إبادة جماعية.. عزل إسرائيل دوليًا

تبدو قرارات محكمة العدل الدولية الصادرة الجمعة 26 يناير من العام الجاري، انتصارًا للعدالة الدولية ضد مجرمي الحرب في العالم، واذا ما رفضت إسرائيل تلك القرارات والتدابير المؤقتة الملزمة، فانها تضع نفسها في مرمى القانون الدولي كمتمرد، وهذا في تصوري سوف يتسبب بعزلها على المسرح الدولي الشعبي والرسمي.

إن القرار القاضي بإلزام إسرائيل بايقاف القتل والإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، هو ادانة صريحة على ان ما تقوم به إسرائيل هناك، انما هو إبادة جماعية مكتملة الاركان بحق شعب مسالم واعزل، وهذا هو جوهر الدعوة التي تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا.

منذ عقود خلت وإسرائيل تتهم النازية بالإبادة الجماعية ضد اليهود، وتستخدم هذه الورقة لاستجلاب التعاطف معها في أوروبا وأمريكا، وأيضًا كنوع من الابتزاز في أوقات كثيرة، لكن اليوم وبعد مرور خمسة وسبعين عاما من الحرب الإسرائيلية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، يصدر حكم المحكمة الاولى في العالم ليضع إسرائيل في قفص الاتهام الدولي بارتكاب الإبادة الجماعية في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة، ولهذا القرار ما بعده.

هذا تقدم مهم على صعيد العدالة الدولية، وعلى صعيد الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في البقاء والعيش في ارضه مهما كانت التحديات، والمؤامرات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، بما هي القضية العربية الاولى، والقضية الانسانية الاولى لكل احرار العالم.

قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا في المؤتمر الصحفي الذي اعقب صدور قرارات المحكمة، إنه لا يمكن تنفيذ قرارات المحكمة إلا بوقف اطلاق النار في غزة، وهذا كلام صحيح. وإن لم يصدر كقرار مباشر وملزم من المحكمة، إلا أن القراءة المتانية والعميقة للقرارات وما خلف السطور يجعل هذه القرارات غير مجدية ان لم يتوقف اطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، وإن تمردت إسرائيل ورفضت ذلك، فانها ستضع نفسها حتما في مواجهة القانون والعدالة الدولية، وقد يترتب على ذلك إجراءات اكثر صرامة لعزلها وملاحقتها دوليًا، والتوقف عن دعمها وتأييدها على صعيد الدول والافراد، ومن سيخرق ذلك سوف يصبح في مرمى الملاحقة القانونية.

ويبدو القرار القاضي بادخال المساعدات الانسانية للشعب في قطاع غزة، وتوفير الخدمات وسبل الحياة، في جوهرة دعوة صريحة لوقف الاعمال القتالية، لأنه لا يمكن تحقق ما جاء في القرار، في ظل استمرار القتال والقصف المستمر للاحياء السكنية والسكان والمشافي وغيرها، ومن هنا وإجمالًا فإن قرارات المحكمة الدولية وضعت إسرائيل في مازق كبير.

إذن؛ الكيان الصهيوني ارتكب إبادة جماعية في غزة خلال الشهور الماضية من عمر الحرب الإسرائيلية الظالمة على الشعب الفلسطيني، وهذا تطور خطير ومهم جعل رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يظهر غاضبًا عقب صدور القرارات، معلنًا رفضه وتمرده، وهذا امر متوقع منه، لكنه هذه المرة سيكون من دون حماية كافية وضامنة من احتمالية تعرضه للعقاب والملاحقة من قبل القانون الدولي، وفوق ذلك العزل، وتحول إسرائيل الى دولة أو كيان منبوذ عالميًا.