فوهة البركان

فوهة البركان

> محمد الغباري
الاقتصاد الوطني لم يعد بمقدوره الوفاء بالالتزامات المعيشية لملايين من الفقراء، ومع هذا فإننا نغوص في حرب مدمرة تدور رحاها منذ سنوات في صعدة، ونواجه نشاطاً سياسياً في الجنوب يرتكز على العداء للجغرافيا، وحكماً عاجزاً عن فعل ما يؤكد أن لديه إمكانية لمعالجة أية مشكلة من المشاكل.
صحيح أن تطورات الوضع القائم في صعدة لم تترك خيارات عقلانية، وأن الحراك الجنوبي اتجه نحو العنف واستهداف أبناء المحافظات الشمالية لأن حاكم البلاد ينتمي لتلك المحافظات فقط، لكن ذلك لم يقابل بعقل وإدراك من السلطة، ولم تتنبه لخطورة الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، وأننا نقف الآن على فوهة بركان يوشك أن ينفجر ويدمر الجميع.
استمرار التمرد وتمدده في صعدة إلى خارج الحدود قلل من فرص الحل الوطني، وألحق أضرارا فادحة بالسكان اليمنيين على جانب الحدود، حيث كانوا يعتمدون في معيشتهم على العمل في أطراف السعودية أو بتهريب المواد الغذائية والوقود الرخيص، أو الآلاف من العمال الذين كانوا يتهربون إلى داخل الشقيقة عبر القرى المتدخلة للعمل هناك بضعة أشهر إلى أن يتم إلقاء القبض عليهم وترحيلهم.
الآن وقد أعيد توطين سكان القرى السعودية على جانب الحدود، وأصبحت هناك منطقة عسكرية بعمق يزيد على 5 كيلومترات، فإن الموت في انتظار الآلاف من المتسللين للبحث عن فرصة للعمل في أرياف المملكة، كما أن ملاك الأراضي على الخط الحدودي فقدوا امتياز التنقل عبر هذا الخط بحرية، بل إن الروابط الاجتماعية للسكان الذين فرقهم خط حدود اتفاقية الطائف قد علقت إلى أجل غير مسمى.
أيضاً استمرار الاحتجاجات في الجنوب بدون وجود رؤية سياسية ناضجة تساعد على إعادة بناء دولة تستوعب طموحات وتطلعات كل اليمنيين، يزيد من تعقيد الأوضاع، ويدفع باتجاه خطير على الوضع الاقتصادي المترنح جراء الانخفاض المرعب في أسعار وإنتاج النفط، وأصبحنا نفيق كل يوم على أنباء اعتراض سيارة لمواطن من المحافظات الشمالية ونهبها في الحبيلين أو إطلاق النار على أخرى.
السير في الاتجاه الصحيح لا يعني الحكم وحده، وإن كان يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما آلت الأوضاع في البلاد. لكن الجميع معنيون بوضع ومستقبل البلاد كلاً في موقعه، فإذا غرقت السفينة لن ينجو أحد. نحن بحاجة لرؤية وطنية حقيقة لكيفية مواجهة التمرد في صعدة، ولمعالجة الأوضاع الملتهبة في الجنوب. وبمعنى أوضح فالمعارضة مطالبة بأن تقول وجهة نظرها في كيفية التعامل مع هذه الوضعية، وعليها أن تفترض أنها في موقع الحاكم.
لا أقول إن الخيار العسكري هو الحل، لأن الصراعات والحروب لا تنتهي إلا باتفاقات سياسية، ولكن الحلول السلمية تتطلب ضمانات كافية لكي تتحول إلى واقع. والأمر ذاته مع الحراك في الجنوب، فقادته مطالبون بموقف سياسي عقلاني شبيه بالموقف الناضج للرئيس علي ناصر محمد، لأن من شأن ذلك إصلاح ما خربته حرب صيف 1994، ولأن تغذية النزعات الشطرية واستعداء الجغرافية لن يؤدي إلى حل، وإن كان بمقدوره وبسهولة أن يقود البلاد إلى حرب أهلية على قاعدة الانتماء الجغرافي.
من حق الناس في الجنوب أن يطالبوا بإزالة كل الآثار المترتبة على الحرب، ومناقشة صيغة الدولة التي تضمن حقوقهم كمواطنين، يضمنون فيها عدم الإقصاء أو الاستباحة أو الإبعاد، لكن خطاب استعداء أماكن الولادة والتنكر حتى لجنسية البلد، واعتبار أن الخصم الحقيقي لحقوقهم هو الشمال الجغرافي، فإن هذا الخطاب سيجعلهم يفقدون مساحات كبيرة من التعاطف، ويزيد من حدة الاحتقان الجغرافي، ويوفر للسلطات مقومات الحشد ضدهم على مستوى الداخل والخارج.
في صعدة لا نحتاج إلى الحرب هذا صحيح، ولكننا أيضا لا نريد أن تتحول إلى مقاطعة مذهبية، ولا ينبغي أن نجعل من البلاد ساحة للصراع المذهبي، ولا يمكن لليمن أن تدخل بوابة العصر إلا من خلال دولة مدنية حديثة يتساوى فيها الجميع، دولة لا تسمح بمراكز للتعليم المذهبي، وتؤمن بحق الناس في اختيار عقيدتهم متى ما بلغوا سن الإدراك، وأن تحتكر هي كل وسائل الإكراه، والبداية الحقيقية لذلك هو نزع السلاح من أيدي المواطنين، لأن تجربة صعدة يمكن أن تتكرر في أي مكان آخر.
malghobariMail