علي الحزيمي: أحد هامات الرجال

علي محمد نعمان الحزيمي

مقولة "لا يصح إلا الصحيح" تتحقق دائمًا.
ومهما مر من الوقت وجرى إهالة التراب على الوجوه المقاتلة، فلا بد أن تأتي لحظة واحدة ما ويهيله من على ملامح الوجه...

كان باب اليمن في لحظة من لحظات مراحل الستينيات والسبعينيات، محطة الكون، قل محطة اليمن التي يقف أهله هناك عند الباب قادمين من مدنهم وقراهم...

وصل أفراد الحرس الوطني إلى آخر "فرزة" باب اليمن، والحرس الوطني من قال عنهم المرحوم علي عبدالله السلال:

لولاهم ما صمدت ثورة سبتمبر 62، حتى وصل الجيش المصري
من بيت الرماح في عصيفرة تعز إلى باب اليمن، إلى العُرضي، إلى الجبال للقتال دفاعًا عن النور الذي هل وانتشر بفضل المقاتلين في أرجاء البلاد..
وإلى باب اليمن وصل المتطوعون من تلك القرى مترامية الأطراف في تعز وإب ومن عدن، حيث ترك الشباب أعمالهم، وهبوا يلبون نداء سبتمبر الثورة والجمهورية، منهم من ذهب إلى معسكرات النصرة والثورة والعروبة والصاعقة والمظلات، ومنهم من التحق بالكلية الحربية...

رجلنا أحد الذين تركوا وراءهم أسرهم ولقمة عيشهم، وقدموا إلى صنعاء للدفاع عنها رمزًا للثورة والجمهورية...
باب اليمن مرة أخرى:
مخبازة الشيباني مرة ثانية
لوكاندة الضريبي مرة ثالثة
وأنا للمرة الأولى لايزال عودي طريًا، أجلس على الكرسي لأبيع الروتي بعد العودة من المدرسة، كان عمي يفرض عليّ ذلك كما كان كل أهلنا يفعلون..
الخميس مرة رابعة:
يأتي جنود وضباط الصاعقة والمظلات يومي الخميس والجمعة، يأكلون عند أحمد علي الشيباني، ويجلسون للمقيل والنوم لدى الضريبي صاحب رداع..
وأنا..
أنتظر الخميس بفارغ الصبر
تحين العاشرة صباحًا حتى يهل الطقم الشاص يقوده صاحب العود، يقف أمام المخبازة، يتقافز الرجال كالصقور بملابسهم المموهة، أظل أنظر إليهم بإعجاب، وأنسى من يأتي لشراء الروتي، حتى دوت صفعة ذات صباح في خدي، كان عمي يرتل ما تيسر من كلام مؤثر وجميل، لكني أستاهل، وفي نفس الوقت معذور، منظر الرجال المقاتلين يأخذ بالألباب شباب كالورد...
صار كل خميس يومًا مقدسًا.. وذلك الخميس اعتبرته تاريخًا فارقًا، لقد أتى هذا المقاتل من الصاعقة، واشترى مني بضعة أقراص، رفضت استلام الثمن...
المرة الثانية أتى وجلس بجانبي:
أنت شغال هنا؟
بل إن هذا المخبز حق أهلي
وتدرس؟
نعم
واسمك؟
عبدالرحمن
وعبدالحبيب أيش يقرب لك؟
عمي شقيق والدي
كان يحدثني وأنا أتفرج على كتفيه
ليش ما أخذت حق الروتي؟
لأنني معجب بكم الصاعقة
كل خميس يأتي، يمر عليّ، يظل يحدثني، وأنا في سن يشتاق صاحبه لسماع حكايات المقاتلين، حدثني عن دفاعهم عن صنعاء الثورة والجمهورية، ومعاركهم في الجميمة وبني حشيش وعيبان وجبل الطويل... معارك الرجال الكبار أيام السبعين يومًا، وعن عبدالرقيب والوحش وحمود ناجي وكل الرجال...
ذات خميس أخذ الروتي، أصررت على الاستلام، أجبرني على أن ألف أنها لآخر مرة، وعدته، قال لي:
إذا تصرف أي أحد معك تصرف غلط أنا في اللوكندة.. كان معيبًا بالمعوز إلى ركبتيه، ورأسه هناك بعيد في الأعلى، وشنبه يغطي معظم عرض وجهه، ملامحه ملامح المقاتل النبيل.
جاء اثنان من أفراد "العاصفة" أخذوا روتي ورفضوا دفع الثمن، جريت إلى اللوكندة، هب كالعاصفة أول ما رآني منزعجًا:
ما لك؟
أخذوا الروتي ولم يدفعوا
حوالي ثلاث إلى أربع خطوات عاد بهم من أكتافهم، قال لهم:
أعيدوا الروتي
أعادوه
قالها:
ادفعوا
دفعوا
قال:
إذا تعودوا مرة أخرى لا تلوموا إلا أنفسكم، لم يعودوا بالمطلق
دار الزمن دورته..
رموا بعلي الحزيمي ورفاقه إلى الشارع، وقتلوا عبدالرقيب
وأنا ذهبت من المخبز إلى أفق آخر..
لكنه ظل في بالي..
المقاتل الشجاع علي محمد نعمان الحزيمي من بني شيبة..
ظللت أسأل عنه، لا أدري من أخبرني أنه عاد إلى قريته يحرث الأرض..
ظللت أيضًا أبحث عن صورته، حتى وجدتها...
قلت:
لا بد من التذكير بالمقاتلين النبلاء
هو فتح باب للآخرين لأن يكتبوا عن أدوارهم وأدوار الآخرين..
تعظيم سلام لروح الحزيمي المقاتل الشجاع.