الأرض في عدن، والتحالف بين السلطة المركزية والمعارضة المحلية في الضالع، مقابل تصعيد في حضرموت، وتساهل "مشتركـ" في شبوة، والخوف الدائم من شمال الشمال.. لجان حكومية تسعى للفصل بين الحقوق والخصوم، يفشلها الخطاب السياسي، وتهدد الإصلاحات الكلية

الأرض في عدن، والتحالف بين السلطة المركزية والمعارضة المحلية في الضالع، مقابل تصعيد في حضرموت، وتساهل "مشتركـ" في شبوة، والخوف الدائم من شمال الشمال.. لجان حكومية تسعى للفصل بين الحقوق والخصوم، يفشلها الخطاب السياسي، وتهدد الإصلاحات الكلية - نبيل الصوفي

أفسدت حادثة الضالع التي أودت بقتيلين، ما أنجزه "التعايش" الوحيد الراهن بين السلطة والمعارضة في اليمن، والذي سببه تولي اللقاء المشترك إدارة المجلس المحلي، وفقا لنتائج الانتخابات.
التعايش كان عزز بإشراف مباشر من قبل رئيس الجمهورية على ملف المحافظة الملتهبة، حيث تولى الأول معالجة ملفات المحتجين الذين قبلوا التظلم، وهم قرابة ألف من أربعة آلاف متقاعد عسكري محسوبين على المحافظة. وتؤكد المصادر أنه بمن فيهم قيادات جمعية المتقاعدين بالمحافظة (عدا واحد) زاروا صنعاء الأسبوع الماضي وتسلموا مستحقاتهم المالية واتفق مع من لا يزال في سن العمل منهم على توزيعه على الوحدات العسكرية بعد إجازة العيد.
السلطة المحلية من جهتها، تكفلت بـ"توفير أجواء اعتيادية" لبقية المحتجين ليمارسوا فيها فعالياتهم من عقد اللقاءات إلى التظاهرات والمسيرات. وحتى فيما يتعلق بقطع الطرقات التي يقوم بها معارضون من خارج الأحزاب في الضالع، فقد اعتمدت السلطة، بأحزابها الحاكمة "الحوار" دائما لفتح الطريق أمام ذوي المصالح التنقل بين المحافظات اليمنية التي تمر بالضالع.
وحينما رفع علم "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" في مديرية الشعيب، فإنه ومقابل التزام دولة المؤتمر الشعبي العام، إبقاء الملف بعيدا عن إجراءات أمنية، فقد أدان المجلس المحلي للمديرية المشار إليها، ومعهم أحزاب المشترك، إدانة للتصرف، مع التأكيد على أنه "تصرف فردي، ومن شخص قد يكون مأزوم نفسيا".
وفيما هدد بيان وزارة الداخلية عن حادثة القتل، هذا التعايش، فقد تمكن اجتماع مطول للمجلس المحلي من تهدئة الخلاف، إذ أعلن إدانة بيان الوزارة، وحل لجنة التحقيق التي شكلها المحافظ وشهدت خلافات حادة بين أعضائها ومنهم أولياء دم القتيلين، مكتفيا بتحويل ملف الحادثة إلى النيابة، متجنبا إدانة مدير أمن المدينة، عبد الخالق شائع، الذي يقول إنه دافع عن نفسه ومكتب الأمن بعد إحراق أفراد لمطعم ورميهم مكتب الأمن بالحجارة، عقب انتهاء تظاهرة سلمية كانت نظمتها جمعية المتقاعدين والعاطلين عن العمل. وترفض قيادات في المجلس المحلي هذه الرواية.
غير أن هذا التعايش لم يتمكن من تجاوز بعض قيادات التجمهرات، والتي هي من خارج الأحزاب وبخاصة الحزب الاشتراكي اليمني، ومن كان منها من الحزب فإنه ضمن تيار إصلاح مسار الوحدة.
خلافا لذلك فإن محافظة حضرموت، التي كانت مسرحا لأول عملية قتل مماثلة، بسبب أعمال الشغب التي قام بها من سماهم اللقاء المشترك هناك بـ"المندسين" في أوساط مناصريه، تعيش ظروفا متوترة بسبب رفض المحافظة إطلاق سراح المعتقلين الذين ينتمون لأحزاب اللقاء المشترك رغم تمييز الأخير نفسه وخطاب قيادات تاريخية لبعض أحزابه كـ"حسن باعوم" الذي يقبع في السجن مع اثنين من أبنائه، والذي يخوض منذ حرب 94 صراعا مع رفاقه في الحزب الذين يتجنبون "إعادة النقاش حول الوحدة" استفادة من "خطأ 94 والتركيز على المطالب الأوسع للمواطنين، بما فيها آثار حرب ذلك العام" وضمن تحالف اللقاء المشترك وليس "ضمن تحالفات مناطقية بعضها ضد الحزب تاريخيا".
حضرموت، وبعد أسبوع من إعلان قيادات المشترك التفكير في "إعادة النشاط إلى المقرات ووسائل الإعلام إذا أطلق سراح المعتقلين"، عادت للتوتر، متجاوزة الشارع السياسي إلى داخل المجلس المحلي. حيث أدان محلي "المكلا" قيام المحافظ بالبت في طلب من وزارة الداخلية بنقل "صلاح هاملـ" عضو محلي المكلا من كتلة التجمع اليمني للإصلاح، إلى صنعاء لمحكمته عسكريا باعتباره رائدا في الأمن وشارك في فعاليات "خارج القانون".
وبسبب ارتباط الاحتجاجات الحضرمية بالنشاط الحزبي للمشترك، وبقضايا حقوقية عامة، خلافا لمحافظتي عدن والضالع، فإن إصرار السلطة المحلية المعينة على محاكمة قرابة عشرين من ناشطي المشترك، قد تمهد لعودة الأحزاب للتظاهر، مما قد يعيد المحافظة إلى "عسكرة شوارع النشاط السياسي"، وهو يهدد بمآس أقلها مزيد من الاعتقالات.
وفيما ميز متقاعدو محافظة أبين فعاليتهم بخطاب أكثر تحديدا مكتفين بـ"الحقوق وفقا لقانون ودستور الجمهورية اليمنية"، فإن تعامل "السلطة" مع نشطاء محافظة "شبوة" التي ينتمي لها ناصر النوبة، المعتقل في عدن، تبدو ناجحة في منع "أي خطابات حادة للاحتجاجات"، حيث تتغاضى الدولة عن فعاليات شبه أسبوعية للمطالبة بذات الحقوق، لربما بسبب الانشغال بمشكلات "قبلية" تسفر يوميا عن مشكلات أمنية لكن غالبها يعالج عبر وسطاء.
تبقى عدن، وهي الأكثر تحديا للسلطة، إذ ورغم أن "نخبة الاحتجاجات، سواء باسم الجنوب أو حقوق المواطنة اليمنية"، تنشط فيها، فإن مشكلات المحافظة الحقيقية يصعب معالجتها سوى بـ"إعادة الاعتبار للمؤسسات الرسمية، المنتخبة والمعينة". ومع بدء فرق فنية وقضائية في إنجاز معالجات تتعلق ب10200 موقع، تضم قطع أراض لأشخاص مدنيين وعسكريين، و140 ألف عقد للجمعيات السكنية المصروفة لموظفي الدولة، وتمليك قرابة 4000 منتفع منازل أجرتها لهم الدولة قبل الوحدة اليمنية، وتمليك 40 ألف مواطن، فإن مواطنيها سينتظرون "انتهاء المعالجات وليس بدايتها"، إذ علمتهم الأحداث منذ وضعت حرب 94 أوزارها أن وعود "الشرعية" ليست "صادقة"، خاصة وهم يسمعون خطابا سياسيا يوميا يتحدث عن "القمع لعدن"، مقابل "الحرية لصنعاء وتعز"، ومن قبل قيادات مختلفة من الإصلاح على الاشتراكي، فضلا عن الأطراف الأكثر والأشمل "تذمرا".
بقيت الإشارة إلى أنه ورغم ما تبذله اللجان الحكومية، هنا أو هناك، فإن استمرار الخطاب السياسي الرسمي، في معاركه مع الانفصال والانفصاليين، يفشل جهود تلك اللجان عن إعادة التحالف بين الإجراءات والمنتفعين منها، خاصة أن الإجراءات لا تزال في بدايتها. وهو أهم أهداف الحيوية الرسمية التي تسعى لفصل الحقوق عن "ذوي التطلعات السياسية"، من خصومها التاريخيين.
وإذ يفصل المواطنين ذوي الحاجات، عن "أركان الانفصالـ"، زمنا وتحالفات، فإن تباطؤ المعالجات، تنمي لديهم المخاوف من أن يكون ذلك الخطاب الرسمي هو كل ما ستقدمه الدولة للمشكلات الراهنة.
إلى جانب ذلك تصطدم الإجراءات الرسمية بـ"مفارقتها منظومة المعالجات" فيما يتعلق بالمشكلات العامة التي تعاني منها عدن على وجه التحديد، وهي إدارة الدولة والعمل المؤسسي. ويذكر هنا أن إعلانات رئاسية من قبيل "التوجيه بصرف مليارين من الاحتياطي"، و"القفز على مراحل واشتراطات استراتيجية الأجور كأحد أركان المشروع الإصلاحي المدعوم دوليا"، وانتهاء بإنهاء تعليق البرلمان لقانون خدمة الدفاع الوطني، مرورا بالجهد الحكومي لإعداد "قانون الوحدة الوطنية"، كل تلك تؤدي إلى إرباكات للدولة التي تحتاج للمعالجات، ويذكر هنا أن أسئلة دولية بدأت ترد اليمن عن برامجها الإصلاحية وأهمها إصلاحات الخدمة العامة وما تتطلبه من معطيات إدارية ومالية في الجهازين المدني والعسكري، كلها تتناقض وكثير مما اتخذ من قرارات "قلقة"، غير منزوعة العلاقة بـ"حسابات تخص تفاعلات شمال الشمالـ"، حيث "عش الدبابير التاريخي". ومخاوف تنتظر نتائج "تصالح غرماء الأمس في جنوب الجنوبـ"، ضمن محاولات جديدة لتحقيق ما أفشله انفجار حرب 94، وهو "إعادة رسم الحكم وفقا لقواعد محمية بالمناطقية".