حسن الدولة لـ"النداء": ما يحصل في غزة مأساة القرن

ماذا بعد اليوم التالي؟ عبدالباري طاهر يستطلع آراء النخبة اليمنية تجاه القضية الفلسطينية (11)

عبدالباري طاهر وما بعد اليوم التالي - مع حسن حمود الدولة
عبدالباري طاهر وما بعد اليوم التالي - مع حسن حمود الدولة

في جحيم حرب الإبادة على غزة، والاجتياحات اليومية في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي، وتمدد الاستيطان، طرحت أمريكا سؤال ما بعد اليوم التالي! وهو السؤال المطروح منذ العام ١٩٤٧، والقرار ١٨١ لا يعني غير التقسيم، ويتكرر عقب كل حرب.
ونضع اليوم تساؤلات أخرى:
ماذا بعد الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في الضفة والقطاع؟
هل الدولتان حل؟
وماذا عن وضع فلسطينيي الداخل -أرض ١٩٤٨؟
وماذا عن حل لا يأخذ بعين الاعتبار وضعهم في ظل انتقاص المواطنة؟
وما هي رؤيتكم لما بعد حرب السابع من أكتوبر ٢٠٢٣؟
أسئلة طرحتها على قادة الأحزاب السياسية، وقادة الرأي في المجتمعين: المدني والأهلي والفاعليات السياسية وفي صفوف الشباب والمرأة في اليمن والمنطقة العربية.
وما دفعني لطرح هذه الأسئلة هو تسابق الدول الداعمة للحرب أو بالأحرى الأطراف الأساسيين في صنع أداة الحرب الدائمة -إسرائيل، منذ ١٩٤٨ وحتى اليوم.
وهنا أترك لأصحاب وصاحبات الرأي الإجابة، مع ملاحظة أن البعض أجاب على كل الأسئلة، واكتفى البعض بالإجابة على بعضها.
الشكر والامتنان للعزيز رئيس تحرير "النداء" الصحفي القدير سامي غالب، ولصحيفة "النداء" التي يتسع صدر صفحاتها دومًا لكل الآراء، والتي ستنشر تباعًا آراء النخبة اليمنية وردودها على الأسئلة.

تاليًا ردود وتوضيحات الأستاذ حسن الدولة

وهو ناشط سياسي وعضو تيار الوفاق الوطني محاسب قانوني معتمد له العديد من الابحاث السياسية والاقتصادية

 

في سياق الاستطلاع الذي أجراه الأستاذ عبدالباري طاهر لآراء النخب اليمنية تجاه القضية الفلسطينية، اطلعت على ما كتبه أستاذنا الجليل البروفيسور أحمد قايد الصايدي، وكذلك رد الأستاذ عبدالله عوبل، وهما من هما علمًا وثقافة وتجربة، ولولا أن لي وجهة نظر مغايرة إلى حد ما، لما كان هذا الرد، فإنني أتوقع أن العالم سيفيق في اليوم التالي لوقف حرب إسرائيل على غزة تحديدًا وضدًا على القضية الفلسطينية، على مأساة إنسانية هي الأعظم في هذا القرن، مئات آلاف المشردين بلا مأوى ولا طعام، بنية تحتية مدمرة، عشرات آلاف المباني تحولت إلى ركام، آلاف الجثث البشرية تحت الركام، لا ماء ولا كهرباء، وإن ما قبل 7 أكتوبر كان كارثيًا، لكنه لم يكن كما بعده بالنسبة للفلسطينيين.

عند انتهاء الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يبدو أن المستقبل مجهول وغامض، فقبل هذا التاريخ كان الوضع القائم خطيرًا ومؤلمًا، وبخاصة بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكنه كان مألوفًا، وأقل دراماتيكية عما بعد ذلك اليوم، وسنجد التبريرات، من مثقفينا ومن ساستنا، ومن كل من كان مع تلك العملية غير المحسوبة العواقب، والتي استغلها الكيان الصهيوني استغلالًا حقيرًا لا يتناسب مع حجم ذلك الفعل أو تلك الانتفاضة التي استمرت سويعات، إلا أن الوضع الذي كان قائمًا تحطّم بعد السابع من أكتوبر، بعد هجوم حماس ورد فعل إسرائيل حياله.

يمكن لصدمة الحرب أن تسرّع التغيير، لأنها تكتسح الأفكار القديمة، وتفرض خيارات صعبة من أجل مستقبل أفضل. لكن يمكن لها أيضًا أن تدفع القادة والناس إلى ملاجئ أوسع، خلال استعداداتهم للجولة التالية من الحرب.

لأكثر من قرن من الزمن، كان اليهود والعرب في مواجهة بعضهم البعض، وفي بعض الأحيان كانوا يخوضون حربًا، من أجل السيطرة على قطعة الأرض الصغيرة المرغوبة للغاية الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.. ولعل الرهان الأكثر قربًا للواقع على الرغم من كونه مؤلمًا، هو الافتراض بأن الصراع، بعد إعادة تشكيله، سوف يستمر. وهذا ما حدث بعد كل الحروب التي جرت في الشرق الأوسط منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، والتي سردها لنا الدكتور أحمد قايد الصايدي، وكان موفقًا أيما توفيق في ذلك. ومن المعلوم أنه بعد الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، سوف تواجه المنطقة تداعيات وتحديات كبيرة، سببها العنف الإسرائيلي، وقيامه بالتطهير العرقي جهارًا نهارًا أمام مسمع ومرأى العالم.

إن تلك الحلول التي كانت مطروحة سوف لن تعود كما كانت عليه، فسوف ترتفع سقوف مطالب الفلسطينيين، وكذلك الكيان الصهيوني، وأقصد بتلك الحلول المتعلقة بالآتي:

أ. حل الدولتين: يعتبر حل الدولتين هو الخيار الأكثر قبولًا واسعًا دوليًا لإنهاء الصراع. يتضمن ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، بجانب إسرائيل كدولة يهودية آمنة ومعترف بها دوليًا. تشمل هذه الحلول تفاوضًا على قضايا الحدود، والقدس، واللاجئين، والأمن.

ب. التسوية الثنائية: تشمل هذه الحلول اتفاقيات مباشرة بين الجانبين، وقد تعتمد على الحوار والمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى اتفاق سلام شامل.

ج. الحل الثنائي الدولي: يتضمن ذلك تدخل أطراف دولية مستقلة ومحايدة للوساطة والتوسط بين الجانبين، وتسهيل عملية التفاوض والوصول إلى اتفاق سلام.

بالنسبة للمستقبل والوضع الداخلي لأبناء فلسطين في الداخل، فإنه يتعلق بالتحديات السياسية والاجتماعية المتعددة التي يواجهونها. يسعى الفلسطينيون في الداخل إلى المساواة والحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية.

تشمل هذه التحديات التمييز والتهميش والقيود الحكومية التي تؤثر على حياتهم اليومية وفرصهم الاقتصادية. يتطلب تحقيق مستقبل أفضل لأبناء فلسطين في الداخل تعزيز حقوقهم وتوفير فرص متساوية، وتقديم الدعم اللازم لتطوير المجتمعات والبنية التحتية في تلك المناطق.

فلقد كان "حل الدولتين" هو الهدف الرسمي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين منذ أوائل التسعينيات. لكن باءت سنوات من المفاوضات في سبيل تحقيق ذلك بالفشل، ولمدة ربع قرن تقريبًا، منذ انهيار عملية السلام، ظلت هذه العبارة شعارًا فارغًا. لكن بايدن يريد إحياءها، مجادلًا بأن الحل السياسي وحده هو الذي سينهي الصراع.

ونعلم أن الرئيس الأمريكي بايدن أرسل نائبته، كامالا هاريس، إلى دبي، الأسبوع الماضي، لإلقاء خطاب يحدد الخطوط الحمراء الأمريكية لغزة في اليوم التالي، وقد وضعت خمسة مبادئ: "لا للتهجير القسري، لا لإعادة الاحتلال، لا للحصار أو المحاصرة، لا لتقليص مساحة الأرض، لا لاستخدام غزة كمنصة للإرهاب".

وأنا أتفق مع عدم جدوى حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأسباب منها:

- الاستيطان الإسرائيلي: يعتبر الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق حل الدولتين. بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية يعتبر انتهاكًا للقانون الدولي ويهدد الفرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة.

- حالة القدس: القدس تعتبر قضية حساسة في الصراع، حيث يطالب الفلسطينيون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في القدس الشرقية، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ومع ذلك، تعتبر القدس مقدسة للديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، وتثير القضية توترات دينية وسياسية كبيرة.

- حق العودة للاجئين الفلسطينيين: تشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين عقبة أخرى أمام تحقيق حل الدولتين. يطالب الفلسطينيون بحق العودة للاجئين الذين نزحوا من أراضيهم خلال النكبة في عام 1948 والنكسة في عام 1967. ومع ذلك، تعارض إسرائيل هذا الحق، مشيرة إلى أن تنفيذه سيهدد الطابع اليهودي للدولة.

- الأمن والعنف: استمرار العنف والتوتر في المنطقة يعتبر عقبة كبيرة أمام تحقيق حل الدولتين. يعتبر الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني الأمان والحماية من العمليات الإرهابية والاعتداءات جزءًا أساسيًا من أي اتفاق سلام.

- نقص الثقة والمصداقية: النقص في الثقة بين الجانبين والشكوك بشأن التزاماتهما وتنفيذ الاتفاقيات السابقة، يعرقل تنفيذ حل الدولتين. من الصعب بناء تفاهمات والتوصل إلى اتفاقات مستدامة عندما يفتقر الجانبان إلى الثقة المتبادلة.

تحقيق حل الدولتين يتطلب التغلب على هذه العقبات، وتعاونًا دوليًا قويًا، فضلًا عن إرادة سياسية قوية من الأطراف المعنية للتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع.

إلا أن معوقًا أخطر سيقف حائلًا تجاه فلسطينيي الداخل في ظل تمسك إسرائيل بتحويل دولة إسرائيل دولة دينية، حيث سيجد الفلسطينيون (المسيحيون والمسلمون) أنفسهم في سجن الداخل أو تهجيرهم قسريًا، وعليه نخلص إلى أن الطبيعة المتقلبة والمعقدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تجعل توقع المستقبل بدقة صعبًا. إلا أنه يمكنني أن أضع من باب التفاؤل السيناريوهات التالية:

- استئناف المفاوضات: قد يشهد المستقبل استئناف المفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل. قد تتدخل أطراف دولية لتسهيل هذه المفاوضات، وتعزيز الثقة بين الأطراف.

- استمرار العنف والتوتر: قد يستمر العنف والتوتر في المنطقة، مما يؤدي إلى مزيد من الصراعات والتصعيدات بين الجانبين. قد يتسبب ذلك في تعزيز سياسات الإقصاء والتصعيد من كلا الجانبين.

- تشديد الرقابة والحصار على قطاع غزة: قد يشهد قطاع غزة تشديدًا في الرقابة والحصار الإسرائيلي، مما يؤثر سلبًا على الحياة اليومية للسكان، ويزيد من الاحتقان والاستياء.

- تعزيز الجهود الدولية: قد يشهد المستقبل زيادة في الجهود الدولية للتوسط والوساطة في الصراع، وتعزيز الدعم للفلسطينيين، وتحقيق حل عادل وشامل.

- تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية: قد تؤثر المتغيرات الإقليمية والدولية، مثل التغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية العامة، على حل الصراع ووضع الفلسطينيين في القطاع.

وفي الحقيقة، فإن تصريحات المحمومة الإسرائيلية التي تكشف خطتها للمرحلة التالية من حرب غزة وما بعدها، واستمرار عدوانها على قطاع غزة، تغنينا عن أي توقع تجاه ما بعد الانتفاضة الفلسطينية في الضفة والقطاع، فخطة إسرائيل لـ"اليوم التالي" لحرب غزة طرحت من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي أمام مجلس الحرب الإسرائيلي، والتي شملت تشكيل قوة عمل متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، وتضم "دولًا أوروبية وعربية"، بهدف تولي إعادة إعمار القطاع وتأهيله اقتصاديًا، وفي ما يتعلق بسير الحرب، أعلن جالانت الانتقال إلى نهج جديد في شمال القطاع، يشمل "هجمات وتدمير أنفاق وأنشطة جوية وبرية وعمليات خاصة"، وفق ما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية.

ويمثل المقترح خططًا تعكس الرغبات الإسرائيلية، لكن من المتوقع أن تلقى رفضًا فلسطينيًا وعربيًا، ولا توجد مؤشرات على موافقة أية دول عربية على التجاوب مع السيناريوهات الإسرائيلية لما بعد الحرب.

ووفق المقترح الإسرائيلي، فإن حركة "حماس" لن تسيطر على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وستحتفظ إسرائيل بالحرية في العمليات العسكرية داخل القطاع، إلا أنه لن يكون هناك أي تواجد مدني إسرائيلي في قطاع غزة، وستكون الهيئات الفلسطينية هي المسؤولة "طالما لم تكن هناك أي أعمال عدائية ضد إسرائيل"، وفق ما نقلت الصحف الإسرائيلية عن الخطة التي قدمها جالانت إلى الحكومة ومجلس الحرب المصغر.

وطبعًا فإن كاتب هذه السطور ليؤكد على أن الغطرسة الإسرائيلية سوف تكون سببًا لهزيمتها أمام إصرار المقاومة الفلسطينية على النصر أو الشهادة.

وأختتم هذا الاستبيان بأنني أتطلع إلى أن يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بإنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يتم الاتفاق على رفع ركام ما خلفته الحرب، وتحقيق السلام والعدالة يتطلب جهودًا مستمرة وتعاونًا دوليًا. إنهاء العنف والحرب: يعتبر وقف العنف وإنهاء الحروب والتصعيدات أمرًا ضروريًا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. تحقيق العدالة والمساواة: يهدف الحل السلمي إلى تحقيق حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، إلى جانب ضمان حقوق الإسرائيليين في الأمن والاعتراف بحدودها الآمنة. وتحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد الفصائل الفلسطينية، حيث يعتبر ذلك جزءًا مهمًا من العملية السياسية لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية. يتطلب ذلك التوافق والتعاون بين الفصائل الفلسطينية.

الدعم الدولي:

يلعب الدعم الدولي دورًا هامًا في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. يجب أن تستمر الجهود الدولية للتوسط والتوازن في الصراع وتعزيز الحوار والتفاوض بين الأطراف. الاستثمار في التنمية والاقتصاد: يتطلب إحلال السلام الاستثمار في التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وتحسين ظروف الحياة للفلسطينيين. يسهم التطور الاقتصادي في تعزيز الثقة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

فتحقيق السلام والعدالة في القضية الفلسطينية يتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة من جميع الأطراف المعنية. يجب أن تستمر الجهود المشتركة والدولية في هذا السياق لتحقيق حلول دائمة وعادلة وسلمية للصراع.