شم الجناة بخورها فاستيقظت شهية الفيد في دواخلهم.. اقتحموا حجرة الملكة وهتكوا عرض التاريخ

شم الجناة بخورها فاستيقظت شهية الفيد في دواخلهم.. اقتحموا حجرة الملكة وهتكوا عرض التاريخ

- إب - إبراهيم البعداني
وصلت الحكومة متأخرة إلى مديرية السدة بمحافظة إب وبعد أن تمكن العبث من تدمير مواقع هامة في محيط حاضرة الدولة الحميرية (مدينة ظفار) لكنها لم تفعل شيئاً سوى التنديد والإستنكار، أما استعادة القطع الأثرية المنهوبة ومعاقبة من دمورا أربعة مواقع هامة في المنطقة، فلم تستطع فعله.
بالأمس أقر مجلس الوزراء إحالة مدير عام مديرية السدة ومدير أمنها ومدير عام الهيئة العامة للآثار بمحافظة إب إلى التحقيق بسبب عملية النهب التي تعرضت له المناطق الأثرية الأربع: العصيبية، والشاهدة والقطن، وشمر يرعش، القرار جاء في ضوء تقرير أعدته لجنة حكومية رأسها وزير التربية والتعليم، زارت المواقع قبل أيام ونص أيضاً على إقالة من يثبت تورطه في هذا الفعل التخريبي أو قصر في أداء واجباته.
ومع اقرار المجلس تسوير المواقع الأربعة التي تعرضت للنهب والتدمير وإبقاء الحراسة الأمنية عليها بصورة دائمة، لم يشر إلى الاجراءات التي يجب عليه اتخاذها لاستعادة القطع المنهوبة، ومعاقبة من قام بذلك الفعل، خصوصاً وأن بعض مشايخ المنطقة متهمون فيها، وقد اكتفت الحكومة بتشكيل لجنة لمراجعة قانون الآثار وتقييم أداء الهيئة العامة للآثار.
الأسبوع الماضي كانت «ظفار» محط أنظار وسائل الاعلام المحلية؛ بعد ورود أنباء عن قيام بعض الأشخاص بنبش أحد المواقع والعثور على تابوت ضخم مليئ بمجوهرات، حيث احتشدت منطقتا وادي عصام وجبل عصام، كل يدعي ملكيته لهذا الكنز. وفي ظل غياب المسؤولية داخل المديرية، والمحافظة على حدٍ سواء؛ فقد أرسلت أربعة أطقم عسكرية لحل النزاع بين المنطقتين وتطوع رئيس الهيئة العامة للآثار، ونفى وجود اكتشاف أثري غير ذاك الذي تم في العام 2000.
الأربعاء الماضي كان يوماً استثنائياً بالنسبة لفريق التنقيب الأثري الذي كان مرابطاً في منطقة وادي عصام بمديرية السدة. ظل الفريق لعدة سنوات مهمكاً في عملية البحث والتنقيب بين الصخور المنتشرة في بطن الوادي، التي دلت عملية التنقيب الأول عن وجود مقبرة ملكية تابعة للدولة الحميرية.
كانت أعمال التنقيب تتم بحذر شديد. ومن خلال إستمرار أعضاء الفريق بالعزف على فرشات التنقيب في تربة المقبرة، استنشق أحدهم رائحة البخور منبعثة من وسط إحدى الحفر الصخرية، مخترقاً الاتربة والصخور التي غطت تلك الحفرة (القبر) كانت الدهشة بادية على عضو الفريق الذي هلل بصوت عالٍ ليلفت إنتباه زملائه الذين زحفوا إليه زحفاً بعد أن عجزت أقدامهم من حملهم إليه بسبب الانهاك والتعب الشديد الذي حل بهم.
تجمع أعضاء الفريق كلهم حول القبر، وظلوا يتابعون زميلهم وهو يقوم بوضع اللمسات الأخيرة على جدران القبر، وينفظ الغبار والاتربة من على القبر.
وبعد دقائق اتضحت معالم القبر لتعلن للفريق أنهم بجوار قبر صاحبة الجلالة ملكة دولة حمير العظيمة -فما كان منهم إلا أن استعادوا قواهم وأستقاموا لتحية المكلة الكانت تغفوا داخل تابوتها الذهبي متزينة بأغلى الحلي النفيسة، وإلى جانبها ممتلكاتها الخاصة من الذهب والاحجار الكريمة والمباخر... الخ.
في هذه الأثناء وبعد انتهاء أعضاء الفريق من تقديم التحية لجلالة الملكة استأذنوها بأن تسمح لهم بتوضيب وتنظيف غرفتها الملكية التي ظلت لآلاف السنين مدفونة تحت الأرض، وحتى تبدو أجمل من ذي قبل بعد أن أصابتها عوامل الطبيعة التي أحدثت فيها بعض التغيرات.
بدأ الفريق الأثري بعملية تحريز وتنظيف التابوت والقطع الأثرية المكتشفة تمهيداً لنقلها إلى المتحف. ولأن عملية التنقيب التحرير في عملية التنقيب تستغرق الكثير من الوقت، قد يصل إلى أيام، كان لابد من تركها في مكانها وعدم نقلها من مكانها حتى يتم الانتهاء نهائياً من أعمال التنقيب والتنظيف. تم تسليم الموقع الأثري المكتشف للأمن الذي وصل بعد معرفته باكتشاف الآثار، وحتى يعود الفريق في اليوم التالي لمواصلة عملية التنقيب.
كان الخبر قد انتشر في المنطقة عن اكتشاف آثار كثيرة؛ مما دفع المئات من الأهالي إلى الإسراع إلى المكان لرؤية الآثار. إلا أن قوات الأمن منعتهم من الاقتراب حماية للآثار من العبث والنهب. كان هناك خمسة أطقم عسكرية مسلحة. وبعد ساعا من وجود العسكر في المنطقة شعروا بالملل من بقائهم هنا في هذه المقبرة في الصقيع والبرد القارس، اعتقدوا أنهم يضيعون وقتهم في هذا المكان.
ربما كانوا جميعاً يريدون الإنصراف وترك الآثار، وربما حدث شجار وخلاف بينهم حول من سينصرف ومن سيبقى لحماية الآثار وحمايتها، وربما توصلوا في النهاية إلى عمل قرعة بينهم لتحديد الطقم الذي سيبقى مع الاثار.
انصرفت الأطقم وبقي طقم واحد من ستة أفراد، كان النعاس يداههم، وفي الجوار كان المئات من «النهابة» يكاد الفضول يقتلهم لمعرفة ماذا يواري ذلك القبر من ثروة.
كانت المفاجأة كبيرة لهم حين وجدوا سيارات الحراسة تغادر المكان تاركة طقماً واحداً فقط.
كانت الساعات حرجة جداً بالنسبة لبقايا الأمن التي تعرضت لهجوم مباغت من قبل الأهالي.
لم تكن معركة متكافئة، حينها فضل العسكر النجاة بأرواحهم فليس من المعقول في عرفهم أن يقاتلوا من أجل «شوية حجار» فتركوا للناس أمر الموقع.
هجموا على القبر، فتحو التابوت: يا الله ماهذي إلا ثروة، ذهب، مجوهرات، مد إيدك عاوني نخرج هذي الجنية (الملكة) من الصندوق الله أكبر عليها كم لبسة من ذهب.
تحولوا إلى ذئاب مفترسة وهم يقتحمون غرفة الملكة. سرقوا كل شيء إلا التابوت.. كان كبيراً وثقيلاً لم يستطيعوا حمله فحطموه، استكثروا تركه سليماً.
الفرحة باكتشاف جزء كبير من حضارة الدولة الحميرية لم تدم سوى ساعات معدودة بعد الكارثة التي حلت بالموقع الأثري، استيقظت السلطة المحلية من سباتها وأقبلت مهرولة إلى المكان ومعها العشرات من كبار مسؤولي الدولة كلهم تجمعوا في الموقع الاثري المنهوب لإلقاء النظرة الأخيرة.
خالد العنسي مدير عام مكتب الآثار بإب، أظهر قدراً كبيراً من الأسى والحزن أثناء لقائه وسائل الأعلام المحلية وقال: «إن هذه المواقع تعرضت للسرقة والنهب منذ سنوات». مؤكداً أن هذا الموقع يعد من أهم وأغنى المواقع الأثرية المكتشفة من قبل البعثة الأمريكية سنة 98. لأنها مرتبطة أرتباطاً جذرياً بمنطقة ظفار التاريخية.
العنسي أشار إلى أن مكتب الآثار كان مناوباً باستمرار في النيابة من خلال البلاغات الكثيرة التي قدمها عن تعرض الآثار للنهب. ولكنه لم يتم التحرك بجد وإلقاء القبض على الجناة.
أغلب أفراد الحراسة الأمنية كانوا قد غادروا الموقع قبلها بلحظات دون مبرر معلوم. ليحل الجناة محلهم، وليقترفوا جريمتهم التي أكد آثاريون أنها أفقدت اليمن فرصة كشف حلقة مفقودة من تاريخها القديم.