جعار الإمارة أم المستقبل/ المقتل؟ (1-2)

جعار الإمارة أم المستقبل/ المقتل؟ (1-2) - منصور هائل

كما يطالعنا المشهد الراهن في مدينة جعار، التي لا تنام على لعلعة الرصاص والمفرقعات، بعلامة فارقة وصادمة من علامات الانهيار وتحلل الرابط الجامع للسكان تحت مسمى "الدولة" في اليمن، فهو يطالعنا بهيئة رثة، مفزعة، للمستقبل/ المقتل، الذي لن نقوى على الإفلات منه بالمخاتلة والتسويف، وليس بمقدورنا تحاشيه بركوب بحر سبقنا إليه إخوتنا الصومال، وليس من حقنا أن نستكثر عليهم ذكاء الغبش، أو أن نغبطهم على إحراز حق السبق والنفاذ من منافذ البحار، أو على حتوفهم السينمائية المذهلة في الشواطئ وأشداق أسماك القرش والحيتان الشاردة.
وتتضافر شواهد جعار، وهي أكبر مدينة في أبين، لتشهد على أثرٍ لمدينة سادت إلى عهد قريب جدا، ثم بادت وآلت إلى مدينة أشباح تعطلت فيها حركة الحياة والتجارة والعمارة، ومسخت إلى أكثر من إمارة، وخرجت عن نطاق سيطرة "الدولة"، وتناثرت إلى مربعات متناحرة، تتوزعها أربع ميليشيات، على الأقل حتى الآن، وإلى مناطق نفوذ تتنازعها تلك الميليشيات التي تحاصر وتضرب مراكز الشرطة والأمن والمرافق العامة، وتعتدي على الممتلكات الخاصة، وتصول وتجول بأسلحتها وذخائرها من دون رادع.
ولم تنزل الدبابات والأطقم العسكرية وقوات مكافحة الشعب (ويقال: الشغب) إلى الشوارع للدفاع عن هيبة "الدولة" ومراكز الشرطة والأمن والسجون والأندية الرياضية ودار السينما الوحيدة التي نُهبت من قبل هؤلاء "المجاهدين".
وبدا واضحا أن السلطة فقدت ذاكرة شرطها الوجودي ومبررها، لا لأنها لم تعد قادرة على توفير الأمن والأمان للسكان فحسب، بل ولأنها صارت مجلبة للأذية والإهدار؛ بدليل أنها كانت هي الساحر الذي تعهد باحتضان كل هذه الشظايا المستطيرة، وكانت صاحبة التمويل والشريك مع الطلائع الأولى لـ"الجهاد"، قبل أن تتعهد بتفقيسها في جبال حطاط والمراقشة وغير ذلك من المعسكرات في شمال البلاد وجنوبها.
وتكشَّف أكثر أن الدبابات مختصة بمواجهة الشباب العاطل عن العمل، والحفاة، والجياع، وكافة أولئك الذين يطالبون سلميا بحقهم في العمل ولقمة العيش وحقهم في مواصلة مغامرة الحياة.
ولما كان الحيز لا يتسع لسبر بعض أغوار إمارة جعار المنفصلة عن اليمن، إلى أجل غير مسمى، فإن الواجب يدعونا إلى إطلالة أخرى في العدد القادم.
mansoorhaelMail