المحنة في السلطة و.. الرئيس

المحنة في السلطة و.. الرئيس

> منصور هائل
يعاني اليمنيون من ابتلاء مزمن ومستحكم بآفة اسمها السلطة والرئيس، ويتكشف هذا الابتلاء، وبالأحرى يتجلى في أقصى مستويات انكشافه، عبر السجالات والمداولات والكتابات التي تقع في مطب الشخصنة حين تزعم وتتوهم النجاعة في تشخيص طبيعة النظام السياسي، حيث ينطمس الفارق بين التشخيص والشخصنة على نحو ما ينطمس بين الشخص والنص، غالباً، في بلاد كاليمن.
وينسحب هذا على أهم منجزات أحزاب المعارضة وأحزاب اللقاء المشترك، وكافة أطراف ومكونات الحوار التي ساهمت في إنجاز مشروع وثيقة «الإنقاذ الوطني»، وكان عنوان تشخيص النظام السياسي في صدارة عناوينها، بل العنوان الرئيسي الذي اختزل مجمل النظام السياسي بشخص الرئيس، ولم يكن ذلك بالأمر المستغرب في ظل التمركز المفرط للحياة العامة حول النظام السياسي، والتمركز أكثر حول استدامة «رمز» النظام وخلود الأطقم السياسية الحاكمة معه.
وفي كل الأحوال استبطن مشروع الوثيقة المذكورة شخصنة متوارية لدى من تصدروا لتشريح آفة الشخصنة السافرة والمستشرية في أوصال وتفاصيل المشهد السياسي.
ولئن كان انشغال الحاكم بكيفية بقائه في الحكم إلى الأبد يعتبر مصيبة، فإن المصيبة الأعظم تتجسم في المعارضة حين يكون شخص الحاكم هو شغلها الشاغل، وتنحصر فيه، ولا تفكر في أكثر من قلعه أو بلعه واستبداله بشخص آخر.
وفيما يمعن الحاكم في التمركز حول ذاته، ويتورم ويتضخم على حساب نفي الوطن والمواطن، وحصر السلطة والثروة في حفنة من الأقارب والأزلام والمحاسيب، تسهم المعارضة في استدامة حكمه عبر استنفار شخصه والمحيطين الأقرب إليه كأشخاص.
وفي ظروفنا الراهنة؛ حيث تتكدس كافة الملفات الثقيلة والوسخة على طاولة الرئيس والمعارضة، وتتعنقد وتتلبد كافة سحب الأزمات في سماء البلاد، يبدو أن لقوة القصور قولاً حاكماً على جميع الفرقاء المصابين بالتشوش إلى الحد الذي يمنعهم من رؤية كوة الأمل التي تلوح من ثنايا ما نشهد من احتدام ينطوي على فرصة لإجراء حوار جاد، ويسمح للمعارضة، قبل غيرها، بأن تتطلع إلى تعميق المداولات الوطنية المسؤولة حول مستقبل الحكم وقضايا دولة القانون والمشاركة والثروة والسلطة.
وكما يحدث عندنا دار في الأيام القليلة الماضية النقاش في مصر حول «مستقبل الحكم»، ولفتني أحدهم بنقده دعوة المعارضة إلى إقامة جمهورية برلمانية تتركز فيها السلطة بيد رئيس الحكومة، ويصبح بموجبها رئيس الجمهورية شخصية رمزية شرفية بروتوكولية، وألمح إلى أن تلك الدعوة تبدو «خرافية»، وأنه من الأجدى الدعوة إلى تقليص بعض سلطات رئيس الجمهورية السياسية الداخلية، وإيجاد رئيس حكومة يختار وفقاً لنتائج الانتخابات. وأشار إلى أنه ليس من الصعب إجراء مثل هذا التغيير اهتداءً بـ«النموذج» الفرنسي. وختم أن العمل بهكذا نظام سيركز الاهتمام على الانتخابات، ولن يكون مصير البلاد ومستقبل الحكم متوقفين على شخص رئيس الجمهورية أياً يكن، خصوصاً إذا وضع سقف زمني لتوليه هذا المنصب.
في هذا المنحى ليس ثمة ما يمنع من الإقرار بأن الشخصنة ضاربة في البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية في اليمن كما في مصر، ويتوارى معها مفهوم المصلحة العامة، وتحضر الأسماء والشخوص بدلاً من المفردات والنصوص.
ولسنا في وارد التنكر لواقع ما تعنيه السلطة التي تكاد تكون المشكلة الوحيدة، وبالأحرى الرئيسية في بلادنا: «لا نتقدم خطوة من دون حلها، وإن كان هذا لا يحل في ذاته أي مشكلة»، بحسب ياسين الحاج صالح.
وبما أن محنة السلطة في اليمن لا تقع في جزيرة مقطوعة الصلة عن مجرة السلطنات العربية، فقد كان من الأجدر بفرقاء السياسة أن يلتفتوا إلى السجالات المثارة بشأن تولية منصب رئيس الجمهورية في مصر -مثلاً- حيث حاول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن يرمي حجراً عبر اقتراحه «تشكيل مجلس أمناء الدولة والدستور»، بقصد تحديد الدور الدستوري للرئيس، وتعديل المواد الدستورية الخاصة بترتيب أمر انتقال السلطة. ولم يلقَ المقترح الكثير من الاستجابة في السلطة والمعارضة ومن جميع «الطرشان»، ولكن يكفي أن هيكل كان المبادر الأكثر جرأة في رمي حجر يرج بركة السلطة الآسنة الساكنة، وما أجدرنا وأحوجنا لرميها -أي السلطة- بأكثر من حجر!