ذكرى خطاب الحرب

في مثل هذا اليوم (27 أبريل) من العام 1994، كان يفترض أن أؤدي امتحان مادة المجتمع، المقررة على الصف الأول الثانوي، في مدرسة جمال عبدالناصر بأمانة العاصمة صنعاء، قبل أن يتم إخراج الطلاب من الفصول، ونقلهم في حافلات إلى ميدان السبعين، الذي سيشهد يومها خطابًا لرئيس مجلس الرئاسة حينها، علي عبدالله صالح، بمناسبة ما كان يسمى "يوم الديمقراطية"؛ تخليدًا لليوم المُقر كموعد لإجراء الانتخابات النيابية، التي انعقدت نسختها الأولى في العام السابق، وأجريت مرتين فقط، بعد ذلك، قبل أن يصوّت البرلمان، في 2009، على تأجيلها لعامين، في اليوم ذاته الذي يمثل يوم مولد البرلمان نفسه الذي امتد عمره حتى اللحظة، كأطول هيئة تشريعية، ربما، في أي مكان وأي زمان، لتعذر تجديد دورته بسبب الأحداث المتلاحقة منذ العام 2011.

مكثتُ بعض الوقت، أتجول في الميدان المزدحم بالناس المحشودين للمناسبة والفعالية التي لم تكن احتفائية كما بدت، بقدر ما كانت، بما تلاها، إرهاصًا تصعيديًا لمرحلة قادمة من العنف، ومثلت نقطة تحول الأزمة السياسية التي سادت المرحلة الانتقالية التي أعقبت إعادة توحيد اليمن، في 22 مايو 1990، إلى حالة حرب بين الوحدات العسكرية والقوات التابعة لشركاء الوحدة، في صيف قائظ لم تلتئم تقرحات حرارته في جسد الوطن اليمني الذي لم يتعافَ من أهوال الحروب المتناسلة والمتعاقبة هنا وهناك، ولم تغادره أرجاءه الأزمات والانقسامات، ولم يعهد وضعًا صحيًا في العلاقات القائمة على الصراع بين أبنائه، تحت عناوين شتى، تغذيها تدخلات الخارج، وتسعرها أدوات الداخل.

ما إن صعد صالح إلى المنصة، حتى قررتُ شق طريقي بين الحشود، المكتظ بها ذلك الميدان الذي ارتبط في الأذهان كعنوان للتحشيد الجماهيري الموجه سلطويًا، وغادرتُ المكان الذي شهد يومها خطابًا ناريًا تضمن هجومًا وتحريضًا على شريك الوحدة: الحزب الاشتراكي اليمني، والقيادات الجنوبية المشاركة في دولة الوحدة، وبات يُعرف بـ"خطاب الحرب". وهي الحرب التي اندلعت شرارتها بعد ذاك اليوم بقليل (4 مايو 1994)، في محافظة عمران، بين معسكرين يتبع كلٌّ منهما أحد طرفي الأزمة، واستمرت دورتها الطاحنة إلى يوم دخول "القوات الشمالية" مدينة عدن؛ حاضرة الجنوب، في 7 يوليو 1994؛ اليوم الذي طبع أثره البارز والعميق في جسد الوحدة اليمنية، تختلف وجهات النظر إزاءه بحسب موقع ودور كل طرف في مجريات أحداثه، وموضعه أو ما ناله من مآلات ونتائج ما بعده.