قرار مناخي «محلي»

قرار مناخي «محلي» - محمد الغباري

القرارات التي تتخذ على عجل غالباً ما تخلق أزمة و لا تعالج مشكلة. ويبدو ان الحال كذلك مع قرار انتخاب المحافظين خلال فترة لا تتجاوز الاسبوعين من الآن.
صحيح أن هذا الأمر كان مطلباً لمختلف القوى السياسية ولقطاعات شعبية واسعة، لكن بقاء الباب مفتوحاً لمن يريد ان يشرع من خارج ابناء المحافظة يوحي وكأننا سنعود إلى الدوامة نفسها وان المحافظين الذين يمارسون مهامهم الآن بموجب قرارات جمهورية سيعاد توزيعهم على بعض المحافظات أو ابقاء البعض في المكان نفسه بعد اصباغ عليهكم شرعية الانتخاب عليهم.
التردد ازاء الحكم المحلي ما زال يهيمن على مركز صناعة القرار لأنه لا معنى لأن تعطي لهيئة ناخبة محلية انتخاب محافظ ليس من ابناء المحافظة، ولن يكون للأمر أي معنى إذا ما اعيد انتخاب اشخاص أمضوا في مواقعهم أكثر من عقد ونصف.
شكوى الناس كانت ولا تزال من مركزية القرار وارسال المسؤولين كبارهم والصغار من العاصمة إلى المحافظات، واذا لم يتم الاقرار بأن اي شخص يريد الترشح لموقع المحافظ ينبغي ان يكون من سكان المحافظة أو أن يكون قد اقام فيها مدة لا تقل عن عشرة اعوام، فإننا سنعود إلى الدائرة داتها وسيفقد الحكم ما تبقى من ثقة الناس في توجهاته.
المد والجزر باتجاه الاصلاحات سياسية يكشف بجلاء حجم تأثير المحيطين بموقع رئيس الجمهورية وقدرتهم على تغيير قناعته، فالرجل كان اعلن انه مع اقامة نظام حكم رئاسي وحكومات محلية وشرطة محلية، وسمعت من مقربين انه استدعى خبراء في النظم الدستورية لتقديم تصور ونماذج لانظمة الحكم القائمة في العالم، على هذا الأساس، وكان الرجل متحمساً لنظام الحكم في الولايات المتحدة، ولكننا وبدون مقدمات وبينما تموج البلاد بالاحتجاجات وبالغضب المتزايد منسوء الإدارة واتساع رقعة الفقر والفساد نجد أن الأمر قد قزم إلى هذه الخطوة الباهتة.
ما تزال قوة المحيطين بموقع القرار تدفع باتجاه تأزيم الأوضاع السياسية، ظناً منها أن ذلك يزيد من فرص الاحتياج لخدماتها، ويبقى باب الانتفاع مفتوحاً لها حتى تراكم المزيد من الثروات والنفوذ، ولهذا تضغط الآن لإجهاض خطوة انتخاب محافظي المحافظات من خلال الدفع بترشيح اشخاص من خارج ابناء المحافظة، بل واعادة ترشيح شخصيات اثبتت فشلها وعجزها وظهر انها جزء اساس من المشاكل المتفاقمة اليوم في اكثر من مكان.
من حق المعارضة التقليل من هذه الخطوة لأنها جاءت دون سقف طموحات الناس ودون مطالبها، ولكنها ايضاً اتت حتى دون اطروحات رئيس الجمهورية نفسه، الأخطر من هذا ان هناك من يريد ان يرسخ قناعة موجودة لدى الناس بأنه لا توجد نوايا حقيقية للاصلاح وأن الهدف الأساس من هذه الخطوة انما هو إلهاء العامة. اذا فشل الحكم في اختيار مرشحيه هذه المرة وهو أمر يبدو انه الاقرب للحدوث فإن ذلك سيخلق ازمة جديدة تضاف إلى قائمة الازمات التي انتجها هذه الحزب ومستشارو الحكم.
 من الغريب ان يختصر الحكم المحلي في مسألة انتخاب المحافظ، وأن يخجل الحكم من الاقرار بحق الناس باختيار من يدير شؤونهم المحلية من اوساطهم ثم يعطي للرئيس صلاحيات العزل والتعيين وان يكون هذا المنتخب رهن المركزية المالية وسطوة القيادة العسكرية والامنية وان لا تحدد مهام المجالس المحلية التي تؤدي اليوم دوراً منقوصاً ومشوهاً.
هل هي برلمانيات محلية ام حكومات محلية؟ ومن سيراقب الآخر? وما هو الدور الذي سيوكل للمئات من الوكلاء والوكلاء المساعدين الذين تم تعيينهم قبل الإقرار بانتخاب المحافظين?
malghobariMail