حضر حميد الجشوبي 16 جلسة محاكمة ممدداً على السرير، وقبل شهر استعان بالعصا وأخذ يقفز على رجله الوحيدة فسقط وانكسرت من أسفل الركبة

حضر حميد الجشوبي 16 جلسة محاكمة ممدداً على السرير، وقبل شهر استعان بالعصا وأخذ يقفز على رجله الوحيدة فسقط وانكسرت من أسفل الركبة

يقترب نزيل السجن المركزي في إب، حميد يحيى فاضل الجشوبي، من الموت خطوة خطوة، برجل بُترت وأخرى مكسورة. هو أيضاً يعاني من «غرغرينا» اسفل الكعب في قدمه الباقية بسبب ارتفاع الضغط والسكري.
أكدت كل التقارير الطبية أن هذا السجين البالغ من العمر 75 عاماً، في حالة صحية سيئة، ويحتاج الى رعاية ورقود داخل المستشفى. وفي آخر تقرير من مستشفى الثورة العام في إب بتاريخ 11 فبراير الفائت، فإن الحالة تستوجب الرقود «وإشراف طبيب الباطنية وجراحة العظام ومراقبة حالته المرضية المستمرة وكما يحتاج الى عناية خاصة»، وفقاً للتقرير الطبي الممهور ب 3 توقيعات وختم رسمي (توقيع الطبيب المعالج عبدالكريم منصر، ورئيس الأطباء الدكتور طاهر عوض الحضرمي، ومدير عام المستشفى الدكتور علي أحمد قعشة).
حميد الجشوبي مسجون في قضية قتل حدثت قبل 28 سنة، ويمضي في سجن إب ما يقرب من سنتين ونصف برفقة أحد إبنيه محمد، وخالد، اللذين يتناوبون نهاراً على خدمته وتنظيفه في السجن، إذ بترت رجله اليسرى قبل 4 سنوات.
يوم أمس وصل ولده محمد الى مكتب الصحيفة وقال إن حالة أبيه بالغة السوء. وأخذ ينثر من ملفه الضخم عدة تقارير طبية تؤكد ذلك. وحمَّل كل الجهات المعنية بسجنه، من إدارة السجن الى نيابة إب ومحكمتي النادرة والاستئناف، المسؤولية القانونية والإنسانية «إذا حصل ومات أبي داخل السجن» وقال إن ما يحدث لأبيه المريض نوع من التعذيب، «وهناك أطراف تريده أن يموت بهذه الصورة داخل السجن». وقال إن النيابة ومحكمتي النادرة والاستئناف ومدير السجن اطلعوا على تقارير الأطباء المستعجلة وعملوا بخلافها. مؤكداً:« كل هؤلاء يعرفون حالته جيداً، ويعرف رئيس محكمة النادرة أن أبي لا يحضر جلسات المحاكمة إلا محمولاً على السرير».
قبل أزيد من شهر حاول حميد أن يتجاسر ويخرج الى صلاة العصر في صرح السجن مستعيناً بعصاه وقفزاً على رجله الوحيدة، وقبل أن يبلغ الصرح الدافئ خانته العصا والتوت رجله فسقط وكسرت من اسفل الركبة. إنها الآن متورمة من الفخذ حتى القدم.
دخل حميد في غيبوبة وأسعف الى مستشفى الثورة العام في إب. ويقول محمد إن الأطباء قرروا دخوله العناية الخاصة، لكن مدير السجن رفض وأعاده عساكر الحراسة الى السجن ليل ذلك اليوم. وطبقاً لأقواله فإن والده يصيح طوال الليل من الألم ويبكي ولا يترك عيناً تنام.
وكانت جمعية الهلال الأحمر وجهت رسالتين، في 15 فبراير، الى رئيس نيابة محافظة إب ورئيس محكمة النادرة وطالبتهما بإرسال السجين حميد يحيى الجشوبي الى المستشفى للرقود بمرافقة عسكرية، كون حالته المرضية صعبة. لافتة النظر الى التقارير الطبية المرفقة والى نصوص القانون الدولي الخاص بنزلاء السجون والمعاقين، ولكن لم تجد.
ووصل محمد الى "النداء" وهو في وضع نفسي ومادي متدهور. وقال إنه أتى لتوه من مستشفى السبعين، حيث يرقد أيضاً ابنه الوحيد هناك منذ أيام، وأن خسارته وأخيه في قضية أبيهم مع أخوالهما فاقت المعقول «ما يقرب من 5 مليون علاج وشريعة».ثم اخذ يصف بصوت متقطع معاناتهم، هو واخيه خالد وأختهما، منذ مطلع الثمانينيات. لقد نشأوا أيتاماً بعد مقتل أمهم وأبيها عام 81. أما أبيهم المتهم فقد شرد جنوباً اذ كان ولايزال يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية دائمة.
سنة الفجيعة، وفيما كانت حرب المناطق الوسطى تدور على رؤوس الناس في ناحية النادررة، دخل حميد حدود «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» هارباً، فالتقط كجاسوس للشمال وزج به في سجن دمت وبعدها الى سجن الضالع، ثم نقل من هناك بطلب من قيادة الجبهة الى سجن المنصورة في عدن. وتفيد التقارير الطبية حينها بأن الرجل خضع لعلاج من مرض نفسي ومن مرض الربو «وتمدد في المستشفى المركزي بعدن أكثر من مرة وكان يعاني من القلق النفسي الشديد وكان يعاني أيضاً من تشنج عصبي وخلل عقلي، ومايزال»، وفقاً لتقرير صادر من العيادات الداخلية بسجن المنصورة المركزي بتاريخ 29 مارس 1988. التقرير مرفوع من الاخصائي النفساني في قسم البحوث النفسية وممهور بتوقيع مسؤول العيادات الداخلية في السجن، الملازم ثان محمد علي عبدالله.
أمضى حميد يحيى فاضل الجشوبي متنقلاً بين ثلاثة سجون جنوبية من عام 81 حتى 86، وأفرج عنه بسبب حالته النفسية والعقلية، فيما بقي أولاده الثلاثة في كنف عمهم يتجرعون غصص يُتمهم «ما رجع لنا إلا سنة الوحدة، وقدنا احنا كبار». وأضاف والقهر يكبده:« لكن ما نسوي؟! أب مريض وحالته حالة وأنا فلت الدراسة ورحت اعالجه من مكان الى مكان». وكانت محكمة النادرة الابتدائية اصدرت حكمها غيابياً سنة 86 وقضى منطوقه بحبس حميد (الفار من وجه العدالة) لمدة 3 سنوات عند إلقاء القبض عليه.اضافة الى ذلك تدفيعه ديتين (دية مغلظة).
وحسب أقوال محمد فإن أخواله كانوا مغتربين في الخارج، وأنه وأخيه وأخته كانوا على علاقة طيبة مع أخوالهم طوال التسعينيات؛« لكن الناس حرضوهم علينا وفتحوا باب القضية من جديد».
وأضاف أن وساطات قبلية ومشيخية كبيرة تدخلت للصلح القبلي وباءت جميعها بالفشل؛ «كنا نتفق وبعدا يختلفوا علينا من جديد بسبب المحرضين». وتخضع القضية مجدداً للمحاكمة في محكمة مديرية النادرة. وقال محمد ان والده حضر الى الآن اكثر من 16 جلسة وأن القاضي طرده من القاعة مرة وهو محمول على السرير.
ويشتكي عبر «النداء» الى القاضي عصام السماوي رئيس مجلس القضاء الأعلى، تصرفات القاضي محمد العامري رئيس محكمة النادرة تجاههم قائلاً: «لقد طردني 3 مرات وطرد أبي مرة وطرد محاميه».
وخاطب القاضي عصام قائلاً: «إنه يتعامل معنا بقسوة غريبة، ويرفض كل طلباتنا، في حين يسجل للطرف الآخر كل ما يقولوه». ووصف محمد حميد الجشوبي محاكمة أبيه بأنها غير شرعية، وإنها تجرى فقط لإبطال الحكم الصادر عنها عام 89 والذي صدر برئاسة القاضي العلامة عبدالله علي بن علي الجمرة.
ويتهم أبناء السجين حميد الجشوبي أناساً معينين بالتحريض واذكاء نار الثأر بينه وأعمامه من جهة وبين أخواله من جهة ثانية. وقال محمد والبكاء يخنقه:« احنا الخسرانين أنا وأخوتي.. خسرنا أمنا وجدَّنا، وذلحين يشتوا يلحقوا أبونا وهو في هذي الحالة»، واصفاً اباه في وضعه المرضي هذابأنه قد أصبح «معدوم أصلاً».
ووجه صرخة استغاثة ومناشدة الى رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام، وكل المنظمات الإنسانية والحقوقية والرأي العام:« التدخل العاجل لانقاذ حياة والدنا المريض داخل السجن». مبدياً التزامه الكامل بإحضاره للمحاكمة عند كل جلسة، «المهم يبقى أبي تحت نظر الأطباء, وبمعية الحراسة المشددة».
 
 
***
 
 
... وفي صنعاء مقاول مشلول حصل على حكم اعسار قبل 4 أشهر وجلطتين في الدماغ ولم يطلقوه
ما تبقى من عبدالباسط الأديمي

تعاود صحيفة «النداء» للمرة الرابعة الكتابة عن المقاول الشهير عبدالباسط الأديمي الذي لا يزال يتعذب داخل السجن المركزي منذ 7 سنوات.
في حالة الأديمي يبدو السجن وادياً من جهنم. إنه مشلول ويصارع ورماً في دماغه. في 5 نوفمبر زارته الصحيفة إلى مستوصف السجن وهو يتماثل للشفاء من جلطة ثانية شلت جنبه الأيمن. قال لـ«النداء» حينها من على السرير، بصوت خافت لكنه واثق: «سأخرج بعد أيام». كان يقول ذلك وعينه على حكم الإعسار الذي لم يتبق من إجراءاته، حينها، سوى النطق بالحكم، ليس إلا.
لم يكن يعرف، وهو المصاب بجلطة دماغية، أنه سيقضي شتاءً قارساً داخل السجن.
مطلع هذا الأسبوع لخَّص الأديمي حالته في صفحة واحدة وأرسلها إلى الصحيفة. قال إنه حصل على حكم إعسار في 15 نوفمبر 2007 (أي بعد الزيارة ب 10 أيام)، ولم يفرج عنه. شاكياً إصرار النيابة العامة على إحضار الضمين الحضوري كشرط للإفراج، «وللأسف الشديد أنا لا أستطيع إحضار ذلك حيث وكل من أعرفه لم يعد يذكرني، حتى أسرتي وإخواني وأعمامي».
وأضاف يشكو من معاريفه وأقاربه، وهو المقاول الذي نفذ مشروع حديقة الحيوان في تعز: «لقد تركوني.. أهملوني وتجاهلوا قضيتي وأبدوا المبررات غير المقبولة رغم أن موضوع الضمانة المطلوبة ليس عليها أي التزامات مالية سوى إحضاري عند الطلب».
وعن حالته المرضية قال إنها صعبة جداً «وفي تدهور مستمر وسريع بسبب إرتفاع الضغط والإحباط النفسي». وقال إن النيابة العامة لم تلتفت إلى التقارير الطبية التي تصف حالته وتؤكد خطورة مرضه.
واستغرب عبدالباسط الأديمي تخاذل الأهل والأقارب وأبناء منطقة «أديم والأصابح»، وتساءل عن سبب عدم جدوى رسائله إليهم واستغاثاته بهم: «هل ماتت فيهم معاني الرحمة ورابطة الدم والقبيلة؟!»، مستثنياً عمار الأصبحي الذي «وقف معي في محنتي ولا يزال».
 ويقضي الأديمي 7 سنوات في السجن المركزي بصنعاء في دين جراء خسائر فادحة تكبدها قبل 8 سنوات وأطاحت به كمقاول كبير. وكان الرجل حكم بسنتين في الحق العام، لكنه الآن يسير في السابعة، وتبدو حالته الصحية معقدة، إن لم تكن الحالة الأصعب داخل السجن. إذ أسعف أكثر من مرة إلى مستشفى الثورة العام ورُقِّد شهوراً في مستوصف السجن.
والأديمي أحد أبرز موكلي هيئة الدفاع (الدفعة الأولى)، وأحد التجار المركومين في السجن المركزي، الذين يربون على ال100 تاجر.
وكانت «النداء» كتبت عنه في أكثر من عدد، منذ عددها 76 في رمضان (أكتوبر) قبل الفائت، إضافة إلى ما كتبه عنه الزميل عبدالكريم الخيواني إثر خروج الأخير من السجن المرة الأخيرة. كما كتب عنه عمار الأصبحي، ولكن لم تول الجهات القضائية اهتماماً بهذه القضية.
في زيارتها الأخيرة للسجن، لاحظته «النداء» وهو يتمشى بصعوبة في طارود المستوصف، ويده بالكاد يرفعها إلى صدره.
كان عبدالباسط الأديمي مقاولاً شهيراً في تعز وذائع الصيت في «الأصابيح وأديم»، لكن الأقدار عصفت به وبرأس ماله الضخم الى عالم آخر. لقد وجد نفسه فجأة في حالة إفلاس تام، مديناً بملايين الريالات ومركوناً بين مئات مثله داخل السجن المركزي بصنعاء. ومن رسالته يتضح أن الرجل الذي أطيح به وجد نفسه وحيداً يصارع المرض بجسم نحيل ويد ورجل مشلولتين. لم يعد له زوار ولا محبون، وهو الرجل الثري الذي كان. لقد عجز عبدالباسط حتى عن توفير الضمانة الحضورية لإنقاذ ما تبقى من حياته بعد 7 سنوات في قسم التوبة.
وحسب عديد سجناء أفرج عنهم فإن الأديمي يعيش حالة إحباط شديدة، حد أنه صار فاقداً ومنزوع الأمل، وتشهد حالته الصحية تدهوراً مخيفاً داخل السجن جراء هذه الظروف النفسية والصحية التي يعيشها.
الصحيفة ترجو من القاضي عصام السماوي رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام، التدخل السريع للإفراج عن الرجل حتى لا يموت في السجن، لاسيما وحالته مع المرض تتدهور يوماً تلو يوم.