يقترح الاضراب العام تضامناً مع سجناء الرأي والضمير

أبوبكر السقاف يقترح الاضراب العام تضامناً مع سجناء الرأي والضمير

أرادت حركة المقاومة في الجنوب أن تكون سلمية، وكان هذا تمسكاً بحكمة سياسية مدروسة جاءت من مخزون ثقافة سياسية تراكمت في غير مرحلة من مراحل حركة التحرر الوطني، رسخ فيها الملمح المدني في الاضرابات العمالية والمدنية والسياسية، ولم تلغ هذه الثقافة حتى سنوات الحزب الواحد بعد الاستقلال.
تكاملت ملامح وقسمات «القضية الجنوبية» في سياق النضال السلمي منذ أزيد من عام، وذلك لأن هذا السياق أقنعهم أن سلطة 7/7/94 لا تعترف من حيث المبدأ بهذه القضية، ووضعها الكلام المرسل من قبلها وحتى من قبل غلاة الوحدويين الاندماجيين الثوريين بأنها تهب من خارج الجنوب.
وجاء ما قدمته من حلول أسوأ من الافكار، فالذين عادوا إلى الجيش والأمن أسرى أحواش هاتين المؤسستين، رغم قلة عددهم. لأن عودة فعلية لهم إلى مراكزهم تهدد نصر 7/7/94، ومن ثم فهي خطر داهم على السلطة القائمة.
لم تدرك السلطة اليوم أنه يمكنها أن تصنع بالرماح كل شيء إلا أن تجلس عليها، ولذا شنت حرباً كاملة العتاد والعدة على شعب الجنوب الأعزل، فاستخدمت فيها نيران بنادقها ودباباتها وطائراتها، وذلك منذ أواخر آذار حتى مطلع نيسان من عامنا هذا.
وجاء العنف السياسي ليكمل المهمة فاعتقلت المناضلين السياسيين من خارج منطقة الحرب في ردفان والضالع وبعيداً عن المناطق التي قالت إن شغباً حدث فيها، وساقت المناضلين إلى المركز في صنعاء، من عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت، بعد حملة اعتقالات اتسمت بالقسوة والفضاضه الشديدتين. والحصار العسكري لايزال معززاً على ردفان والضالع. ولأن قضية الجنوب قضية شعب يصدق فيها قول الشاعر الراحل عبدالله هادي سبيت في إحدى قصائده «قفلنا الحساب، قررنا المصير»، هب الشعب في الريف والمدينة في طوفان غضب واحتجاج مستمر حتى اليوم ١_١_/5/2008، كما هب الطلاب الشجعان في كل جامعاته والهيئات المدنية للمرأة الجنوبية في اعتصام ورفض مفتوح دفاعاً عن المعتقلين، والحركة السلمية التي لا تمثل همّ فرد أو جماعة أو جهة أو حزب أو تجمع أحزاب، إنها قضية الشعب كله، هي مضمون كرامة وراية حرية وحلم أجيال تجرعت مرارة سياسية تمييزية تذكر جوانب كثيرة فيها بمأساة اخوتنا في جنوب أفريقيا قبل الاستقلال. لقد أصبحت توقاً جارفاً إلى مستقبل جديد متحرر من أخطاء الماضي القريب في وطنهم واعادة الاعتبار إلى كل من ظلم ومن بناته وأبنائه، فهذا جوهر المحبة والتسامح والتصالح، وذلك بعد رفع أرزاء الحاضر القاسي الذي جمعهم تحت جحيم واحد موحد.
ان عدد المعتقلين 287، والجرحى 100، والقتلى الشهداء 25 (المرصد اليمني لحقوق الانسان، الثوري، 8/5/2008). إن اضراباً عاماً يشارك فيه الجميع وكل واحد هو الموقف الوحيد الذي يلبي دواعي الكرامة والحرية فينا جميعاً رجالاً ونساءً.
11/5/2008

***
 
 
 مرة أخرى، بعبع الصوملة
 

لا يوجد شيء لا يمكن رفضه الا المستقبل، لأن الحاضر مرفوض كله. ليس النظام السياسي القائم الذي إذا ما وصف بالفشل أو الفساد كان ذلك نوعاً من تزيينه، لأنه توحد بهما في علاقة هوية (تطابق معهما)، ولذا لم يبق لنفسه فسحة أمل في أي عقل نقدي، لا يرى في الواقع القائم إلا المستقبل، لأن جدل الصورة يدمغ بالزوال كل القائم، وفي المقدمة الثقافة السياسية الرثة التي تجتر تبسطات القرن الماضي التي تذكر باللغو الذي يسبق كلام الطفل، فمن هذا المستوى تهب على الحقل السياسي نبوءات لا تجرؤ زرقاء اليمامة لو عاشت بيننا ووعت بعض علوم العصر، على إطلاقها. فبدلاً من التفكير في جذور الصوملة يخوفوننا بها فيصبون الماء في طاحونة السلطة/ السلطان، بدلاً من اكتشاف نصيبه في صنعها إن كانت قادمة، وعندئذ تغدو الصوملة أسطورة سياسية بالدلالة الدقيقة للكلمة، ويمكن أن تندرج في ما يسميه بعض علماء الاجتماع والسياسة في الغرب، بـ«إمبريالية المقولات»، فالاسطورة وامبريالية المقولات معاً يضبطان الفكر اليومي لكي لا يفكر خارجهما. «أرض بلا شعب لشعب للأرض».لبنان لا يقاس إلا بنفسه*. يعززان السطو الاستيطاني في فلسطين والمارونية السياسية في لبنان. لنفحص بسرعة وايجاز جذور الصوملة. اقتصادياً: مثلت سياسة الاغراق بالسلع الزراعة الرخيصة، ومن أمريكا الشمالية في المقام الاول، ضربة مدمرة للاقتصاد الصومالي القائم في عهد زياد بري، لأنها حطمت الأواصر والتكامل بين اقتصاد الرعي والاقتصاد الزراعي، ودمر ذلك الأمن الغذائي: الحبوب والثروة الحيوانية. سياسياً: لم تستطع حكومة تقوم على علاقات التبعية بالخارج الامبريالي وتجعل الفساد العملة الأساسية المتداولة في اقتصاد الصفقة الذي لا علاقة له البتة بالانتاج، إلا أن تستمر في نهب الثروة وتوزيعها في إطار عصبية قبيلية قوية الحضور في السلوك الصومالي. وواجهت كل نقد أو رفض لتسلطها بالقتل، الذي بلغ ذروة همجيته في ما عرف بالصومال البريطاني. اعترف مندوب سابق للصومال في الأمم المتحدة للراحل عبدالله الاشطل، بأن الطيران الحربي الصومالي قصف آلاف المنازل ودمرها دون أن تكون هناك أية ضرورة حربية. جعل القبيلة الأخرى تعرف مقامها وجعلها عبرة لمن يريد أن يعتبر هو الدافع الأساسي لحكومة ترى أن القبيلة هي الحمى، وليس الوطن، ولنذكر أن الصومال كان تجربة اندماج وحدوي فوري، ألهم غير صحافي وكاتب نشيداً حماسياً ودعوة للتقليد.. كان الراحلان العزيزان الجاوي والنعمان من أشد المعجبين بإعلان وحدة الصوماليين في غرة تموز.
قام النظام بخطأ سياسي كبير عندما شن حرباً على إثيوبيا لتحرير أوغادين، وهي قضية عادلة حتى اليوم وغدا. ولكن الوسيلة المثلى في ظروف أفريقيا الاقليمية والمواثيق بين دولها والتي تحظر إعادة النظر في حدود المرحلة الاستعمارية، كانت دعم حركة تحرر يقوم بها شعب الأوغادين. وربما كان متعذراً أن تغزو اثيوبيا الصومال بمباركة أمريكية في نهاية العام الماضي لو كانت في أوغادين حركة تحرير وطني. دولة الصومال أول تجربة في القرن العشرين قام بها الصوماليون الموزعون قبيلياً على قبائل عديدة منذ عهد الغازي أحمد غران قبل قرون. ولعل ذلك يسر الانهيار، فبناء الدول يفترض تاريخاً مستمراً للجماعات الداخلة في تكوينها وحداً أدنى من الخبرة السياسية المتوارثة.
حالنا وان وجدنا تناظراً بينه وحال الصومال، إلا أن السياق والشروط التاريخية القريبة المؤثرة في واقعنا السياسي مختلفة، ولذا أرجح أن تكون النتيجة لا صوملة التشظي، بل قسمة الجغرافيا على اثنين، كانا قبل وحدة الارتجال، ثم وحدة التعميد بالدم قد حرما من أي تعايش يكون مقدمة للاندماج، الذي يسبق كل وحدة.
وهذا الواقع القائم الذي يتعذر تصور إصلاحه كلما اتسع الرفض، وتجذر بسبب إصرار سلطة 7/7/94 على اعتباره صورة الوحدة الوحيدة الممكنة كما قال أحد صقورها قبيل حرب 94، إما أن يقبل الجنوبيون هذه الوحدة القائمة أو نتحارب مائة عام، وكل ما يجري منذ أزيد من عام من الرفض بـ«لا» الكبرى كما يقول الشاعر الرائع سعدي، يعلن الرفض الكبير بحجم الذات والألم والهوية المقاومة، أنه يرفض هذه الوحدة ولو حارب على طريقته سلمياً مائة عام. جرأة الرفض الكبير تضفر بالمستقبل وهو جدير بالشجاعة المغامرة.
إن قبول الواقع باسم الواقعية كما يتحدث عنها أصحابها في اليمن العربي هو رفض للاقرار بأن الواقع غير واقعي، ما دام مرفوضاً في كل مستوياته، والذي يرفض الواقع يتمسك دائماً بإمكان واقع جديد يتخلق في ثنايا هذا الواقع المرفوض، وجدل الصيرورة لا يرحم كل ما تآكل ورانت عليه ظلال الاندثار، فمهما استعان صاحب السلطة بالموت والحيلة وألوان الاغراء، فإنه في ساعات الغسق يرى الموت محلقاً في مكان ما في الأفق.
4/4/ 2008
 
* للتدليل على فرادة لبنان الذي لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، قال ادوارد حنين أحد منظري المارونية السياسية: إن الأمر ليس في وجود الجبال، فهذه موجودة في اليمن.