الشاعر العكر أحب المشقاص فخلدها شعرًا

اختصارًا للعنوان أعلاه أتينا بلقب الشاعر مع أن هذا اللقب طغى على الاسم وصار به معروفًا بين الناس،
لكن لا بأس من التعريف باسم هذا الشاعر للناس البعيدين. إنه الشاعر الكبير سالم بن عمرو الغرابي، الملقب والمعروف بالعكر، وهو شاعر صقلته التجربة الشعرية الطويلة التي بدأها في سبعينيات القرن الماضي، ومن تلك الفترة وهو يعطي ويقدم إبداعاته الشعرية واللحنية في كل مجالات وأغراض الشعر المختلفة وعوالم التلحين المتنوعة.
أحب المنطقة الكبيرة المسماة جغرافيًا المشقاص، والتي تتوسط هذه المنطقة مديرية الريدة وقصيعر وما حولها من مناطق شرقًا وغربًا، فأحبه أهلها وبادلوه نفس الحب.
لكن علينا أن نعرف أنه لم يكن غريبًا على المشقاص، فعروقه ممتدة في أكثر من مكان في المشقاص، إلا أنه بعد الانتقال المباشر إليها ظهرت محبته وما يكنه لها ولأهلها الطيبين أهل الكرم والجود في كثير من أشعاره، وذاع صيت هذه الأشعار حتى صارت أحاديث الناس المتداولة في كثير من يومياتهم.
يا مروح الريدة تجمل معانا
سلم على الكرم والزيانة
وقولهم قلبي مولع ومشطون
عذبتنا يا قرة العين والنون
من حب حد يدحق له لما مكانه
ويسلم له روحه وثروة يمانه
قبل العوذال والمسابيب يدرون
عذبتنا يا قرة العين والنون
هذه إحدى روائعه الغنائية القديمة الجديدة، فعندما نقول القديمة فهي كذلك، إذ إنه مر عليها عقود من الزمن، وعندما نقول الجديدة فهي جديدة مع شحة الجديد وقحط العطاء الشعري واللحني الحاصل من بعد رحيل فارس الشعر الراحل المحضار، وما تركه من فراغ لا يمكن تعويضه بسهولة.
والشاعر العكر خص بهذه الرائعة سكان عاصمة المشقاص الأبدية مدينة الريدة الشرقية، وهي من بواكير عطاءاته الغنائية في فترة الثمانينيات على ما أعتقد.
فالناظر للبيتين اللذين أتينا بهما من قصيدة غنائية طويلة فهما كافيان لإظهار حب العكر الكبير للمشقاص، فقد ذكرهم بقوله أهل الكرم والزيانة، وهم كذلك متصفون بهذه الصفة الجميلة، ومعروفون بكرمهم الحاتمي وطيبة قلوبهم الممتلئة بالحب لمن يرونه يستحق ذلك الحب المشقاصي النقي.
ندخل في رائعه غنائية أخرى أتت في الفترات المتأخرة، ولا تقل أهمية عن سابقتها بما حملت من معاني الحب الصافي النقي لعموم أبناء المشقاص، إذ يقول العكر:
وجهت وجهي قدى المشرق
وقلت يا قلبي العاشق
إن كان ما تقدر تفارق
البعد احسن من الفرقة
وليش يا قلب ما تقنع
وتقول خيره في العشقة
البيت القادم انظروا البلاغة والاستثنائية في هذا الحب لأهل المشقاص:
محبة أهل المشارق حق
أوصى بها ربنا من فوق
ولي مثيلي بها صدق
يجوز لها منها صدقة
وليش يا قلب .......
فيسترسل بقوله:
دقيت عظمي من أجله دق
ونذاب لحمي معه غلق
ومكانه الخل ما وافق
جانا بوصله على فاقه
يقول بوعمرو للسائق
لقد وصلنا على المفرق
بالله جنب بنا ع شق
من دون إحراج ومشقة
وليش يا قلب......
حب العكر للمشقاص لم يعد مخفيًا، بل إنه يظهر في كثير من أشعاره المتداولة بين الناس. وهنا يحظرني قوله:
من قدى شرق عاد ما قطعت السهن
لي محبين نحسب عليهم حساب
كلما جار وقسى عليا الزمن
نلتجي عندهم مثيل اللاجئين
هذه هي المشقاص في حواس الشاعر العكر الشعرية، فهي دائمة الذكر وحاضرة بقوة في أغلب أشعاره.
وما قلناه لا يعد شيئًا أمام القصائد الكثيرة التي خص بها الشاعر المشقاص الأرض والإنسان، فلو حاولنا البحث أكثر لظهرت قصائد كثيرة لهذا الشاعر، وهو يتغنى بجمال المشقاص وأهل المشقاص.
لكن ما تم ذكره هو النزر اليسير وقليل القليل، بل هو للتدليل ليس إلا.
وللأمانة إن منطقة المشقاص منطقة جذابة بما امتلكت من جماليات الطبيعة الخلابة مع تنوع تضاريسها وكثرة مناطقها المتباعدة، هذا للإنسان العادي، فكيف بشاعر مرهف الإحساس كالعكر لا يتغزل بهذا الجمال الأخاذ، ويظهره بأحسن ما يكون، فألف تحية شكر لهذا الشاعر المخلص في حبه، ومثلها من تحايا الحب للمشقاص وأهل المشقاص الأخيار.