واحدية الثورة وواحدية الأحزاب الذكورية

واحدية الثورة وواحدية الأحزاب الذكورية - محمد ناجي احمد

مع اقتراب اليمنيين، كل عام، من «26سبتمبر» يكثر الحديث وبطريقة احتفائية ومطمئنة وأكثر وثوقية بما يسمى «واحدية الثورة»، وهو مصطلح تم اختراعه بعد الوحدة كتعبير يختزل في صياغته النظرية عنفاً يلغي حقيقة التنوع والخصوصية لثورة طال صراعها عبر تاريخ مختلف ومميز مع الاستعمار الانجليزي في مقابل صراع دام قروناً واستمر من القرن السابع عشر وحتى بداية عشرينات القرن المنصرم عندما انسحب الاتراك من شمال اليمن، بما فيها منطقة لحج المتنازع عليها بين الانجليز والاتراك. إذا فنحن أمام تاريخين مختلفين ومميزين لجنوب دخل في صراع مع الانجليز لما يقرب من القرن من الصراع والتثاقف، وقد سبقه صراع مع البرتغاليين، وآخر لشمال استمر في صراعه وتثاقفه مع الاتراك لمدة لا تقل عن ثلاثة قرون من الكر والفر والمقابر الجماعية. هذا التمايز في التاريخ وفي الجغرافيا أدى الى تمايز ثقافي باختلاف ثقافة الخصم في الجنوب عنه في الشمال، فتأتي «ثورة 26 سبتمبر» كحاملة لهذا الموروث الثقافي القروسطي، في مقابل «ثورة 14 اكتوبر» كحاملة لثقافة مدينة تجارية تعتمد على هضم الأعراق في النسيج العدني وعلى الانفتاح قياساً إلى النقاء القحطاني المعزز بالقطعية والخوف من الآخر (الكافر)؛ من هنا يمكن للقارئ أن يستشعر مدى العنف الذي يكتنزه هذا المصطلح «واحدية الثورة» والذي من وجهة نظري يدفع باتجاه شعار «حق تقرير المصير» كنتيجة عنيفه ومقابلة «الواحدية الثورة»، فإذا كانت «الجغرافيا والتاريخ» كثنائية زئبقية قابلة للاستثمار في فترات التواصل أو التقاطع من قبل أصحاب «واحدية الثورة» أو دعاة «حق تقرير المصير» فإن الطريق الوحدوي ليس له من أفق إلا بين الاعتراف بحق وحقيقة التنوع والإيمان بأن الوحدة لا تكون إلا بين المختلفين. فإلغاء التمايز لا يعني سوى السير في هاوية التشظي، فالسياسات الخاطئة منذ 22 مايو1990، والتي بدأت بالتقاسم ثم التنازع ثم التفرد بالحكم لا يمكن معالجتها إلا بالانتقال صوب نظام فدرالي يجعل المحافظ منتخباً من المواطنين ومسؤولاً أمام مجلس نواب محلي له الحق في سحب الثقة عنه. بدون هذا النهج والذي ينسجم مع التنوع، لا يمكن معالجة الاختلالات السياسية وتراكم الفساد والاستحواذ على الارض والعباد والمؤدية بالتأكيد إلى نتائج كارثية أشد وطأة من مشهد حرب 1994.
هناك إجماع لدى اليمنيين بأن الوحدة السياسية في 22 مايو 1990 كانت قفزاً على ما يجب عمله كمضمون يعمل على ترسيخ وتجذير هذه الوحدة. ولهذا كان مقال «علي عبدالرزاق باذيب» بعد الوحدة مباشرة، ناقوس تنبيه لضرورة العمل باتجاه تحويل المشروع الوحدوي إلى واقع يومي نلمس فوائده. فكانت مقالته والتي عنونها بـ«وبعد أن تحقق الأمل يبقى التساؤل ما العمل؟». ولكن الواقع السياسي سار في طريق استثمار الأمل دون الالتفات الى العمل الوحدوي، بل إن التربص بين شركاء الوحدة كان هم السلطة بشكل يومي والذي عبر عنه «البردوني» كاختزال لهذا التوتر بقوله «أي العليين يخصي علي».
إن إعادة إنتاج مشهد حرب 1994 وبشخصيات تتصدر المشهد من جديد وإنْ تبادلت المواقع، فبدلاً من «الجفري» وهو يحارب علي عبدالله صالح في تلفزيون القناة الثانية إبان الحرب «من غرفة الى غرفة الى غرفة الى صالة المنزل الذي يتكلم منه»، حسب تعبير الجفري الصمودي! والذي تجلى أخيراً في موقفه المفارق في الانتخابات الرئاسية السابقة عندما ظهر على شاشة التلفاز متحدثاً عن القائد الضرورة، سنجد هذه المرة «عبدالله سلام الحكيمي» وبصوت عالٍ يشكل مفارقة مع طبيعته الهادئة، وإنْ كانت لغته تعبر عن احتراف للسياسة لا يقل عن احتراف الجفري في قصة حرب 1994.
يمكن لما يعتمل هذه الايام أن يكون مقدمة لتسويات تحافظ على فلسفة الحكم المستمرة منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967، ويمكن التأسيس عليها لبناء دولة المؤسسات ونظام سياسي قائم على فلسفة المواطن الحر والخصوصيات المشكلة للمشهد الوحدوي وليس للواحدية والحذلقة الكلامية في الحديث عن الفروقات التي لا يعيها السياسيون والصحفيون بحسب تعبير «باجمال» في حواره مع صحيفة «الشارع» عن الدوله والنظام والحكومة وهو ما يتناقض مع حديثه عن توجيهات «القائد» لأمور الحياة السياسية، الصغيرة منها والكبيرة. فالواقع اليومي لا يشير إلا إلى الدمج الذي يشمل الثورة وواحدية الظلم وواحدية الدولة والنظام والحكومة في شخص «القائد».
 
 واحدية ذكورة الاحزاب:
لم يكن موقف الاحزاب من حق المرأة في المشاركة السياسية عبر نظام الكوتا مفارقا لطبيعة هذه الاحزاب التي تعيش نزعها الاخير بعد أن طال بها العمر كأيديولوجيات اقتربت في عمرها قرناً من الزمان، فكلها سواء: تيار «الاسلام السياسي»، أو لا القومي» أواليساري الماركسي نشأت مع أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومن طبيعة الحياة والكائنات أنها تنمو ثم تنقرض إن لم تستغل خاصية التحول، لكن الممانعة وعدم الاعتراف بحقائق الزوال والانقراض علامة لهذا الخرف الايديولوجي الذي تم التعبير عنه بمقالة للدكتور محمد عبدالملك المتوكل متوازٍ مع موقف ل محمد المقالح وسلطان العتواني، و عبدالوهاب الآنسي، تحت عنوان «سيداتي آنساتي»، وهي مقالة أضافت إلى مصطلح «الأوثان» لمحمد بن عبدالوهاب و«جاهيلة القرن العشرين» لسيدقطب و محمد قطب، مصطلحي «لقافة جاهلية» و«الثقافة الجاهلية». فهو يطلب من النساء الاستمرار في النضال من أجل نيل الحقوق ودحر «الثقافة الجاهلية» و«لقافة الجاهلية»، أمّا الآن فإن الاحزاب ليست على استعداد لأن تخسر مقعداً نيابياً من أجل قضية خاسرة حسب فحوى مقالته!
إن وصف «المتوكل» للمجتمع بأنه خاضع «لثقافة جاهلية»، ينسحب على الأحزاب التي تنسجم مع هذه «اللقافة» ولا تحرك ساكناً في تغييرها، بل وترى في نظام الكوتا استجداءً. فالمطالب لا تؤخذ بالتمني ولكن غلابا، وعلى المرأة أن تتغلب لوحدها على الاحزاب و«الثقافة الجاهلية» حتى تنال هذا الاستحقاق حسب محتوى كلامه. ويتناقض «المتوكل مع نفسه في سياق وصاياه للمرأة بإثبات الذات وتأكيد القدرة والتفوق والكفاءة والعطاء والبذل وتغيير النظرة السلبية حين يرفض نظام الكوتا لأنه سيأتي للنساء مجاناً وبدون تضحيات وكفاءة وبقرار سياسي. وفي الوقت نفسه يدعو الى اعتماد «نظام القائمة النسبية» على أ «يُفرض على الاحزاب وجودكن في قوائمها»، وهو ما يعنى «الفرض» من خلال القانون!! فكيف يكون نظام «الكوته» استجداءً، وفرض المرأة في نظام «القائمة النسبية» «رفعاً للرؤوس وشموخاً للأنوف»، بحسب تعبيره!!
يُطلب من المرأة النضال الشاق والبعيد المدى، ويطلب منها إثبات الذات والقدرة والكفاءة والتحصيل العلمي العالي، وأن تكون مستوفية لكل المعايير والمواصفات، وكأنها منتج سوف يطرح في سوق استهلاك الذكور، في حين تمارس الأحزاب السياسية الاستجداء في علاقتها بالحاكم ولا تنتهج سياسة إثبات الذات والنضال عبر الشارع، وذكورهم لا يطلب منهم إثبات الذات والقدرة والكفاءة والعطاء والتعليم العالي، بل ويتم منحهم شهادة محو الأمية إن كان المرشح أمياً وشيخاً يرغب في الترشيح للمجالس.
اعتقد أن التدرج التاريخي الذي بدأ به المتوكل مقالته في خط تصاعدي لحقوق المرأة صحيح نسبياً ولكن بطريقة معكوسة؛ فالمرأة في ثلاثينيات القرن العشرين كانت أكثر حضوراً في الحياة العامة والسياسية. وبدأ هذا الحضور في الأفول مع غياب الديمقراطية وسيطرة أنظمة الحكم العسكري لتكون التسعينيات هي أوج هذا الإقصاء للمرأة في ملبسها ووجودها ومشاركتها السياسية. ولعلها الآن بحاجة إلى قرار سياسي يساندها ويعزز من تواجدها، تماماً كما حصلت الأحزاب السياسية الذكورية في بداية التسعينيات على قانون يسمح لها بالعمل العلني وبالمشاركة السياسية. اعتقد أن هذا الطريق أفضل من الوعظ ودعوة المرأة للنضال الذي يجب أن يأخذ مداه!!، فالمجتمع ليس «لقيفاً» وليس «جاهلاً»، هو في كل الاحوال يشكل اتجاهاته وفقاً لما تنتجه النخبة من آراء سياسية وثقافية تترجم إلى مواقف مجتمعية. إنه في الأخير مستهلك، ولا يصح أن يتم أدلجة المجتمع برغباتنا الذكورية ثم نحتكم إليه!!