طريق الإجماع مقطوع

طريق الإجماع مقطوع - منصور هائل

وصلت فجر يوم أمس إلى عدن من طريق الضالع وتشهد بذلك تذكرة السفر على حافلة «الرويشان» وصديق كان برفقتي وراكب تعرفت عليه وتبادلت معه الحديث إلى الدرجة التي تسمح لي باللجوء إلي كشاهد إثبات على وصولي عن طريق الضالع- ردفان -العند... عدن.
وبعد وصولي بوقت وجيز ذهبت اتسكع في الأرصفة التي شربت وجهي وأكلت ربيع العمر وزهرات الصبا والشباب، وتقابلت مع أصدقاء أحباء أخبروني بأن الطريق الذي يصل عدن بصنعاء مقطوع من الضالع، ودحضت أقاويلهم بواقعة وصولي من ذات الطريق فكذبوني.
وتحيرت عندما لحظت أن بعضهم صدقوني على سبيل المجاملة وأصروا على التمسك بقناعتهم أن الطريق مقطوع.
ثم سمعت أن خط اللهب امتد من الضالع إلى ردفان وطاول منطقة «كرش»، اعتباراً من يوم السبت، وأن احتقانات الناس تفجرت واندفعوا لإحراق السيارات وتكسير وتحطيم مقرات البلدية والاتصالات والأمن وبعض المحلات التجارية، وداهموا البنك الأهلي، وهشموا الزجاج أمام العديد من المنشآت.
وسمعت عن حملة اعتقالات واسعة طاولت العديد من الناشطين السياسيين في عدن والضالع وردفان، وبعض الاكاديميين في لحج وعدن، ولازالت مستمرة وكان «الإجماع» يقطع بأن الطريق مقطوع.
كنت أتعجب من نفسي وكيف نجوت بجلدي ورأسي، وكان معظم الأصدقاء الاحباء يتعجبون من تصديقي لما أقول بما ينطوي على دحض وإنكار لأحداث اللهب والشغب.
ولمست أن «الاجماع» يطالبني بكتم شهادة لا تساير أحداث الساعة.
 والحق، إن شئتم الحق، شعرت بالذعر تجاه ذلك «الإجماع»، وحزنت كثيراً على انكسار أفق توقعات الزميل سامي غالب الذي ارتسم على قياس منظوره الغاندي ومخياله الماندلاوي- من نيلسون مانديلا. فهو، أي العزيز سامي، تقصد غير مرة التذكير بملمح وعنصر قوة حركة الاحتجاجات التي شهدتها المحافظات الجنوبية، وتكرر تذكيره وتأكيده على نجاعة الطابع السلمي لتلكم الحركة، وعَقَدَ الرهان على ذلك الطابع في هزم سلطة الاستبداد والفساد التي تغتذي من كافة أشكال التفلت والعنف والعشوائية والاعتباط والفوضى الساحقة.
وحزنت أكثر بأن يحدث ما حدث -إذا صَدَق حدوثه- ليوظف في مجرى حرق ما تحقق من إنجاز رائع تجلى في معطيات وإشارات ورسائل الحركة السلمية المدنية الاحتجاجية التي شهدتها المحافظات الجنوبية وفتحت المجال واسعاً لتحليق الأحلام والرؤى والتصورات اللذيذة بشأن عمارة جديدة للسياسة، وعتبة رحبة لحياة جديرة بأن تحيا.
mansoorhaelMail