امرأةٌ مبللةٌ بالحنين

أنا المرأةُ المبللةُ بالحنين الذي يندلعُ في الروحٍ ناقمًا على كلِّ الذكريات، قطعةٌ موسيقيةٌ تنهمرُ بشكلٍ مفاجئ، لا يكفي أن تُرهف سمعك أمامها، بل أن تتلوّى ألمًا وعشقًا لتشعر بها. المرأة الشجرة تلك التي تشتبكُ مع الظلال والرياح والصمت، ترفضُ أن تنحني، ترفضُ الموت. تُمرّرُ الذكريات أناملها على جذعي، فتضطرمُ النار وتتناثرُ من وجعٍ قديم كرمادٍ محطوم.
أنا الخطأُ المائل، الطائش، القابع، الهاذي في الكلمات، أُواظب على تسريحها دومًا، وأبعثرها بعيدًا في جهة العاصفة تلك التي تشتد وتتشاسع في العتمة.
أنا المرأةُ القهوة في فنجان الوِحدة. الشوقُ العارم في زمن الغياب. الحب الذي يتصبب في القلب الخطأ؛ فتتفاقم معضلته ويعجزُ عن النبضِ بشكل سليم. يوقعُهُ العشقُ في فخِّ الليل معلنًا العصيان على النوم. ها هو ينهمرُ على مساماتي ويتخللُ عروقي المتشابكة. هو لا يُخطئني رغم كل تحالفاتي مع الثلج ضد النار، لكنّي أسقطُ دومًا خائرة القوى في قلبِ الحرائق التي تشويني على مهل.
أنا المرأةُ الياسمين المخبأ ناحية القلب يتضوُّر عطشًا. ثمة يمامات حزينة تعبرُ سمائي الآن. ثمة بوصلة ما تُرشدها إلى قلبي؛ قلبي تلك المتاهة المشتهاة. تعالي لأسقيكِ من خمر القصيدة صلوات مسكرة. وأنت يا رجل، متى سيطاوعني قلبك العنيد. متى ستشرب بصحتي ولن تُروى. كيف ستجرؤ على ذلك! حين سيكون القدح أهدابي، لن تنجو من العطش أبدًا.
يا يماماتي الحزينة اشربي.. اشربي، لكن لا تدعي الجراح متكدسة في عين الروح المتعبة، بل حُطي على كتفي المنهكة، لعلّ الأرواح في داخلي تهدأ قليلًا، وتكفُّ عن الصراخ والقتال. لقد دمّرتني حروبها التافهة، وبلغ حطامي حدود السماء.
يا رجل الغياب، لقد وضعتك في بذار القصائد، فارسمني قاربًا من الشوق، لتحملني الموجة العارية، ثم هل لي بصلواتك لتنجيني من الطوفان؟
هلّا أتيت من الجهة التي لا وداع فيها؟
هلّا حشدت كل معانيك عند وداع الشمس؛ فذلك الوقت المناسب للهذيانّ؟
قد أنصاع لمسدسي الكتيم، فأقتل به كل حماقاتي القديمة، ثم أرتطم بقبلة منك تكتظُّ فيها الحياة حين يدور الكون في سواده، وآتيه بمصابيح الكلمات لأهبهُ شمسًا تُحررُهُ من ضجرهِ الشديد.
اصعد سفينتي، سأعصمك من المجهول، لا من طوفاني القادم. سأسرقك من الزمن كلما رأيتُ في عينيك تيهًا لا مفتاح لسردابهِ. اهتف باسمي طويلًا. حرّض رودك على قبول ربيعي. تُرى كيف يغدو الصباح معك حقيقيًا إلى هذا الحد؟! حين يتحول القلب إلى بركة ياسمين، وما عدت أعرفُ من أية جهة أبعث العطر إليك..!
إنّني أرمي نصفَ قلبي، وأنظر إليك وأنت تعبرُ النصف الآخر.
ما رأيكَ لو نطيل ظلّينا قليلًا، بل لأمد طويل، طويل جدًا، وأن نعبر الفناء الموحش دون خوف؟
لم يحالفني الحظ هنا.
كنتُ في عزلة مني أخوضُ مذابح القلب الكئيب وحدي، وأسمحُ للغة أن تنتهكني متنقلة بين جرح وآخر..
ثمة مشهد يعاند الحياة منذ قدومك إليها، يعكسُ لونه القرمزي، تصاعد ألوانه وهو يصغي لقلبي باهتمام، علّ هذا القلب يجترئ أن يستحضرك وبقوة. الغلبة الآن للحب، للقلب المتخم بك.. فعلًا لم أحب يومًا تلك الحياة التي مُنحتُها حتى تحتّم التيه الأبدي بين عينيك..!