ضحايا الابتزاز - محمد الخباري

ضحايا الابتزاز - محمد الخباري

قبل أسبوعين نشرت المؤسسة الاقتصادية إعلانا نبهت فيه الصحف إلى أنها لن تدفع أية مبالغ مالية نظير إعلانات نشرت بدون موافقة مسبقة منها. الإعلان بقدر غرابته، لدى بلدان غير اليمن، فإنه يعكس مأساة الوضع الذي تعيشه الصحافة في البلاد.
لا تكمن المشكلة في أن هناك صحفا تتعمد ابتزاز الجهات الحكومية والتجار, ولا في أن هناك دخلاء على هذه المهنة وغياب الإدارة الصحفية المحترمة؛ ولكن الأمرين معا، إلى جانب أن الأوضاع الاقتصادية قد أوجدت عددا من محترفي البحث عن بدل مواصلات في الندوات والمؤتمرات التي تنظمها الجهات, وأدت الاستجابة السريعة للابتزاز إلى فتح شهية المتطلعين للثراء السريع.
في بلد الفساد فيه يتواجد في كل ركن من أركان المؤسسات العامة، والنجاح في الأعمال التجارية مرتبط بفساد الإدارة وغياب المساءلة، يصبح من السهل تبرير انتشار الابتزاز في الأوساط الصحفية, والطمع في كرم المسؤولين, والتهافت على الدعوات الخارجية، خصوصا إذا كانت إلى بلد من الجوار الخليجي الذي يجيد معنى الاستضافة العربية, لأن النجاح يقاس بنوع السيارة التي يقتنيها الصحفي أو البيت الذي استطاع امتلاكه, وقدرته على استعراض أسماء المسؤولين والتجار الذين يمر على "مقايلهم".
لو لم تكن الجهات الحكومية متورطة في الفساد ما سهل ابتزازها. ولو أن المؤسسات التجارية تعمل وفقا للقوانين لما تم التعريض بها بسهولة إذا لم تدفع مقابل السكوت أو توقع عقدا للإعلان. ولو وجدت إدارة صحفية محترمة ما خلط الصحفي بين العمل التحريري والعمل التجاري. ولو أن ضحايا الابتزاز قد تعاملوا وفق معايير تجارية بحتة فيما يخص الإعلانات عن منتجاتهم لتمكنت الصحف الجادة من التفوق والاستمرار.
في اليمن وحده تجد أن أسوأ الصحف هي التي تمتلك الإمكانات المالية, وتجد أن القطاع التجاري والحكومي يتسابقان على إغداق هذه الصحف بالإعلانات, وتجد أن القليل من الشركات العالمية تنشر إعلانات منتجاتها في الصحف الناطقة باللغة الانجليزية في بلد غالبية مطلقة من سكانه يتحدثون العربية ونسبة الأمية فيه تقارب السبعين في المائة, مع أن المعايير الترويجية لا تتوافق وهذا التوجه.
مشكلة الصحافة في اليمن تبدأ في الأساس باستمرار الهيمنة على المؤسسات الإعلامية العامة التي يفترض أنها ملك لدافعي الضرائب, لأنها ستمثل الرافعة الحقيقية لتطور العمل الإعلامي, وهي مرتبطة أيضا بعزوف رؤوس الأموال عن الاستثمار في هذا القطاع, لأنه لا يقدم الربح السريع, ويحمل رسالة إنسانية لا يجد الكثير من التجار مكانا لها في سجلات حساباتهم التي تتنظر أن تكسب أضعاف السيارة التي تهديها لهذا المسؤول أو ذاك, أو تلك الاستضافة التي تحصل عليها عائلة مسؤول ما في رحلة استجمام إلى إحدى العواصم العربية أو الأوروبية.
malghobariMail