في محنة المقالح

في محنة المقالح

*نقابة الصحفيين ومنتدى الشقائق يطالبان النائب العام بفتح تحقيق في جريمتي خطف وتعذيب المقالح
*منع وفد من منظمة العفو الدولية من حضور جلسة محاكمته
*تردي الحالة الصحية يجبر القاضي على تأجيل الجلسة
قرر القاضي رضوان النمر قاضي المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة، وقف إجراءات جلسة المحاكمة صباح السبت، جراء تردي الحالة الصحية للزميل محمد المقالح، وانهياره داخل قفص الاتهام.
وكانت الجلسة مخصصة للاستماع إلى قائمة أدولة الإثبات، وبينها مكالمات هاتفية أجراها المقالح مع شخصيات سياسية في الحزب الاشتراكي والمعارضة، وتسجيلات أخرى تقول النيابة إن المقالح أجراها مع عبدالملك الحوثي والناطق باسمه محمد عبدالسلام.
وبدأت المحكمة جلساتها العلنية قبل 4 أسابيع، لكن إجراءات استثنائية اعتمدتها المحكمة والأجهزة الأمنية حالت دون حضور الصحفيين والحقوقيين وأقارب المقالح وأصدقائه جلساتها.
وتعتمد المحكمة إجراءات مماثلة في قضايا أخرى تنظر فيها، أبرزها تلك التي يُحاكم فيها صحفيون وناشطون متهمون بالانخراط في الحراك الجنوبي.
وصباح السبت منع أمن المحكمة الصحفيين والحقوقيين من حضور الجلسة، ومنع الأمن أيضاً وفداً من منظمة العفو الدولية يزور اليمن حالياً، من حضور الجلسة.
وتم اختطاف المقالح في 17 سبتمبر الماضي، من قبل مجموعة مسلحة، وتم إخفاؤه قسرياً مدة 4 أشهر. وحسب رواية المقالح في الجلسة الأولى فإن الخاطفين حبسوه في مكان مغلق كلياً، في منزل خارج العاصمة. وأضاف أنه حُرم طيلة فترة حبسه من أي اتصال بالخارج، وأن الخاطفين أبلغوه بأن المنزل تابع لشيخ يُدعى "علي العكيمي"، لكنهم قبيل إخراجه من المنزل أبلغوه بأنهم يتبعون جهاز الأمن القومي.
وتزعم النيابة الجزائية المتخصصة في قرار الاتهام أن إجراءات حبس المقالح تمت بقرار منها، وهو ما يتناقض كلية مع تصريحات ومذكرات النائب العام خلال فترة الإخفاء القسري للمقالح، وآخرها تصريح أدلى به لصحيفة "الوسط" في 13 يناير الماضي، ينفي فيه أية صلة للنيابة العامة باحتجاز المقالح، وذلك رداً على تصريحات للأمين المساعد للمؤتمر الشعبي العام أحمد بن دغر، تؤكد أن المقالح معتقل لدى أجهزة الأمن بناء على قرار من النيابة.
وفي الجلسة الأولى للمحكمة طالب المقالح بتحريره من عملية الاختطاف التي وصفها بالمستمرة، وطالب أيضاً بمحاكمة الجناة الذين اختطفوه وعذبوه طيلة 4 أشهر. وإذ لفت إلى أساليب التعذيب البشعة التي ارتكبت ضده، قال إنه "صُعق جراء التداخل بين عصابات الإجرام والخطف والأجهزة الأمنية".
وما يزال المقالح محبوساً في جهاز الأمن السياسي في ظروف استثنائية تشمل منع الزيارة عنه، وحرمانه من الرعاية الصحية.
منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان ونقابة الصحفيين اليمنيين وجها في 2 مارس الجاري مذكرة إلى النائب العام تطلب التوجيه بنقله إلى الحبس الاحتياطي غرب العاصمة، وعرضه على أطباء متخصصين، والأمر بإجراء تحقيق مع عناصر جهاز الأمن القومي الذين قاموا باختطافه وإساءة معاملته خلافاً لأحكام القانون وقواعد السلوك والإجراءات الخاصة بمعاملة السجناء.
وحملت نقابة الصحفيين ومنتدى الشقائق النائب العام مسؤولية النتائج المترتبة على تفاقم وضعه الصحي جراء جريمة الإخفاء القسري وجريمة التعذيب التي رافقت إخفاءه قسرياً.
إلى ذلك، نظم المرصد اليمني لحقوق الإنسان، صباح أمس الأحد، ندوة في مقر صحيفة "يمن تايمز"، حول المحكمة الجزائية المتخصصة وقضية المقالح.
وتحدث في الندوة، التي أدارها المحامي عبدالعزيز البغدادي، المحاميان أحمد الوادعي ومحمد المخلافي، اللذان أشارا إلى استثنائية هذه المحكمة، ومخالفة قرار إنشائها للنص الدستوري الذي يحظر إنشاء محاكم استثنائية.
وتركزت مداخلات الحضور على تقديم شواهد على المخالفات والانتهاكات الخطيرة التي تُمارس داخل المحكمة، والتي تقوض معايير المحاكمة العادلة وفقاً للدستور والقانون.
اعتمدتها المحكمة والأجهزة الأمنية حالت دون حضور الصحفيين والحقوقيين وأقارب المقالح وأصدقائه جلساتها.
وتعتمد المحكمة إجراءات مماثلة في قضايا أخرى تنظر فيها، أبرزها تلك التي يُحاكم فيها صحفيون وناشطون متهمون بالانخراط في الحراك الجنوبي.
وصباح السبت منع أمن المحكمة الصحفيين والحقوقيين من حضور الجلسة، ومنع الأمن أيضاً وفداً من منظمة العفو الدولية يزور اليمن حالياً، من حضور الجلسة.
وتم اختطاف المقالح في 17 سبتمبر الماضي، من قبل مجموعة مسلحة، وتم إخفاؤه قسرياً مدة 4 أشهر. وحسب رواية المقالح في الجلسة الأولى فإن الخاطفين حبسوه في مكان مغلق كلياً، في منزل خارج العاصمة. وأضاف أنه حُرم طيلة فترة حبسه من أي اتصال بالخارج، وأن الخاطفين أبلغوه بأن المنزل تابع لشيخ يُدعى "علي العكيمي"، لكنهم قبيل إخراجه من المنزل أبلغوه بأنهم يتبعون جهاز الأمن القومي.
وتزعم النيابة الجزائية المتخصصة في قرار الاتهام أن إجراءات حبس المقالح تمت بقرار منها، وهو ما يتناقض كلية مع تصريحات ومذكرات النائب العام خلال فترة الإخفاء القسري للمقالح، وآخرها تصريح أدلى به لصحيفة "الوسط" في 13 يناير الماضي، ينفي فيه أية صلة للنيابة العامة باحتجاز المقالح، وذلك رداً على تصريحات للأمين المساعد للمؤتمر الشعبي العام أحمد بن دغر، تؤكد أن المقالح معتقل لدى أجهزة الأمن بناء على قرار من النيابة.
وفي الجلسة الأولى للمحكمة طالب المقالح بتحريره من عملية الاختطاف التي وصفها بالمستمرة، وطالب أيضاً بمحاكمة الجناة الذين اختطفوه وعذبوه طيلة 4 أشهر. وإذ لفت إلى أساليب التعذيب البشعة التي ارتكبت ضده، قال إنه "صُعق جراء التداخل بين عصابات الإجرام والخطف والأجهزة الأمنية".
وما يزال المقالح محبوساً في جهاز الأمن السياسي في ظروف استثنائية تشمل منع الزيارة عنه، وحرمانه من الرعاية الصحية.
منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان ونقابة الصحفيين اليمنيين وجها في 2 مارس الجاري مذكرة إلى النائب العام تطلب التوجيه بنقله إلى الحبس الاحتياطي غرب العاصمة، وعرضه على أطباء متخصصين، والأمر بإجراء تحقيق مع عناصر جهاز الأمن القومي الذين قاموا باختطافه وإساءة معاملته خلافاً لأحكام القانون وقواعد السلوك والإجراءات الخاصة بمعاملة السجناء.
وحملت نقابة الصحفيين ومنتدى الشقائق النائب العام مسؤولية النتائج المترتبة على تفاقم وضعه الصحي جراء جريمة الإخفاء القسري وجريمة التعذيب التي رافقت إخفاءه قسرياً.
إلى ذلك، نظم المرصد اليمني لحقوق الإنسان، صباح أمس الأحد، ندوة في مقر صحيفة "يمن تايمز"، حول المحكمة الجزائية المتخصصة وقضية المقالح.
وتحدث في الندوة، التي أدارها المحامي عبدالعزيز البغدادي، المحاميان أحمد الوادعي ومحمد المخلافي، اللذان أشارا إلى استثنائية هذه المحكمة، ومخالفة قرار إنشائها للنص الدستوري الذي يحظر إنشاء محاكم استثنائية.
وتركزت مداخلات الحضور على تقديم شواهد على المخالفات والانتهاكات الخطيرة التي تُمارس داخل المحكمة، والتي تقوض معايير المحاكمة العادلة وفقاً للدستور والقانون.
*****************
المقالح
*محمد الغباري
لا نعرف حتى اللحظة سببا لهذا الموقف العدائي من الزميل محمد المقالح، مع أن المتقاتلين في صعدة قد اتفقوا، بل وأصبح لقادتهم موقع في المقايل السياسية الهامة في صنعاء. وأستغرب أن تستمر محاكمة شخص اختطف وأخفي قسرا كل هذه المدة، وبتهم لا أساس لها، وتصويره وكأنه القائد العسكري للحرب، مع أن الوقائع التي ساقها الادعاء تعكس غير ذلك.
هذا الأسبوع مُنع الصحفيون ووفد منظمة العفو الدولية من حضور جلسة محاكمة المقالح الذي أمضى نحو 200 يوم في السجن منذ اختطافه وإخفائه في منتصف سبتمبر الماضي، وبأسلوب يعكس هذه العدوانية والاستضعاف في آن واحد. لكن من تمكن من حضور الجلسة، وهم قلة من أقاربه والدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي، نقلوا لنا صورة بائسة للأدلة التي تم تقديمها.
تسجيل لمكالمات هاتفية مع المتحدث باسم الحوثيين تحثهم على القبول بوقف إطلاق النار، وعلى تجنب الحديث عن عداء لأمريكا، وربط الخلاف معها بالخلاف الثقافي ودعمها لإسرائيل... الخ، مقالات سبق أن نُشرت قبل الحرب السادسة، وهي في مجملها تقدم نقدا للحروب الداخلية، وتدعو لعدم الزج بالجيش كمؤسسة وطنية في الصراعات الداخلية، وهذه الرؤية يتفق الكثير مع المقالح فيها، بل وقد كتبوا مثلها، والدستور والقانون يكفلان مثل هذا الحق، بل وإبداء الرأي أساس للديمقراطية.
في مختلف جبهات القتال بمحافظة صعدة يتقاسم ممثلو الحكومة والحوثيين المجالس، ويلتقون ويتفهمون، بل وخلقت علاقات ودية بين طرفين، حملا السلاح في وجه بعضهما البعض مدة 5 سنوات، وهو أمر طيب ينبغي أن نشجع عليه لأن القضايا الداخلية لا تحل إلا بالحوار، وهذه الطريقة أقل كلفة في كل العصور، ومع ذلك فإن التعنت الواضح في طريقة التعامل مع قضية الصديق العزيز المقالح لا يمكن تفسيرها إلا في إطار واحد، وهو استخدامها كورقة ضغط على الحزب الاشتراكي.
أنا، لا أفتري في ما أقوله، ولكن هل يوجد تفسير واضح للتنكيل به وتعذيبه، ومن ثم استمرار منع الزيارة عنه ومحاكمته، في حين أن الذين حملوا السلاح وقتلوا أو تسببوا في قتل المئات من الجنود يتم استقبالهم في أهم المجالس بحفاوة بالغة، وآخرين يرسل إليهم الوزراء والمفاوضون، وتتم إقالة مسؤولين من مناصبهم إرضاءً لهم..!
أليس من العار أن يتم اختطاف صحفي معروف وشخصية سياسية بارزة، وتعريضه لجلسات إعدام وهمية عدة مرات، ثم يحال إلى المحكمة، ونكتشف بعدها أن النيابة كانت على علم بالحادثة، بل وأصدرت أمر قبض قهري في حقه مع أن عنوانه معروف، وأرقام تلفوناته موضوعة تحت المراقبة..؟!
أتذكر، ومعي الكثير من الزملاء، أننا لم نمنع من حضور أية جلسة من جلسات محاكمة أخطر المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وأن الإجراءات الأمنية التي كانت تفرض على المحكمة عند الدخول كانت وما زالت أقل بكثير مما هي عليه عن انعقاد جلسات المقالح، حيث أصبحت البطاقة الصحافية سببا لمنعك من الدخول، ومكان مولدك مدخلا لاستجوابك عن أسباب حضورك إلى المحكمة، وكأنك ستحضر جلسة لمحاكمة قائد انقلاب عسكري.
.. القداسة..
الموقف الذي صدر الأسبوع الماضي عن مجلس القضاء الأعلى بشأن مسعى عدد من القضاة لتأسيس رابطة لهم، يعكس موقفاً شمولياً، معادياً للتعددية، وأيضاً موقفاً يخالف القانون الذي يعطي للناس حق تنظيم أنفسهم، أو تأسيس جمعيات إذا ما توفر شرط أساسي، وهو أن عددهم تجاوز ال20 شخصاً.
الاعتقاد بأن إضفاء نوع من القداسة على القضاة سيؤدي إلى تحسين أداء هذا الجهاز، وإقناع الناس بأن العدالة تحققت، أمر غريب وعجيب، لأن العدالة لابد أن يلمسها الناس واقعا معاشا في حياتهم، وثانيا إن علانية الجلسات هي تأكيد من المشرع على حق الرقابة الشعبية على أداء القضاة، وفي الأخير لا يمكن القبول بأن يكون القضاة خصوماً وحكاماً في نفس الوقت، وإذا ما أرادوا تحقيق هذه التطلعات فإن عليهم القبول بوجود حكم محايد ليفصل بين شكواهم ومنتقديهم.
malghobariMail

***************
المقالح.. صوت الضمير الذي يحاكمه الجناة
*فؤاد مسعد
بعد 4 أشهر من اختطاف الكاتب والصحفي محمد المقالح على يد عناصر أمنية، يمثل الآن أمام محكمة استثنائية بعد ما توافقت أجهزة الأمن والنيابة والقضاء على توجيه تهم يمكن اعتبارها ملفقة، وبعيدا عن استنادها لأدلة هي أمام منطق الحقائق أوهى من خيوط العنكبوت. وما يثير الاستغراب في الأمر أن تسكت كل هذه الأجهزة (الأمن والقضاء) عن جريمة اختطاف وإخفاء وتعذيب وتهديد وممارسات تأنف من ارتكابها عصابات الجرائم وأشرس الحيوانات، فيما كان المفترض بهذه الأجهزة حماية المواطنين الذين أوقعهم سوء الحظ في قبضة عناصر أقل ما يمكن وصفها بأنها خارجة عن النظام والقانون.
الآن على المجني عليه محمد المقالح أن يدفع عن نفسه التهم التي وجهها له خاطفوه، أما هم فهم أبرياء من كل ما قاموا ويقومون به، إذ إن مسعاهم (النبيل) في كل ما اقترفوه بحق المقالح هو الحفاظ على هذا الوطن المنكوب بهم، هم ينقمون من خصومهم –والمقالح أحدهم- لا لشيء إلا لأنهم يحرصون على البلاد ويخافون على مستقبلها من هؤلاء الخصوم الذين يثيرون بأعمالهم المتاعب!
عناصر الأجهزة الأمنية المختصة والنيابة العامة يواجهون المقالح بتهم عديدة تتعلق غالبيتها بحروب صعدة، أما جريمة اختطاف مواطن يمني على يد عناصر في النظام ومن قلب العاصمة، فهذا لا يعني الأمن ولا النيابة المنشغلين بمراقبة هواتف الخصوم وتحيّن الفرص للانقضاض عليهم بعيدا عن الإجراءات القانونية المفترضة، وهو ما يشي بالمآل السيئ والمكشوف الذي وصلت إليه الأوضاع في البلد، ليس بممارسات عصابات الخروج المسلح، بل ممارسات من يفترض بهم حماية المواطنين من أعمال الخطف المشرعة في وجوه المخالفين.
كان المقالح في مجمل كتاباته يدعو جميع الأطراف للحفاظ على السلم الاجتماعي، وهذا شيء عُرف عنه حتى من خصومه (الشرفاء طبعا)، أما غيرهم فلا يهم أن يستوعبوا أفكار الرجل ما دام رأس الحكم يبدي سخطه عليه، وهم مولعون دوما بالقول لما يهواه سيدهم: نعم.
هل نقول إن الأستاذ القدير محمد المقالح يدفع ثمن حرصه على هذا السلم؟ ندعو المعنيين لإعادة قراءة آرائه الناقدة للممارسات الخارجة عن القانون إن كان يعنيهم ذلك. أما إذا كان النيل من المقالح أمرا قد دبر بليل ولا جدوى من كل ما يمكن أن يقوله المدافعون عنه، فلتكشف هذه الجهات عن المصير الذي يراد للمقالح أن يصل إليه، بدون أن تحرج النيابة التي بدت مغلوبة على أمرها، فالنائب العام بعد الخطف وجه مذكرة للأمن السياسي الذي نفى أن يكون المقالح عنده، وبعد الكشف عن مكان وجوده بادرت النيابة لتقديم مسوغات الخطف والإخفاء، مغلفة ذلك بسلسلة من الاتهامات، مع أن الجميع يدرك أن تهمة المقالح الوحيدة تتمثل في كونه لم ير في شخص الحاكم ما يبرر تقديم قرابين الولاء والطاعة بين يديه.
المقالح بإيجاز شديد مواطن يمني قال كلمة الحق فبادرته عصابة خطف متمرسة في عملها وأودعته سجونا سرية ومارست عليه أبشع صور التنكيل، وبعد أشهر من تلك الجرائم المرتكبة بحقه اتضح أن النيابة والأمن بأجهزته المتعددة كانوا مشغولين بإعداد ملف التهم وقرار الاتهام دون أن ينسوا أن يضمنوا تلك التهم بكامل المكالمات الهاتفية التي اقترفها المقالح خلال السنوات الماضية.
وإزاء هذا النزيف المتواصل والحروب التي لا تضع أوزارها إلا لتشتعل ولا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، ما الذي يمكن أن تفعله الأحزاب والمنظمات المعنية بالدفاع عن الحقوق والحريات؟ سيما وقضية المقالح هنا أبرز تجليات الحرب الضروس التي يتكاثر ضحاياها في كل جولة من جولات المعركة، كيف لا والقانون صار أحد الضحايا، إذ يتم تكييفه وفق هوى السلطة التي لا تتورع عن انتهاكه إذا ما سنحت لها الفرصة، وما أكثر الفرص لديها.
**************
محاكمة المقالح.. هل أصبح التابع متبوعاً؟
*جمال التركي
على الرغم من يقيني من عدم مشروعية المحكمة الجزائية المتخصصة كون إنشائها جاء مخالفاً للمادة 48 من الدستور التي تحرم إنشاء محاكم استثنائية بأية حال من الأحوال، فإنني لن أدعو القائمين على أمر هذه المحكمة ونيابتها إلى إثبات عكس ذلك، ولكنني أدعوهم إلى بيان الأساس الذي يستندون عليه في الادعاء والقضاء على مواطن انتهكت أغلب حقوقه القضائية التي كفلها له الدستور في بابه الثاني.
أكثر من 120 يوماً غُيب فيها الصحفي محمد المقالح قسرياً من قبل أجهزة أنشأها القانون لحماية أمن الوطن والمواطن، وعهد إليها مهمة الضبطية القضائية وفقاً للقانون وتحت إشراف وتبعية النائب العام الذي غالبا ما يبدو بغير حول ولا قوة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات مأموري الضبط القضائي من فئة القومي أو السياسي، حتى وإن كانوا من النوع الفخري. بل إنني قرأت في بيان لإحدى المنظمات الحقوقية أن النائب العام قد انبرى ليعلن عدم وجود المقالح في سجون الأمن السياسي، دون أن نقرأ -في أي وقت مضى- أن سيادته قد قام بأية زيارة تفتيشية لسجون هذا الجهاز استعمالا لحقه الذي منحه له قانون الإجراءات الجزائية.
وحتى بعد أن اعترف المتحدث باسم الحكومة بوجود المقالح بعهدة الأجهزة الأمنية، تهاونت النيابة العامة في أداء واجبها المبين في المادة السابعة من قانون الإجراءات الجزائية فقرة 2، المتمثل بالإفراج عن أي شخص قيدت حريته خلافا للقانون، وليس ذلك فحسب، بل إنها رأت أنه من الموائم السير في دعوى لم يكن مبدأها قبضاً باطلاً، وإنما كان مبدأها فعلاً تقوم به جريمة بينتها المادة 249 من قانون العقوبات. فهل تناست النيابة العامة أن الدستور كفل لكل مواطن حريته وكرامته وأمنه، ولم يجز القبض على أي شخص أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر من القضاء أو النيابة، وأوجب تقديم هذا الشخص إلى القضاء خلال 24 ساعة من تاريخ القبض عليه، فضلاً عن إيجابه الإخطار بالقبض إلى من يختاره المقبوض عليه؟ فأين النيابة من كل هذا وهي التي ائتمنها القانون على حراسة حقوق المواطن في مرحلة الاتهام؟ ما لها لا تحرك ساكناً تجاه تصرفات أجهزة عدها القانون تابعة لها؟ أم أنها أضحت هي التابع وصارت أجهزة الأمن هي المتبوع؟
واليوم، ها نحن نرى المحكمة المتخصصة توشك أن تسير في ذات الفلك الذي سارت فيه النيابة العامة، وهي إن أتمت السير في هذا الطريق ولم تستطع حماية المبادئ الدستورية المذبوحة على أيدي الأجهزة الأمنية، فمن المؤكد أنها لن تستطيع أن تقنع الجمهور بأنها تحمي القانون الذي يتهم المقالح بانتهاكه، ومن المؤكد أيضا أن إقرارها لإجراءات يبدو بطلانها جليا سيمنعها بعد ذلك من منع الجمهور عن الشك في حيادها.
إنني في مقالي هذا لا أدعو إلى تبرئة المقالح مما يتهم به، وإنما أدعو إلى تبرئة الدستور والقانون من محاكمة سبقتها إجراءات من النوع المشار إليه بعاليه، وذلك لن يحصل إلا بالقضاء ببطلان هذه الإجراءات والأمر بالإفراج الفوري عن المقالح وإحالة مختطفيه إلى النيابة للتحقيق.. وعندئذ ستتوافر المشروعية لإحالة الرجل للتحقيق في ما هو منسوب إليه من اتهامات.
alturki