الشيباني.. حكاية أخرى

من منطقة بني شيبة أتى..

تلك المنطقة تضج بأسماء المبدعين في كل مجالات الحياة...

إن أردت تاجرًا ستجد...

إن أردت مخبازة تضج بالحياة ستجد..

وفي شارع 26 سبتمبر، حيث بدأ الحلم يتشكل، كان للـ"شيابنة" حكايات تروى، أجمل عناوينها "العطاء"...

الراحل ياسين الشيباني (فيسبوك)
الراحل ياسين الشيباني (فيسبوك)

ذات نهار جرى طرد طلبة "دار الناصر" بتعز، والدار كانت لبيت المجاهد، تم الاستيلاء عليها قبل ثورة سبتمبر 62، تؤول لحكومة الثورة التي حولتها إلى قسم داخلي، وجد فيه أبناء الفقراء من اليمن كله، ملاذًا يحمون به كرامتهم، وينهلون من نهر العلم، موزعين بين مدرسة الثورة الابتدائية، ومدرسة ناصر المواجهة، ومدرسة الكويت التي افتتحها السلال، وتلك اللوحة الأجمل التي بناها السوفييت وسميت مدرسة الشعب...

من الحيمي إلى شجاع الدين إلى الطشان إلى المساح إلى الهلالي إلى شائف وحمود إلى المقري، كلهم خرجوا من دار الناصر...

قال عبده صبر، وهو من العود، رحمه الله:

كنا نهيم في الشوارع، يسبقنا جوعنا تعبيرًا على الوجوه، كدنا نتساقط على الأرض، عند أول مخبازة للشيابنة، انبرى أحدهم يسأل:

أنتم من طلاب دار الناصر؟

هززنا رؤوسنا "نعم"، لم يكن بوسعنا الكلام.

سريعًا رد: ادخلوا، وكلوا، كل يوم تعالوا ثلاث مرات، الآخرون سمعوا، أتوا، تقاسمونا بينهم حتى آخر مخبازة للعم ردمان، والعم ردمان قدم محمدًا يقاتل وهو طالب في الكلية الحربية، استشهد مع زملائه بين براش والجميمة...

قال:

الآن، لم أنسَ ما فعله، كلما أنزل إلى تعز، لا بد من الذهاب إلى الشارع، هناك أقف دقائق احترامًا وتقديرًا وعرفانًا...

من يمكنه أن ينسى علوان الشيباني، وهو حكاية نجاح عظيمة، رحمه الله...

من يمكن أن ينسى نجمة سعيد الشيباني التي ماتزال تسكن فوق المصلى..

وأنا عشت بني شيبة من خلال ثلاثة:

علي الحزيمي، مقاتل الصاعقة النبيل

سالم، ذلك الحزبي النبيل الآخر والمبدئي

هما الاثنان عندما أكملا المهمة عادا إلى بني شيبة لحراثة الأرض، لم يمنا على هذه البلاد بأنهما "مُناضلان"، ويطالبا بالثمن...

وفي صنعاء كانت مخبازة الشيباني حكاية أخرى، سترى النور إذا سهلت الظروف إنجازها قريبًا...

وفي ساحة مدرسة ناصر الابتدائية، كان علي الشيباني ومحمد علي مقبل رجال المقاومة، عصر كل يوم...

أتى ياسين الشيباني من بيئة خصبة أنجبت أيضًا عمه المظلوم الأكبر عبدالقادر الشيباني؛ من ملأ أسماعنا، ومعه عبدالعزيز شائف، بأخبار السلال والثورة والجمهورية، من:

"إذاعة الجمهورية العربية اليمنية" من صنعاء..

كان الحلم كبيرًا، في تدفق المئات يبحثون عن العلم والتعليم..

كان ياسين متفوقًا...

وسبقه تفوقه إلى صنعاء، ومن ثم إلى القاهرة...

في القانون تخصص، وفيه أبدع.

***

قال د. يحيى العوامي وحسن الدولة:

كان متفوقًا...

جرته قدماه إلى صحيفة "26 سبتمبر"، وعلى صفحاتها أبدع، ومن خلالها أثبت الأهم أن الصحافة موهبة واستعداد، والباقي تفاصيل...

كان الظن أنه وجد الطريق إلى الشهرة والجاه وأمور أخرى من خلال سبتمبر الصحيفة، لكن بدا أنه حدد لنفسه هدفًا، نفذ بجلده!

إلى القاهرة مرة أخرى، وإلى أمريكا، وإلى صنعاء من جديد في جامعتها، قالت الدكتورة نوال الحزورة:

استفدت منه، وعملت معه، وأيقنت أنه استثناء، حتى في الوقوف إلى جانب المظلوم، وتميز بين المدرسين، وصار له تلاميذ...

وفي "مواطنة" تبين أنه قانوني على مستوى عالٍ من الأداء...

وفي الصحف وصفحته في "فيسبوك"، برز قلمًا جميلًا يحمل قضية..

وفي المهنية كان له باع برغم قِصر المدة، وخرج عن المألوف "ما خبازة تحب خبازة"، كان قادرًا على أن يقول لأي آخر:

أنت مبدع.

وأنا نلت منه شهادة رفعت رأسي إلى السماء...

وعلى صعيد الود والأدب والدماثة وخلق رفيع، كان د. ياسين الشيباني.. ولي معه حكايات قصيرة بسيطة، رغم قلة عددها إلا أن مدلولاتها ومعانيها تحسسني الآن بأننا فقدنا شخصية نبيلة قادرة كفؤة... ونحن من تعودنا على الخسران والنسيان..

في حفل التأبين أربعينيته، قال فيه وعنه الأديب الكبير صاحب القلم السيال عبدالكريم الرازحي، قصيدة عصماء هي كلمة طويلة بينت كل الوجوه للشيباني الذي بدا ودودًا، إنسانًا، مبدعًا، كتومًا عن مرضه لسنوات، حتى قالها في لحظة اقتناع قصوى:

جسمي قرر ألا يحملني أكثر مما تحملني..

كان الرازحي بالأمس، 29 فبراير، كبيرًا، وهو يضع بصمته على اسم إنسان قدم للحياة بكل أوجهها، الكثير..

أخشى ما أخشاه أن ينضم إلى قائمة المنسيين، وهي سمة يمنية بامتياز، بخاصة وقد بحثت بالأمس (29 فبراير) عن جامعة صنعاء في تأبينه، فلم أجدها كإدارة وكيان، تواجد بعض دكاترة وفاء للرجل وللقيم...

لتنم روحك بسلام...

 

النداء

1 مارس 2024

عبدالرحمن بجاش