوف حول قدرة إيران مستقبلًا على صنع قنبلة نووية. الوكالة كوجه آخر لانحيازها لإسرائيل أعفت نفسها من التحدث عن البرنامج النووي الإسرائيلي، أو حشد تأييد ضاغط على إسرائيل للانضمام إلى معاهدة الانتشار النووي التي وقعت في موسكو عام ١٩٦٨، أو دعم الدعوات العربية المتكررة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وهذا يشمل إيران.
 

أمريكا تغتصب مسؤوليات الوكالة

 
تتغاضى أمريكا عن برنامج نووي إسرائيلي قائم بالفعل، لأنها هي التي قدمت لإسرائيل تقنية نووية عام ١٩٥٥، سمتها "برنامج الذرة من أجل السلام"! ونشطت بدون كلل في متابعة ما تراه بعيون إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني لم تؤيد عسكرته وكالة الطاقة الذرية الدولية. في عام ٢٠١٥ توصلت مجموعة ٥+١ المكونة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، إلى اتفاق نقضه الرئيس ترامب عام ٢٠١٨، متجاهلًا الأطراف الأخرى، لأن إسرائيل لم تكن راضية عنه، ويعوق تنفيذ عدوانها الذي انتظرته طويلًا، وتم في الثالث عشر من يونيو.
من جهة أخرى، ولمصلحة دولة العدوان، أصبح التنظيم الدولي معاقًا، وفشل في كبح إسرائيل بعد تدميرها للمفاعل النووي العراقي، أوزيراك، عام ١٩٨١، بدعم أمريكي تولاه الرئيس جيمي كارتر الذي زود إسرائيل عام ١٩٧٩، بصور عالية الدقة للمفاعل السلمي العراقي من قمر KH- 11 التجسسي. مر الأمر بسلام، وبدون أي عقاب لإسرائيل، وكأن الهجوم كان على سيارة في مرآب.
وعندما تعلق الأمر بمصلحة إسرائيل هبت بريطانيا وأمريكا بالترغيب والترهيب لليبيا لتفكيك برنامجها النووي السلمي مقابل تعويض لم يُدفع قدره خمسة وعشرون مليون دولار لتغطية تكلفة التفكيك. تم كل هذا والقدرة النووية الإسرائيلية تتطور وتزداد حتى وصلت إلى ٢٠٠ قنبلة نووية و٤٠٠ رأس نووي. ولايزال الكلام محرمًا حول هذه الترسانة العدوانية، ومؤخرًا نسيها العرب، أو سئموا من الحديث عنها، وولوا وجوههم نحو إيران. أما في الغرب فالحديث عن الترسانة النووية الصهيونية غير متوقع، حتى بعد أن نشرت صحيفة "صنداي تايمز"، عام ١٩٨٠، أن إسرائيل تستخدم بحوثًا حصلت عليها من جنوب إفريقيا، لتطوير قنبلة عرقية، وما كشفه الفني في مفاعل ديمونة موردخاي فانونو بالتفصيل لصحيفة "صنداي تايمز"، عام ١٩٨٦، عن القدرة النووية الإسرائيلية، والذي دفع الموساد لاختطافه وسجنه لثمانية عشر عامًا. اختطاف وسجن فانونو اليساري الإسرائيلي المناصر للفلسطينيين، كان ولايزال دليلًا دامغًا على أن إسرائيل دولة نووية.
من جهة أخرى لا تقل أهمية، تعمل إسرائيل وأمريكا وعبيدهما كل ما بوسعهم على عدم امتلاك أية دولة عربية أو إسلامية للتكنولوجيا النووية السلمية، لأنها تفتح آفاقًا واسعة لتكنولوجيا مدنية ذات أغراض تنموية عديدة تقلل الاعتماد على السلع الصناعية الغربية، وتؤثر على استقرار ورفاهية مجتمعاتها. لذلك لم أستغرب قبل يومين عندما قرأت كتابة على زجاج حافلة صغيرة تقول: "شكرًا لليابان التي تصنع لنا السلع الكمالية".
لقد انشغل العالم كله منذ واحد وعشرين عامًا بالنووي الإيراني المفترض، أو قل المتوقع، وتجاهل عمدًا النووي الإسرائيلي، لأن قنابل إسرائيل النووية ديمقراطية كنظام الأبارتهايد الإسرائيلي الذي كان مدعومًا من قبل معظم دول الغرب، وعلى رأسه دولة الشر الأكبر، وقبل بسياسة الغموض النووي الإسرائيلية التي لا تنكر ولا تؤيد.
من المفارقات النووية العجيبة أن الدول الغربية تعلم علم اليقين أن إسرائيل جربت قنبلة نووية في صحراء كالاهاري بجنوب إفريقيا العنصرية، وأنها هددت في العام ١٩٧٣ باستخدام السلاح النووي ضد مصر لتفادي هزيمة توقعتها جولدا مائير في حرب أكتوبر.
لقد أصبحت الحروب جزءًا من الحياة اليومية للكيان الاستعماري، وكأنه لم يخلق من قبل الغرب إلا لشنها. وفي الحقيقة هو لا يستطيع العيش بدونها، ومن ثم لا يردعه القانون الدولي ولا ميثاق الأمم المتحدة.
 

الأسد سيشيخ

 
سمت إسرائيل عدوانها على إيران "عملية الأسد الصاعد"، بما يعني أنها تتعامل مع المنطقة كغابة هي أسدها المفترس، وحربها ضد إيران تطبيق لما قاله نتنياهو بأنه سيغير خريطة الشرق الأوسط تمهيدًا لتسيد كيانه العنصري على كل دولها. وفي ضوء التخلف العربي المزمن والمفجع، فهذا صحيح ١٠٠%، فنحن بدون النفط أصفار في الاقتصاد الدولي، ومستهلكون شرهون للبضائع الأجنبية، لأننا حتى اليوم لم ندرك أن إسرائيل كيان عدواني له أهداف ثلاثة: استعماري واستيطاني وتوسعي، وكل هذا يضر مصالحنا وأمننا، أما هو فشديد الثقة بنفسه، ويُهين حتى دولًا كان لها فضل كبير في خلقه من العدم. هذه الثقة المفرطة بالمقدرة وبالقوة جعلته ينتقم بوحشية لأكثر من عشرين شهرًا من بداية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر، الذي مرغ سمعته ككيان لا يقهر في الوحل، وما عدوانه على إيران إلا إحدى نتائج طوفان الأقصى.
إن ميزة إسرائيل علينا أنها متطورة تقنيًا، وتنفق على البحث العلمي سنويًا أكثر بكثير جدًا مما تنفقه عليه الاثنتان وعشرون دولة عربية كسيحة، وقد باعت أسلحة عام ٢٠٢٤ بقيمة أربعة عشر مليارًا ونصف المليار دولار، وهي مدعومة بدون قيود من إمبراطورية أمريكية ترى في سياسات إسرائيل العنصرية والتوسعية ماضيها. هذا الأسد الصاعد سيشيخ يومًا ما، وفي شيخوخته سيفِر معظم -إن لم يكن كل- مستعمري فلسطين كل إلى مسقط رأس عائلته، وهذا وحده الذي سيساعد المنطقة أن تعيش بسلام لأول مرة منذ أكثر من قرن. شيخوخة دولة التطهير العرقي سيصاحبها شيخوخة مماثلة لإمبراطورية الشر، الشريكة الكاملة مع العدو: أمريكا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً