مع هشام في رحاب الإمام الشافعي والعلامة أحمد زكي

مع هشام في رحاب الإمام الشافعي والعلامة أحمد زكي

*نجيب محمد يابلي
يوم 6 مارس 2010 هو اليوم المكمل للستين يوماً التي مرت (ولا تزال) على احتجاز هشام باشراحيل، رئيس تحرير «الأيام» ونجليه هاني باشراحيل، رئيس تحرير «الأيام الرياضي»، ومحمد هشام، مساعد المدير العام لمؤسسة «الأيام» للصحافة والطباعة والنشر والإعلان والتوزيع، في معسكر طارق بعدن، في سياق مخطط استهدف الرجل ومؤسسته وصحيفته.
هذه الأزمة -الكارثة جنينا منها دروساً وعظات وعبراً، وتبين لنا فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. عرفنا ما لنا وما علينا، وعزمت على مرافقة أخي وصديقي وزميلي هشام باشراحيل في جولة سياحية شعرية وفكرية في رحاب الإمام الشافعي والعلامة أحمد زكي (أول رئيس تحرير لمجلة «العربي» الكويتية التي تحملت ولا تزال تتحمل مسؤوليتها الكبيرة كماً وكيفاً تجاه القارئ العربي).
للإمام الشافعي العديد من القصائد الحكمية الرصينة، منها هذه القصيدة التي يقول في مطلعها:
دع الأيام تفعل ما تشاءُ   وطب نفسك إذا حكم القضاءُ
ولا تجزع لحادثة الليالي   فما لحوادث الدنيا بقاءُ
وكن رجلاً على الأهوال جلداً  وشيمتك السماحة والوفاءُ
ولا تري للأعادي قط ذلاً   فإن شماتة الأعداء بلاءُ
ولا ترجو السماحة من بخيل  فما في النار للظمآن ماءُ
ورزقك ليس ينقصه التأني  وليس يزيد في الرزق العناءُ
ولا حزن يدوم ولا سرور   ولا بؤس عليك ولا رخاءُ
ومن نزلت بساحته المنايا  فلا أرض تقيه ولا سماءُ
وأرض الله واسعة ولكن  إذا نزل القضاء ضاق الفضاءُ
دع الأيام تغدر كل حين   فما يغني عن الموت الدواءُ
وفي روضة الإمام الشافعي أسكرتنا روائح إحدى زهراته العطرة ومطلعها:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا  فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة  وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه   ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صنو الوداد طبيعة  فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله  ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده  ويظهر سراً كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صادق الوعد منصفا
نخرج من رحاب الإمام الشافعي الرحيب إلى رحاب العلامة أحمد زكي، وهو رحاب عالي الجودة، حيث وقفنا أمام «حديث الشهر» في مجلة «العربي» الكويتية العدد 77 الصادر في أبريل 1965 (أي قبل 45 عاماً)، وكان حديث الدكتور أحمد زكي موسوماً «خدعوك فقالوا: تغير الزمان.. وما تغير الزمان ولكن تغيرت أساليب البغي والعدوان». ومحور الحديث يدور حول العلاقات بين الناس والعلاقات بين الأمم، واستعرض الدكتور زكي الخلفيات التاريخية في تلك العلاقات وتطورها. وجاء في مطلع حديثه:
«شيئان حكما علائق الناس فوق هذه الأرض دهراً طويلاً: القوة ومع القوة البغي».
«كان في الناس قديماً قبائل، إذا اختصم اثنان فيهم لم يلجأ إلى الحجة، وإنما لجأ إلى القوة، فاصطرعا ومن غلب عد أن الحق معه فقام بجمع السلب».
«حدث هذا في المجتمعات الإنسانية قبل أن تكون فيها قوانين». أكتفي بهذا القدر من حديث الدكتور أحمد زكي، رحمه لله.
وكأني بالزميل هشام باشراحيل وهو أمام هذا المشهد فيزفر زفرات ساخنة ترافقها هذه العبارة: «ما أشبه الليلة بالبارحة يا هشام. ورضي الله عنك يا بن الخطاب!».