"نتنياهو" يصر على مواصلة الحرب وفقًا للمخطط التوسعي الصهيوني

يصر "نتانياهو"، رئيس وزراء الدولة الصهيونية، على مواصلة الحرب بما يتفق والمخطط الصهيوني التوسعي في المنطقة ومشروع القرن.

تزايدت اعتداءات العدو الإسرائيلي الصهيوني في هذه الآونة على الضفة الغربية والقدس الشريف، أما في ما يتعلق بقطاع "غزة" فحدث ولا حرج، فما يرتكب هناك ليس سوى حرب إبادة للأطفال والنساء والمسنين والمدنيين، وقصف المساكن على جماجم ساكنيها، وكذا تدمير المستشفيات والبني التحتية، فقد تحول المغتصب من آدميته إلى فصيلة من الضباع والذئاب الشرسة على أرض فلسطين المحتلة.

حقًا، إنه عدو لا يحترم اتفاقيات ولا معاهدات، ولا يحترم مشاعر العرب والمسلمين في مقدساتهم، ولا يعطي للغير شروى نقير من قيمة إنسانية وخلقية.

فمن بحر الخزر انتشر اليهود الصهاينة في جميع أنحاء أوروبا، وارتكبوا جميع صنوف الفساد في المجتمعات الأوروبية.

وقد توجهت مجموعة من الماسونيين الصهاينة في مطلع القرن التاسع عشر، من "بريطانيا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان وروسيا والمجر وبولندا"، وبخاصة من أرباب الأعمال وأصحاب المهن مثل "آل روتشيلد" و"آل روكفلر" و"آل مورجان"، إلى العالم الجديد (الولايات المتحدة الأميركية ودول القارة الأميركية شمالًا وجنوبًا).

وقد تبين بعد قرون من هجرتهم من منطقة بحر الخزر إلى أوروبا، ثم أميركا، أنهم تجار حروب، وثورات، ودسائس، وتجار رقيق، وربا... الخ، فقد تمسكنوا حتى تمكنوا في تلك المجتمعات الأوروبية ثم الأميركية، ودانت لهم السيطرة على حركة المال في العالم، فتم لهم بالفعل الاستحواذ على البنوك والمؤسسات الاقتصادية حتى تربعوا على عرش الإمبراطورية المالية العالمية، والهيمنة على مراكز القرار الأوروبي والأميركي، وتمكنوا بعد أن دانت لهم تلك البلدان من توجيه مخططهم بعد قرن ونصف قرن من الزمن صوب الشرق الغني بحضاراته وثرواته. الأمر الذي جعلني أستحضر في هذا الصدد، كلمة ألقاها الكاتب، والعالم، والمخترع، والسياسي والدبلوماسي بنجامين فرانكلين، المولود في 17 يناير 1706م، في بوستن -ماساشوسيتس، والمتوفى في 17 أبريل 1790م، في فيلادلفيا -بينسيلفانيا، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، خلال مأدبة عشاء أقامها على شرف شخصيات بارزة حول الهجرة اليهودية للولايات المتحدة الأميركية.. وكان الموضوع بعنوان "تقييم حجج ضد الهجرة اليهودية". قال مخاطبًا الجمع:
أيها السادة:
في كل أرض حل بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي، وأفسدوا الذمة التجارية فيها، ومافتئوا منعزلين لا يندمجون بغيرهم، وقد أدى بهم الإحساس بالاضطهاد إلى العمل على خنق الشعوب ماليًا كما هو الحال في البرتغال وإسبانيا.. وأضاف قائلًا: إذا لم يستبعد هؤلاء عن الولايات المتحدة الأميركية بنص الدستور، فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مائة سنة، إلى حد يستطيعون معه أن يحكموا شعبنا، ويدمروه، ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا فيه دماءنا وضحينا له بأرواحنا وممتلكاتنا وحريتنا الفردية. ولن تمضي مائة سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود، على حين يظل اليهود في البيوت المالية يفركون أيديهم مغتبطين... وإنني أحذركم أيها السادة، إنكم إن لم تبعدوا اليهود نهائيًا فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم، إن اليهود لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، فإن الفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط.. إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سمح لهم بحرية الدخول، إنهم سيقضون على مؤسساتنا. وإنه يجب أن يستبعدوا بنص الدستور.

على صعيد آخر، إن الصهيونية ظهرت كمنظمة سياسية عام 1889م، على يد الكاتب الصهيوني النمساوي تيودور هرتزل، تقرر فيه إنشاء وطن لليهود المشردين (الدياسبورا) على أرض فلسطين، وإنهاء شتاتهم.

تلاه انعقاد مؤتمر هنري كامبل بنرمان، رئيس وزراء بريطانيا، في لندن، 1907م،
شاركت فيه الدول الاستعمارية بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، والبرتغال. وهو أخطر مؤتمر على الإطلاق لتدمير الأمة العربية خاصة، والإسلامية عامة، غايته عدم استقرار المنطقة. وانتهى المؤتمر بـ"وثيقة كامبل" السرية. وقد خلص المؤتمر إلى نتائج أهمها: إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، وأيضًا هو "مهد الأديان والحضارات"، والمشكلة في هذا الشريان، كما ذكرت الوثيقة، أنه يعيش على شواطئه الجنوبية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان (اللغة)، ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة مصطنعة في فلسطين بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ يفصل الجزء الآسيوي عن الإفريقي.. وعلى إيجاد التفكك والتجزئة والانقسام، تابعة للدول الأوروبية، وخاضعة لسيطرتها، ليتيح لها التدخل في شؤون دول المنطقة.

ولتنفيذها، أعقبه بعد عشر سنوات وعد أو تصريح جيمس آرثر بلفور، في 2 نوفمبر 1917م، وبموجبه قدم رسالة إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.. وبالتالي "أعطى من لا يستحق ولا يملك وعدًا لمن لا يستحق ولا يملك". وتمهيدًا لإعلان وعد أو تصريح بلفور سبق أن وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بموجب اتفاقية سرية بين بريطانيا وفرنسا "سايكس -بيكو"، موقعة في 3 يناير 1916م، والمصادق عليها في 16 مايو 1916م، مع كل من روسيا القيصرية وإيطاليا.

وبعد ثلاثة عقود أعلن وزير الدفاع البريطاني أرثر جونز، قرار بريطانيا بإنهاء الانتداب على فلسطين، وتسليمه (القرار) إلى الولايات المتحدة الأميركية في 15 مايو 1948م، وبداية إعلان الدولتين اليهودية، والفلسطينية، من خلال تصويت مجلس الأمن، وبخاصة من الدول الأعضاء الأربع الدائمة في مجلس الأمن آنذاك، قبل أن تنضم "جمهورية الصين الشعبية كعضو دائم في المجلس".

كان ذلك تسلسلًا موجزًا عن إنشاء الدولة الصهيونية في أرض فلسطين العربية بادعاءات وحجج واهية.

الجدير بالإشارة أن المخطط التوسعي الدرامي في فلسطين بدأ بتشجيع وتمويل الماسونية الصهيونية منذ 1948م، واستهل بمذبحة دير ياسين، ثم احتلال جزء كبير من الأراضي الفلسطينية في حرب يونيو 1967م، والاستيطان القهري في أجزاء شاسعة من الضفة الغربية، وكذا حرمان اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى وطنهم المسلوب، وبخاصة لاجئي 1948م، ومحاولة تهويد كامل القدس، واتخاذها عاصمة لإسرائيل، ناهيك عن عدم الامتثال لقرارات مجلس الأمن الذي يجابه دائمًا بحق النقض (الفيتو) الأميركي. وعدم التقيد بالاتفاقيات: مدريد وأوسلو.. فضلًا عن مبادرة القمة العربية في بيروت في 27 مارس 2002م، المقدمة من المملكة العربية السعودية، والرامية لحل الدولتين مقابل تطبييع العلاقات العربية والإسلامية.. كل تلك المسائل ضرب فيها الصهاينة عرض الحائط.
وشرعوا مسلكًا آخر لتعزيز مشروعهم التوسعي استراتيجيًا في المنطقة بتكليف من اللوبي الماسوني الصهيوني، واستخدامهم أيضًا كرأس حربة للحد من تنافس الصين الاقتصادي وشركائها، دول معاهدة "شنغهاي" و"البريكس".

والأهم من ذلك الشروع بتنفيذ "قناة بن غوريون"، بالتوازي مع قناة السويس، للإضرار باقتصاد مصر أهم وأكبر دولة عربية.

فقد بدأ العدو الصهيوني التوسعي يعد نفسه في تدشين شق القناة امتدادًا من ساحل الهند الغربي، مرورًا بالإمارات إلى ميناء إيلات حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويعتقد مراقبون أن القناة لن تمر في "تل أبيب" كما تدعي الدوائر الصهيونية، وإنما عبر "قطاع غزة" إلى البحر الأبيض المتوسط، ولعل الغرض من محاولة تدمير قطاع غزة وتهجير سكانها إلى مصر، إنما يعتبر توطئة لاحتلاله ثم ضم جزء من الضفة الغربية، وتهجير سكانه إلى الأردن، إلى أن يتم الوقت المناسب للاستيلاء على كامل التراب الفلسطيني.

حقيقة، إن ما حصل بعدئذ لم يكن في الحسبان، ولم يتوقعه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ولا الرئيس الأميركي بايدن، ولا صانعو القرار الصهيوني، حيث وجدوا أمامهم سدًا منيعًا من قبل مصر والأردن، برفض تهجير الفلسطينيين من بلادهم، كما رفضه الفلسطينيون أيضًا. وقد خابت الدولة الصهيونية ورعاتها من الدول الغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، الذين تكالبوا بأساطيلهم في المنطقة دفاعًا عن مشروعهم التوسعي في الأيام الأولى من الحرب.

ومن هذا المنطلق، استمرت الحرب بضراوة، وهبت شعوب وحكومات العالم الحر، مستنكرة الممارسات والانتهاكات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، في مقدمتها جنوب إفريقيا وأكثر من 153 دولة صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد هذه الحرب الملعونة، كما بذلت دول عربية أقصى جهودها ومساعيها لإيقاف الحرب على غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، في مقدمتها مصر وقطر والأردن التي لعبت وماتزال أدوارًا تفاوضية مكوكية في هذا الشأن، ولكن كما يقول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيًا
ولكن لا حياة لمن تنادي
وأمام المساعي الحميدة المبذولة، وبعد خمسة أشهر من الإبادة والدمار في قطاع غزة، والاعتداءات والقصف في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، نجد إصرارًا من رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، بأنه سيواصل الحرب، وقد لج في عتو ونفور، موضحًا أنه لن يوقف الحرب إلا بعد تنفيذ شروطه.
وثمة شرط وحيد يروق له -حسب مراقبين- هو اقتطاع نصف غزة لتهيئة مرور قناة بن غوريون، وشروط أخرى تضمن له التحكم في قطاع غزة.
أؤكد من جديد، أن المؤامرة لم تنطلِ حاليًا ولن تنطلي مستقبلًا، فقد استمر الغزاويون في صمودهم رغم عشرات آلاف من القتلى والجرحى، وكذا ثبات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشريف، واستمرار المقاومة الباسلة على مقارعة وقنص الضباط والجنود الصهاينة الذين وفدوا من كل مكان في العالم. وبالتالي خاب أمل الصهاينة.

حقًا، إنهم أرادوها سهلًا، فذاقوها مرًا، وبقي كل من نتنياهو والإدارة الأميركية ومن معهم يبحثون عن حل يضمن لهم حفظ ماء الوجه، لكن الأجواء مازالت ضبابية، والإبادة مستمرة، والعرب في وضع محرج. والكل في انتظار الخروج من المحنة. والله ولي التوفيق.