العميد حسن البيشي - نائب رئيس مجلس جمعيات المتقاعدين: إذا لم تحقق السلطة مطالبنا سننتقل إلى العصيان المدني

حوار: فؤاد مسعد ضيف الله - عبد الرقيب الهدياني
فيما تسير الأمور باتجاه التصعيد في المحافظات الجنوبية مع دنو الذكرى ال40 للاستقلال، تشهد محافظة الضالع انعطافة لافتة في الخطاب الاحتجاجي تكرِّس البعد السياسي لدى الحركة المطلبية المزدهرة هناك.
وفيما يلي يعرض واحد من أبرز القيادات الجنوبية أسباب هذا التحول:
>  أعلنتم رفضكم "العودة إلى أحواش المعسكرات"، ما الآلية التي تريدون العودة وفقها؟
- مثلما هو معروف، نريد عودة جيش الجنوب الذي سرح قسراً بقرار سياسي عقب حرب 94 الظالمة، وعودة المتقاعدين الى وحداتهم العسكرية ومناصبهم، وأن تعطى لهم كل الرتب والمستحقات، ويُسكَّنوا وفق مناصبهم، وأن يعوضوا التعويض العادل هم وأسرهم عما لحق بهم خلال 13 سنة مضت. لكن السلطة لم تنصت لهذه المطالب العادلة، وكل ما حصل أنها أصدرت أوامر بالعودة الى معسكر الاستقبال، لا لشيء، وإنما لغرض وضعهم تحت طائلة العقوبات العسكرية من ناحية. ومن ناحية أخرى، انتزاع توقيعات منهم يتعهدون بموجبها بعدم المشاركة في الفعاليات التي هي حق من حقوقهم المكفولة شرعا وقانونا، وهو حق التعبير والاحتجاج سلميا جراء انتهاك حقوقهم. هناك آلاف لم تُحل مشاكلهم، وإنما قاموا بتوزيعهم وكأنهم مجندون (جُدد), وبذلك أُهدرت حقوقهم كضباط قدامى، وبعضهم قادة. ولهذا فقد عاد هؤلاء مرة أخرى الى ساحات الاعتصامات. وكما ترون، فإن السلطة زادت المشكلة تعقيداً، وأعادت إنتاجها من جديد.
>  انتقلتم من المطالب الحقوقية إلى المطالب السياسية، ماذا تريدون بالضبط؟
- القضية سياسية من بدايتها. الوحدة (تمت) بين دولتين، وحدة سياسية، والحرب التي شنتها سلطة صنعاء على الجنوب، جاءت بقرار سياسي، وتسريح الجيش الجنوبي أيضا جاء بقرار سياسي. مشكلتنا سياسية بدرجة أولى، وتتعلق بقضية سياسية كبيرة ناتجة عن وحدة بين دولتين...
>  لكن المطالب التي ترفعونها أنتم هي التي تغيرت من حقوقية الى سياسية؛ كانت تنص على العودة والرتب والمرتبات..
- مطالبنا الحقوقية لم يستجب لها إلى اليوم, ولا زالت السلطة تتخذ ضدنا عقوبات، تعاقبنا كل يوم. مشكلتنا ناتجة عن حرب اتخذت بقرار سياسي، أعقبها تسريحنا، وسياسة ممنهجة استهدفت حقوقنا.
>  نفهم من كلامك أن تأخر المعالجات وعدم التجاوب من قبل السلطة جعلكم ترفعون سقف الخطاب والانتقال الى جذور المشكلة.
- صحيح. وأيضا عدم التزام السلطة أساسا باتفاقيات الوحدة الموقعة بين البلدين، ونكثها بكل الاتفاقيات، ما يعني أنها على استعداد أن تلتف على حقوقنا وتصادرها مرة تلو أخرى. فلقد مارست كل أنواع النهب والمصادرة للأصول والمؤسسات والشركات في الجنوب، وكل البنية التحتية، وما كان في الجنوب تقاسمه شركاء الحرب. ولذلك لاحظنا إصرار السلطة على عدم الوفاء حتى بقراراتها الأخيرة بشأن الذين عادوا من الجنود والضباط؛ هل حلت وزارة الدفاع مشكلتهم بالكامل؟ أعتقد أن ذلك لم يحدث.
>  للجمعيات إطار عمل محدد هو القضايا الحقوقية لمنتسبيها، من أعطاكم الحق في طرح القضايا السياسية التي مجالها الأحزاب السياسية؟
- كما قلت (سابقاً) القضية من أساسها سياسية بامتياز، ولذلك نحن الجنوبيين بما نمتلكه من وعي قانوني وحقوقي، نؤمن أن حل القضايا لا يكون إلا بحل جذري. لن ننجر وراء الحلول الترقيعية والآنية. لابد من إعادة هيكلة للجيش الجنوبي، وفي ضوئها يتم الاستيعاب، لان الحاصل اليوم هو صدور قرارات بالعودة والترقية، ولكن إلى أين؟ عدم وجود هيكلة يعني نذهب إلى أين؟ قوة فائضة. لأن ما يجري اليوم هو استمالة لبعض القادة وقرارات بالعودة دون جدية في إسناد وظائف للعائدين واستيعابهم. كلها حلول ما بين الشخصية او الفردية, وكلها لن تثنينا عن المضي قدما في المطالبة بحقوقنا. ومن هنا، نؤكد أن القضية من أساسها سياسية. هذه العشوائية في المعالجات لم نعرفها نحن في الجنوب؛ فقد كان كل شيء عندنا يسير كالساعة.
>  ستحتفلون يوم الجمعة القادمة بذكرى الاستقلال، ما دلالة ذلك؟
- عدن هي عاصمة الجنوب التاريخية. ومن عدن رحل آخر جندي بريطاني. وفيها رفع علم الاستقلال. نحن دائما نحتفل في عدن, ومن هنا يأتي احتفالنا في عدن لنقول للعالم في هذا اليوم إن لدينا قضية هي القضية الجنوبية. سنحتفل بالمناسبة لأننا من أنجز الاستقلال؛ هذه أوضاعنا، وها نحن نعرضها أمام شعبنا والعالم في هذا اليوم، هذه معاناتنا ومشاكلنا، طردنا من وظائفنا، صودرت حقوقنا وهويتنا ومكتسباتنا. لدينا رسالة واضحة نوجهها للجميع في الذكرى، ها هي المناسبة تمر ونحن في خضم المعاناة, قضيتنا واضحة والسلطة ترفض الاعتراف بها، ونسألهم: مع من توحدوا؟ وكيف تمت الوحدة؟ شركاء الوحدة غير موجودين. سنحتفل بطريقتنا، ونوجه رسالة للعالم بأننا أصحاب قضية لم تُحل حتى اليوم.
>  الرئيس أرسل إليكم عبر لحسون صالح مصلح قاسم، مقترحاً بالعدول عن تنظيم مهرجانكم بعدن منفردين على أن تشاركوا في الاحتفال الذي ستقيمه السلطة، وسوف يعطى لكم الحق في إلقاء خطاب باسمكم في الاحتفال، فلماذا انسحبت أنت من اللقاء الذي حضره لحسون؟
- هم (السلطة) منذ الحرب لم يحتفلوا لا بذكرى الثورة ولا بالاستقلال، وعندما قام الجنوبيون بإحياء هذه المناسبات الوطنية تحركت السلطة. وحتى الاحتفال يحولونه لتلميع أنفسهم وذواتهم، بل يحولون المناسبات الغالية على الجنوبيين الى مآسٍ وكوارث، كما حصل في ردفان. واليوم يستخدمون أبناء الشهداء لإثارة الفتنة بين أبناء الجنوب. لذلك نحن ننصح بأن يحكِّموا المنطق والعقل ويتصرفوا كقادة. سنحتفل بالمناسبة على الطريقة التي نراها نحن، وسنوجه رسالة للعالم حول قضيتنا الجنوبية.
>  كيف تقيمون حركة الشارع معكم؟ هل هناك زخم والتفاف متواصل معكم، أم أن هناك تراجعا؟
- الشارع سبقنا بخطوات كثيرة. ويمكنك القول إننا نفرمل حركة الشارع المتنامية بقوة كبيرة، كونه بلغ مرحلة اليأس، حيث الأزمات والكوارث قد وصلت إلى كل بيت وفرد. القضية اليوم أصبحت تهدد وجودنا ومصيرنا وبقاءنا على هذه الأرض. الشارع كسر حاجز الخوف في مهرجان عدن 7/7 /2007. الشعب الجنوبي واعٍ ويعرف حقوقه جيدا، ويرفض الوحدة المفروضة بالقوة التي تصادر حقوقه ولا توفر له العيش الكريم.
>  كيف تقيمون أداء المعارضة، وخصوصا المشترك، تجاه قضية المتقاعدين؟ أين تلتقون معها وأين تفترقون؟
- المشكلة أن أحزاب المعارضة والسلطة لا تعترف بالقضية الجنوبية. السلطة تكرس الوحدة المعمدة بالدم، وحدة القوة والضم والإلحاق، وحدة مصادرة الحقوق والنهب والسلب، والإخوة في المشترك يؤمنون بالوحدة الأيديولوجية، ويرددون أن الوحدة قدرنا ومصيرنا، وأن الفرع عاد للأصل، واستبدال مفهوم الوحدة اليمنية بالوحدة الوطنية، ويقصدون بذلك (اختزال) ما يحدث اليوم في الشارع الى مجرد تظلمات وشوية مشاكل بين أبناء الوطن الواحد. بينما نؤكد نحن أن وطننا مصادر، السلطة والمعارضة لا يعترفون بقضيتنا الجنوبية وضرورة حلها، وإن اعترفوا لا توجد لديهم حلول عادلة.
>  لكن اللقاء المشترك يعلن دعمه لمطالبكم الحقوقية..
- بصراحة، نحن نحترم كل الإخوة الذين يقفون إلى جانبنا ويدعمون مطالبنا وقضيتنا الجنوبية. نحترمهم ونحن وهم في خندق واحد. لكننا ضد تكريس الإلغاء للشعب الجنوبي. والوحدة بشكلها الموجود اليوم نحن ضحاياها، مع أن الوحدة جزء من القيم التي نحملها، ونؤمن بوحدة الأمة العربية، لكن طموحنا هذا انقلب علينا إحباطا جراء سياسة النظام الذي مارس كل صنوف الأذى ضدنا متدثرا بعباءة الوحدة.
>  في خطابك الأخير باسم مجلس التنسيق بالضالع، طالبت بضرورة استفتاء الشعب الجنوبي على الوحدة، تحت أية صفة أعطيت للمجلس الحق في التحدث باسم الشعب والخوض في قضية كبيرة كهذه؟
- نحن جزء لا يتجزأ من هذا الشعب. نحن مواطنون، ومن حقنا أن نتكلم بحرية، وهذا حق شخصي أولا. وثانيا الذي أعطانا الشرعية هي الجماهير التي تلتف حولنا وتؤيد خطابنا السياسي. الشعب الجنوبي يتمتع بوعي حقوقي، ويؤمن بالوطن الذي يوحدهم. القبيلة لا توحدهم، بل الوطن.
>  كانت الوحدة السلمية 22مايو 90م تمثل سقف مطالبكم التي تطالبون برد الاعتبار لها، هل تجاوزتم ذلك إلى المطالبة بالعودة إلى ما قبل 90؟
- يا عزيزي (نريدهم) أولا أن يعيدونا إلى ما قبل حرب 94، وبعدين يمكن للناس أن يبحثوا في أسس الأزمة. وأذكر أن حلولاً عدة طرحت للخروج من الأزمة كالفيدرالية ووثيقة العهد والاتفاق، لكن السلطة انقلبت على كل ذلك. الوحدة الاندماجية فشلت فشلا ذريعا، ولابد من البحث عن شكل جديد للوحدة مادام الإخوة في الشمال يريدون استمرار الوحدة.
> ما خطواتكم القادمة؟ هل ستكتفون بالمسيرات والمهرجانات، أم أن في جعبتكم خيارات أخرى في المستقبل؟
- سنواصل الاعتصامات. وإذا لم تتحقق أهدافنا ومطالبنا المشروعة، سوف ننتقل إلى شكل آخر من أشكال النضال السلمي حتى نصل إلى العصيان المدني.