عدن.. «حسن» المفصول من عمله وأشياء أخرى تقلق الوطن والناس

عدن.. «حسن» المفصول من عمله وأشياء أخرى تقلق الوطن والناس - باسم الشعبي

< كنت في عدن نهاية الأسبوع الماضي, وعلى بعد أمتار من جولة"الشيولات" بمديرية المنصورة. قال لي حافظ أمين من دون اية مقدمات: "حسن فصلوه". حسن من الذي فصلوه؟ "حسن صاحبكم". دار بيننا حوار قصير, تبين بعدها ان حسن الذي فصلوه, كان يعمل في مطابع جامعة عدن منذ سبع سنوات تقريبا, أعرفه جيداً فهو مطبعي ماهر يجيد التعامل بإتقان مع فنون الطباعة المختلفة كعادة أبناء قريته "شعبـ" الذين عرفتهم عدن مطلع الأربعينيات والخمسينيات كعمال مهرة أتقنوا فن "صف الحروف" وإدارة عجلة المطابع لتصبح مهنتهم الأولى, ومازالوا. فضلاً عن ذلك فصاحبنا "حسن" ودود، وهادئ.
حينما يتحدث إليك يضطرك للاقتراب منه لسماع ما يقول, يضع كلماته بلطف في أذنيك, كما هي لطيفة تتسلل إلى فؤادك. إذاًً لماذا فصلوا حسن من عمله بعد كل هذه السنوات التي قضاها عاملاً متعاقداً براتب زهيد لا يتجاوز ال15 ألف ريال، وكان يترقب صدور قرار"بتثبيته" ليحقق حلمه وحلم أسرته الكبيرة والفقيرة في الحصول على وظيفة مع الدولة؟ سؤال في غاية المرارة والاستنكار. لم ألتق حسن, باءت محاولتي بالفشل في التواصل معه, لكن احد أقاربه قال لي إنه يعيش وضعاً صعباً، وأنه نادم على السنوات السبع التي قضاها من عمره عاملاً مجتهداً وملتزماً حالماً بعهد جديد لم يتحقق. أمثال "حسن" كثيرون في عدن يعملون بأجور زهيدة في مؤسسات الدولة المختلفة، كجامعة عدن, والمؤسسة العامة للتجهيزات المدرسية، وغيرها. ضيق الحال وضعف ذات اليد لديهم, وتنامي ظاهرة الاستغلال من جانب مسؤولي هذه المؤسسات كما ألمح إلي بذلك حافظ أمين، ومن قبله عادل ومحمد وإيمان، ينتج عنها "توقيع عقود مفتوحة وعادة مؤقتة لا تتوافر فيها أدنى الشروط الواجبة لحفظ حقوق العاملين". مئات العاملين في مختلف مؤسسات الدولة في عدن يقعون الآن بين سندان الحاجة إلى حياة كريمة وشريفة، ومطرقة الاستغلال الوظيفي والإنساني المتنامي, وفي المقدمة يقف كابوس مثير للقلق والتوجس اسمه"الفصل من الوظيفة" يكاد يحل ضيفاً عليهم في أي لحظة ليحيل حياتهم إلى جحيم كما حدث مع صاحبنا "حسن", المعاشات الشهرية التي يتقاضاها هؤلاء، والمجردة من أية مزايا إضافية بالكاد تتجاوز ال15 ألف ريال، وهناك فئات تحصل على اقل من ذلك. ومثلما هو لا يساوي شيئا عند "حافظ" الموظف منذ عام في جامعة عدن ويعول أسرة مكونة من طفلين وأمهما, ماذا بإمكانه ان يفعل لمحمد صاحب العشرة.
< يستطيع الصحفي أن ينجز عملاً مهماً في زيارة واحدة"لعدن" إذا ما أتقن فن الاستماع إلى الناس, والنظر إلى الأشياء, وإحكام السيطرة على الوقت, والأصعب من ذلك مقاومة الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الملتهبة في قلب جوهرة اليمن (عدن).
< ودعت صنعاء ذات صباح مشمس وفي رأسي خواطري وأفكاري المتحررة إلا من التزام كنت قطعته على نفسي بزيارة بعض المواقع بهدف الكتابة عنها, نزولاً عند طلبات عديدة تلقيتها عبر الهاتف من أصدقاء وقراء. ما يهم الوطن والناس كثير نحتاج للكتابة عنه صفحات وصفحات، وأهم من ذلك آذانا صاغية وهمما عالية عند كل من يملك قراراً بتغيير الأشياء.
< في الطريق إلى المدينة وفي قلبها وشوارعها وأزقتها ومجالسها ومقاهيها وسواحلها... وفي الريف المحيط بها، ما يغري ويحفز للكتابة عنه. الطرقات والمنطقة الحرة والماء والكهرباء والصحة والتعليم والأمن... عناوين مختلفة لهموم وتطلعات تسكن الوطن والناس.
كلام مختصر
في اليوم التالي لوجودي في عدن حدثني زميلي "سمير" انه لم ينم البارحة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجة الحرارة, بدا كما لو كان يريد أخذ قسط راحة. سألته عن صدقية الاحتياطات التي أعلنت عنها إدارة الكهرباء لتفادي الانقطاعات في الصيف، فرد قائلاً: "قرأنا ذلك في الصحف، وشخصياً تواصلت مع بعض المسؤولين في الكهرباء للتأكد من ذلك، فكان أن أكدوا ما قرأناه؛ لكن اللافت للانتباه أن انقطاعات الكهرباء مستمرة". سمير, صحفي نشط يعرف ما يدور في عدن جيداً وفي ذاكرة هاتفه أرقام مسؤولين كثر وشخصيات اجتماعية وسياسية تنتمي لمختلف ألون الطيف السياسي وحتى شخصيات رياضية وفنية, كما هو حال أي صحفي مجتهد ومثابر. غير سمير كثيرون لا يتركون لك فرصة السؤال عن الحال والأحوال؛ إذ سرعان ما يضعون أمامك بعض همومهم وتطلعاتهم، اعتقاداً منهم أن الصحفي بيده الحل والعقد. انه اعتقاد رائع يمنح"المهنة" شرفاً لا بأس به في زمن أغرق فيه المتنطعون"شرف المهنة" في الوحل. "انتم في نعمة؛ إذ إن انقطاع التيار لساعة أو أكثر لا يكلفكم كثيرا من العناء". بهذه الكلمات استهل "عبد القادر" حديثه معي. وأضاف موضحاً مقصده: "الجو في صنعاء نعمة الله, هنا ما تقدرش تتحمل الحرارة دقيقة واحدة". وأردف: "موت! موت لكن مووو نسوي؟!".
الشكوى من الكهرباء متنوعة بتنوع الجغرافيا كما يبدو، فهي إن كانت في عدن تولد بفعل درجة الحرارة المرتفعة في المقام الأول, فإن الظلام والحاجة إلى الاتصال بالعالم الخارجي، تصبح لدي أهالي: كرش, وطور الباحة، وعدد من المناطق الريفية في محافظة لحج، عوامل رئيسة لميلاد الشكوى المتكررة.
وعن أزمة المياه يتحدث إليك البعض مفسحين الطريق أمامك للإحاطة بجوانب الأزمة عن قرب، ثم التقرير عما إذا كانت معاناتهم تلك تستحق النشر في الصحيفة أم لا. الوقت لا يسمح بالمرور على مناطق لحج جميعها، وللتدليل فإن ما هو قائم في طور الباحة وكرش، من معاناة، يكفي للفت انتباه المسؤولين. القرى المعلقة في جبال كاسترو والشيخ اسحاق والخساف... بعدن، حالها لا يسر؛ إذ تعاني هذه المناطق من شحة المياه. ولن أنسى ما قاله لي الحاج صالح العبد، من أن الماء لم يعد يصل إلى منزله في الدور الرابع في حي عبد العزيز عبد الولي بالمنصورة. أزمة. وتحت الأرض مخزون هائل من الماء يذهب هدراً إلى أعماق الأرض وأكثر من ذلك لري مزارع لا يستفيد منها الناس. وعن الأراضي يطرح اهالي قرى طور الباحة تساؤلات عديدة. وعند المشكلة نفسها يقف الناس في كرش والمضاربة وراس العارة وقرى أخرى في لحج وكذا في عدن ولسان حالهم: اين ذهبت أراضينا ومتنفساتنا؟
مساحات واسعة من الأراضي حصل عليها كثيرون تحت غطاء الاستثمار غير انها ظلت الطريق التي كان يؤمل من خلالها الناس تحسن معيشتهم ومعالجة قضية البطالة. محافظ لحج، عبد الوهاب الدرة، حين التقيناه عارضين عليه هموم وشكاوى المواطنين لم ينكر وجود مثل هذا النوع من الاستغلال، غير انه أكد جدية قيادة السلطة المحلية في معالجة هذا الملف. الملفات كثيرة ومن كل نوع، والكتابة عنها تحتاج إلى صفحات لن تطوى أبدا، لذلك يكفي أن نقول: "عدن ولحج بحاجة إلى توجهات حكومية صادقة ليس للاستثمار وبناء المصانع... وإنما لجعل إحساس الإنسان بالدولة يتنامى في المقام الأولـ".
shab