أحزاب اليسار التحديات والإخفاقات

الحقيقة أن أحزاب اليسار عمومًا تعيش في وضعية حرجة، وهي نتيجة طبيعية لعدم وجود قيادات شابة تجدد دورة الحياة فيه، وتضخ دماءً جديدة في أوردته، وتعيد له دوره وفقًا للمتغيرات الراهنة، حيث تكيفت بعض الأحزاب في دول العالم مع المتغيرات، وتجاوزت التمحور حول فكرة سيادة الطبقة العاملة، والاشتراكية، سعيًا للوصول إلى الشيوعية وملكية الطبقة العاملة لوسائل الإنتاج، وتلك الانسدادات التي نراها اليوم حالت دون ديناميكية في بنية الأحزاب اليسارية والقومية ذات التوجه اليساري، المتشظية أصلًا، عوضًا عن الانقطاع البيني بينها وبين قواعدها، التي تخوض معها معارك قوية غالبًا ما تظهر على السطح، من خلال معارك كلامية.

كل ذلك باعتقادي يساعد على استمرار الوهن الحاصل، مع وجود قيادات صنمية، استمرأت واعتادت على استجرار مصطلحات وأفكار لا تمت للواقع بصلة، وهي بهذا لم تستوعب أبعاد المُتغيرات الدولية والنظريات السياسية والاجتماعية التي فرضت نفسها على الراهن.

من المهم أن نلاحظ أن النقاش حول اليسار وإخفاقاته يعتمد على السياق الزمني والجغرافي المحدد. يمكننا القول إن اليسار كتيار سياسي يشمل تيارات مختلفة وتنظيمات مختلفة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن النتائج والتحديات التي يواجهها اليسار ستختلف من بلد لآخر.

وصحيح أنه من الصعب الحكم بشكل عام على اليسار واعتباره فاشلًا، فهناك نجاحات وإخفاقات تاريخية لليسار في مختلف البلدان والفترات الزمنية.

فعلى سبيل المثال، في بعض الأحيان حققت القوى اليسارية تقدمًا في قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة، بينما في أحيان أخرى واجهت تحديات وفشلت في تحقيق أهدافها المطلوبة.

من بين العوامل التي يمكن أن تسهم في إخفاق اليسار هي ضعف التنظيم والقيادة، وفقدان الرؤية والتجديد، وعدم مواكبة التطورات العالمية والتحولات في الفكر السياسي والاجتماعي. قد تؤدي هذه العوامل إلى ضياع قاعدة الدعم وتباعد اليسار عن الجماهير.

من الضروري أن نقوم أحزاب اليسار بمراجعة أدبياتها، لتستوعب التنافس البرامجي بين الأحزاب السياسية، وأن تقف جنبًا إلى جنب مع بقية الأحزاب الوطنية للنضال من أجل بناء دولة مدنية تعددية تواكب تطلعات شعبنا، وهذا يستوجب منها أن تقوم بنقد الذات من جديد، ومراجعة أسباب الإخفاقات، وإجراء التغييرات اللازمة لتجديد نفسها. كما يستوجب منها أن تركز على تجديد القيادة، وتعزيز الحوار مع بقية الأحزاب الوطنية ومع كوادرها في المقام الأول، وإعادة التواصل مع الجماهير والتواصل مع الشباب، والعمل على إعداد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وخدمية وفي مجال تطوير التعليم... إلخ، وبما يلبي تطلعات واحتياجات المجتمع في الوقت الحاضر.

في النهاية، يمكننا القول إن اليسار يواجه تحديات وإخفاقات، ولكنها ليست نهاية الطريق. من الممكن تجاوز الصعاب وتحقيق التقدم إذا تم التعامل مع الأخطاء والتحديات بشكل فعال، وتم إجراء التغييرات اللازمة لتجديد اليسار وتعزيز دوره في المجتمع.

لقد أصبحت تلك الأفكار والأطروحات، التي مازال رُهبان تلك الأحزاب وكهنتها يلوكونها، أشبه بعلكة مُرة تخثرت وبدت غير مستحبة منزوعة النهكة، إلا من لسان صاحبها الدي يُصر على ضرورة وجودة، ووجود تلك العلكة يحركها يمنة ويسرة، وكأنها إكسير الحياة له ولحزبه.

إن تجاهل واقع المتغيرات، وعدم الإسراع بإصلاحات جذرية في البنية القاعدية للأحزاب اليسارية والقومية، واستمرارها على هذا النحو الذي نراه، يجعل منها خارج الفعل والتأثير، ويحجم دورها، وهذا يباعد المسافة أكثر بينها وبين الجماهير، التي طالما كانت هذه الأحزاب في وسطها، وخرجت قيادات نضالية من رحمها، كان لها التأثير البارز في بُنيتها التنظيمية والسياسية والنضالية، شكلت إلهامًا للأجيال في وقت مضى.

على هذه الأحزاب أن تبدأ ليس غدًا، بل "الآن" بجردة حساب، وتتهيأ لجلد الذات، فلا الوقت ولا الزمن ولا المرحلة الراهنة تستدعي التباطؤ، فكلما مضت الأيام وكبر الجسد يصعب العلاج، فالأمراض تتراكم، ويصعب علاجها، ويكون حينها الموت حتميًا، وهذا ما لا نريده.

وطالما قد أوضحنا آنفًا إخفاقات أحزاب اليسار والأحزاب القومية الاشتراكية، أي ذات التوجه اليساري، فإننا يمكن أن نجمل التحديات التي تشكل عقبات أمام تحقيق أهدافه ونجاحه. ومن بين هذه التحديات:
1. تحولات اقتصادية وتغيرات الطبقة العاملة: يواجه اليسار تحديات في التكيف مع التحولات الاقتصادية المتسارعة والتغيرات في طبقة العمال. فقد شهدت العديد من البلدان تحولًا من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد المعرفي والخدمي، مما يتطلب استراتيجيات جديدة لليسار لتحقيق العدالة الاجتماعية في هذا السياق الجديد.

2. صعوبة جذب الشباب: يواجه اليسار تحديًا في جذب الشباب والناخبين الجدد، بخاصة مع تغير القضايا والأولويات التي يهتم بها الشباب في الوقت الحاضر. يجب أن يتمكن اليسار من تقديم رؤية جديدة وجذابة تتناسب مع تطلعات الشباب وقضاياهم الملحة، مثل التغير المناخي والتكنولوجيا والتوظيف.

3. تجاذب القوى السياسية والانقسامات الداخلية: يعاني اليسار من التجاذبات الداخلية والانقسامات، مما يؤثر على قوته وقدرته على تشكيل تحالفات وتحقيق التوافق السياسي. قد يكون هناك خلافات في الرؤى والأجندات والاستراتيجيات بين مكونات اليسار المختلفة، مما يقلل من تأثيره وقدرته على تحقيق التغيير.

4. تحديات الإعلام والاتصال: يواجه اليسار تحديات في مجال الإعلام والاتصال، حيث إن الرسائل والأفكار اليسارية قد تواجه صعوبة في التأثير على الرأي العام والتنافس مع الأيديولوجيات الأخرى. قد يتطلب من اليسار تحسين استراتيجيات الاتصال واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة للوصول إلى جمهور أوسع وتوضيح رؤيته وأهدافه.

5. النزعة العالمية نحو اليمين: يشهد العالم في بعض الأحيان نزعة عالمية نحو اليمين، وظهور تيارات سياسية محافظة. يمكن أن يواجه اليسار تحديًا في التأقلم مع هذا التحول العالمي، وفي مواجهة تلك الأيديولوجيات المتنازع عليها.
هذه بعض التحديات التي يواجهها اليسار في الوقت الحاضر. قد تختلف هذه التحديات من بلد لآخر، وتعتمد على السياق السياسي والاجتماعي المحدد.