ضمائر رخوة

ضمائر رخوة - نبيلة الزبير

(1)
استغربت البكائية التي نشرها الزميل "محمد ناجي أحمد" بعنوان: "المتوكل وضميرنا المتواطئ" في صحيفة "النداء" بتاريخ 21/2/2008م. والتي اطلعت عليها متأخرة، بسبب سفري لمرتين متتاليتين. كان من حقه أن ينتصر للزميلة المتوكل، وأن يندد بالصمت الذي قوبلت به في قضيتها، كلنا نندد به، إنه ظاهرة، ووضع يطالنا جميعا! ليست ظاهرة تخصها وحدها، كلنا لدينا ما يتستر عليه الصمت، وننطلق رغماً عنه، قابضين على الجمر. أقول؛ كان يمكنه أن يفعل هذا، دون أن يشير لآخرين بالاسم، ويجرمهم..!!
لقد عدد أسماء كثيرة.. لم يقل لنا لماذا هذه الأسماء بالتحديد؟ ثم لماذا، ما دام شجاعا، لم يعدد، ويحاكم الأسماء ذات الصلة؟، على أن ما يستحق المحاكمة، في عرفي الشخصي، ليس الأسماء، وإن كانت لموظفين متخصصين. في كتابة مسؤولة، وواعية، في كتابة من موقع الرائي، لا المدعي العام. وحسب ما أعرفه، وما أفعله في الكتابة، نقدر أن أسماء الموظفين، تتبدل وتتغير، لهذا نعالج في كتاباتنا النقدية، لا شخص الموظفين، بل شخص الوظيفة: محدادتها، وحدودها، وما يترتب على التجاوز، أو الإهمال فيها، وفي السياق نخص شيئا أو أحداً وقع عليه الضرر! هذا في الكتابة التي ليست تمترساً مع أحد، ضد أحد..!
بينما زميلنا، وبكل كرم، عدد أسماء، لم يكتف بأنه استدعاها في كتابته تلك من "خارج الضمير"، حسب عنوان مقالته، وهو في متنها، يضيف اسمه لعداد المشتبه في ضمائرهم، وإن كان قد نوه في موضع سابق إلى جهوده التي تدل على وجود "ضمير"، سيكون هذا الذي يكتب به، يبرئ جرح أحد، بإيلام آخرين، ويندد، ممعنا في التباكي: " أسوأ ما في الأمر أن تجدهم يصافحونها -بعد عودتها مكللة بالنجاح (...) كم هو سيئ أن تكون شاهداً على نفسك بالخذلان". أسماء يجرم فيها حتى عفويتها، ومبادأتها بالمصافحة..! أكثر من ذلك لقد أجزل عليها عطاء التبكيت، واللوم، والتقريع، والاتهام أحيانا...
من ذلك التعريض والاتهام ما يتوجب على كاتب المقال المذكور، إثباته، والبرهنة عليه، وإلا يكون قد دخل في المحظور، ويصبح معتديا، في الحين الذي فيه، يتمثل "صحوة ضمير"، ويلعب فيه، كذلك، دور الانتصار للزملاء. سؤالي: لمن كان ينتصر بجملته التي خص بها "نبيلة الزبير" والتي يقول فيها بالنص: " نبيلة الزبير مشغولة بهجاء "الحاكم" إلى درجة يصبح فيه الهجاء رديف المدح، من زاوية انشغال المادح والقادح بـ"الذات" الحاكمة".
زميلي العزيز، لنعتبر أن هذا القول، هو من قبيل الافتراض، الذي يحق للناقد، لكنه لا يصبح كذلك، إلا إذا اشتغل على تحقيقه، من داخل النصوص أو الكتابة التي ينتقدها. إنك ملزم ببرهنة ما ذهبت إليه، ومن داخل نصوص وكتابة "الزبير" التي تنتقص منها. وهي الكتابة التي لزمت الموضوعية في النقد والمعالجة، وإن كان موضوعها: "الرئيس" لا بشخصه، لكن بوظيفته، بل وظائفه التي تترامى بذاتها، وتترامى بظلها، لتطغى على مختلف أوجه حياتنا. بما في ذلك الأدب..!! لست هنا بصدد شرح ماهية كتابة نبيلة الزبير! بل أنت المضطر لأن تقدم قراءة، تبرهن لنا، هذا "الحكم" الذي وصلت إليه. وثق أنني سأصغي إليك، وإذا ثبت ما ذهبت إليه، فسأتوقف فورا عن مثل هذه الكتابة المخجلة، وسأعبر عن خجلي، على الأقل لأنني لم أكن بذكاء، وبالتالي بترف الذين يكتبون الهجاء والمديح. فيأمنون ضد الهزات والأعاصير المالية. برهن لي، ومن داخل كتابتي المنتقدة من قبلك، هذه الوصمة المخجلة! ما لم اسمح لي يا صديقي؛ عدالتك التي تنتصر بها للزميلة "المتوكلـ" مشكوك بها.! وما فعلته، والغريب أنك فعلته تحت عنوان: الضمير، يستوجب التوقف والسؤال: لمن كنت تنتقم؟ هل للمتوكل فعلا؟ وهل يعد انتصارا لها أن تنتقص من زملاء وزميلات لها، ولك، منهم؛ من لم يمسها، أو يمسسك بسوء..!؟ وسواء كنت تنتصر أم تنتقم، إلا أن السؤال الحري هو: ممن؟!!
أخاف عليك يا صديقي، ما دمت صاحب ضمير يصحو، من احتمال أن يصحو ضميرك، إزاء هذه التي بجرة قلم، وصمتها بالهجاءة/ المداحة!! أخاف عليك، إن عرفتَ، ما الذي تكابده، لأجل كلمة حرة تكتبها، يتأكد لك: أن ضميرك ميت منذ زمن، ميت تأخر دفنه..!
(2)
وما دمت بصدد مقالك، فلأواصل النقد الموضوعي كما ترى في الجزء الثاني من نفس المقال، اعتذرت لوزير الثقافة، بخصوص البيان الذي وقعت عليه، بمعية زملاء آخرين في الساحة الإبداعية. اسمح لي: ضميرك حين يصحو يفعل أشياء عجيبة!:
أولا: أدنت، ومرة أخرى، زملاءك في البيان، والبيانَ، بأنه كان " تخندقاً مع وزير سابق تم ترحيله إلى مجلس الشورى" أنت "تخندقت" وعارف حالك، فما ذنب الآخرين، تدين نواياهم، وتشكك في جهدهم، وحقهم الديمقراطي والسلمي في الاحتجاج على وضع، كلنا ينال منا ضرره!
ثانيا: أنت تسمي حقوق المبدعين والكتاب، التي أؤتمن عليها، وعلى إدارتها، كل من وزارة الثقافة، وصندوق التراث وتنمية الثقافة (أو كما يسمونه) تسميها ""كرم" وزير سابق، يوزع الهبات من صندوق التراث وميزانية الوزارة"، وهنا كان عليك أن تنوه بأنه استحقاق ينبغي أن يُقر به للمبدعين/ات، ثم تعترض على شكل التمكين منه، ومدى هذا التمكين، أي تعترض على غياب لائحة تنفيذية تنظمه. أهمية هذه اللائحة، أنها تحفظ للمبدع كرامته، ولا تجعله عرضة لمزاج الكرماء، والبخلاء في آن.
ثالثا: واصلت نفس آلية التمترس، أو التخندق كما أسميته في مقالك، في الكتابة مع أحد، ضد أحد.. وهكذا أسأت للوزير السابق في الموضوع الذي ينبغي، مع التحفظ على الآلية، أن يحسب له، وليس عليه: يكفي أنه الوزير الوحيد من بين وزراء الثقافة أجمعين، الذي أشرع أبواب الوزارة للأدباء والفنانين، خاصة الشباب، وعني برفد، وتجديد المشهد الإبداعي، عبر التنقيب عما أمكن من مواهب صاعدة أو مغمورة ودعم تجربتها؛ بأن أقام لها فعاليات، وبشراء بعض نتاجها. أقول هذا على سبيل الأمانة، على أن لي تحفظات كثيرة على شكل أدائه، خاصة ما يتعلق بالإدارة.
رابعا: ربما كنت منصفا للوزير الحالي، بتبرير عدم إنجازه أي شيء ملموس، بسبب أنه لم يمر به وقت يذكر..! لكن كيف تغاضيت عما "ينجزه" في المقابل، ويضر بالمبدعين واستحقاقاتهم، من ذلك:
1 - إنه ينتقص من دور المبدع، في تمثيل اليمن إبداعياً، في الخارج، ويشترط كي "يهبه" بدل التمثيل، أن يكون موظفاً في وزارته..! ما هذا "الإنجاز" الذي لا يعترف بالمبدع، ولا بتمثيله بلاده، إلا إذا كان موظفاً في وزارة الثقافة؟ بالذات الذي ليس لديه "جهة عملـ" تلزم بتغطية بدل تمثيله، فإن وزارة الثقافة هي المسؤولة عن تمكين هذا المبدع من هذا الاستحقاق، سواء من ميزانيتها أم من الصندوق الذي يضخ فيه الناس من قوتهم يومياً. وهي المسؤولية التي أقرت بها اليمن عند توقيعها لأكثر من اتفاقية من اتفاقيات منظمة "اليونسكو"، خاصة اتفاقية "التنوع الثقافي" التي حرصت على حقوق "الآخر المختلف" الذي قد يتنافى نتاجه الفكري، مع مطامح، وتجاوز السلطات الحاكمة، والمتنفذين، وصناع القرار. فهي اتفاقية تقر بهذا الآخر، وبالأقليات أية كانت مسميات شرائحها؛ إقرارا بالهوية، ودفاعا عن التعدد، ودفعا بالتنوع الثقافي.. اتفاقيات عنيت بالإبداع، بالمجتمعي ككل، وبالإنساني، أيا كان مكان إنتاجه، وموقع منتجه. حتى وإن كان هذا المنتج المبدع، كما يوصّفه الوزير، ياللعجب: غير موظف. أحرى بهذا التوصيف أن يجعله، أكثر استحقاقا، فهو الذي لن يقوى بمفرده، وبدخله الشخصي "المعدوم" على الإنفاق على مشروعه الإبداعي، وينبغي الاعتراف به، وبمشروعه، كجزء لا يتجزأ من الإنتاج الثقافي الوطني، في المحلي وفي الخارج.!!
2 - إنه، وفي أحايين كثيرة، معلن بعضها، ومصمت البعض الآخر، يقوم بنفسه بمثل هذا التمثيل للخارج بمعية ثلة من موظفيه، كما حدث، شهر شباط/ فبراير، في فعالية تمثيل ثقافي وإبداعي يمنية في الدوحة.
3 - ومؤخرا، في فعالية الأسبوع الثقافي اليمني في السعودية، تم حشد ما يزيد عن "220" مشاركاً/ة، فلا تدري ما هي آلية الاختيار، ولماذا، ما دامت الفعالية، تحتمل حشدا بهذه السعة، لماذا استبعدت أسماء، لم يعد من المقبول، ولا المعقول نكرانها..! والأهم في هذا كله؛ أنه وفي هذا العدد الهائل، كان ما يزيد عن (70%) من المشاركين من هم من موظفي الوزارة، ومنهم ما لا صلة له بالإبداع! أسألك هل ما أسميته "كرم الوزير السابق" مع المبدعين، هل كان تبديدا، بينما كرم هذا الوزير مع موظفيه، على حساب المبدعين، هو إنجاز ثقافي!؟
خامسا، وأخيرا: كان من حقك أن تعتذر لمن تشاء، وتهجو من تشاء، أو كما جاء في مقالك: "أجدني أعتذر لوزير الثقافة أبو بكر المفلحي على توقيعي لبيان لا أعرف حتى هذه اللحظة تفسيراً حقيقياً له سوى أنه بكاء على "كرم" وزير سابق، يوزع الهبات من صندوق التراث وميزانية الوزارة، على ثلة من المريدين!!!،"، هذه الجملة الأخيرة بتوصيف: " المريدين"، كان ينبغي أن تقف عليها بكثير من التردد، كي تكون عادلا، ينتصر للقضايا. لقد كان في أولئك الذين نالوا بعض استحقاقهم، عبر هذا الوزير "السابق"، من كان على حد نقيض، وربما خلاف معه..! لم يكونوا "مريدين"!! ما لها حقوقك في التعبير، تتعارض مع اعتبار الآخرين، واحترامهم..!؟
وختاما، إنه حقنا الذي ينبغي ألا تحول بيننا وبينه وزارة، ولا حتى حكومة بأسرها. والذي من أجله كان ينبغي أن "تدبج" البيانات، وتصعد، كأية قضية استحقاق عادلة.. لكن ما الذي أقوله أمام هذا الوضع المزري، الذي فيه، نمرر بيانات تؤدي بشعب إلى الهاوية، بينما؛ بيان ربما كان الأول من نوعه، لصالح الأدب والأدباء، هنالك من يتراجع عنه، كأنه فضيحة..!
nabilah_zMail