صنعاء 19C امطار خفيفة

السودان اولاً واخيراً

السودان اولاً واخيراً

تدخل الحرب في السودان اسبوعها الثالث وخطر الحرب في السودان انها تقع في ‏مجتمع فسيفسائي شديد التنوع والتعدد. وتركيبته شديدة التعقيد حد التباين. ‏قابلية التعايش والتسامح فيه اساسية بفضل التنوع والتعدد او امتزاج إثنيات ‏واعراق وعقائد ولغات عديدة.‏

كان الاستقلال عام 1956 سلمياً وكان النفس الديمقراطي الديموقراطي حاضراً ‏وقوياً. ‏

الانقلابات العسكرية منذ انقلاب ابراهيم عبود عام 1958 كان بداية الكارثة. ‏كان الانقلاب متمازج مع المهدية (حزب الامة) الذي شجع الانقلاب، وحزب ‏الامة آت من حركة القائد محمد احمد المهدي الذي قاد ثورة ضد الوجود ‏المصري تحت الوصاية البريطانية كانت حركة دينية شديدة التعصب والغلو. عام ‏‏1886 فهو المهدي المنتظر واتباعه الانصار. كانت مزيجاً من التحرر والهوس ‏الديني وظلت خصومتها مع مصر حاضرة حتى بعد الاستقلال.‏

‏ اتسم طابع الصراع في السودان منذ مؤتمر الخريجين عام 1938 بالصراع بين ‏التقليد والتجديد وبين الحداثة والتحجر، الانقلابات العسكرية منذ عبود مازجت ‏بين حكم الغلبة والقوة وبين تصعيد الحروب ضد الجنوب وخلفت اشكالات أكثر ‏تعقيدًا للصراعات الاثنية والدينية والجهوية. وكان اكثرها خطورة؛ انقلاب النميري ‏‏1967 الذي وضع القوة بديلاً للتداول السلمي للسلطة والعروبة بالمعنى العرقي ‏بديلا للتعدد والتنوع. ‏

عبرت الانقلابات العسكرية في السودان عن الحفاظ على الارث الوبيل من قيم ‏الجمود والتحجر والعنف والاحتكام الى القوة في مواجهة الاخر المختلف. ‏

الصراع بين الانقلابات العسكرية وبين الانتفاضات الشعبية صراع بين الغلبة ‏والقوة، والاحتجاجات السلمية وبين التقليد والجمود والتفتح والحداثة وبين ‏التعصب القومي العرقي والاستعلاء الديني وبين طبيعة السودان العربي والافريقي ‏والزنجي والديني الاسلامي المسيحي والاعتقادات الاخرى المحلية. ‏

الجبهة القومية الاسلامية جمعت وورثت كل المعاني المقيتة منذ المهدي ‏المنتظر (التطرف الديني) ونهج الثورة والعنف والارهاب في الانقلابات العسكرية: ‏عبود النميري والبشير ووارثاه: البرهان ودقلو (حميدتي).‏

الخطر المحدق بالسودان جد خطير فاذا كانت القوة والشوفينية القومية ‏والاستعلاء الديني قد كان لها كبير الاثر في انفصال الجنوب فان حرب الجنرال ‏حميدتي الاتي من الجنجويد صاحب جرائم حرب دارفور وأحد أذرع البشير. ‏والطرف الاساس في حروب اليمن وليبيا والبرهان الذراع الاخر للبشير وهما ‏المسؤولان عن جريمة قتل 120 من المعتصمين امام القيادة العسكرية عام ‏‏2019، والمتشاركان في قتلى الاحتجاجات منذ العام 2003، دارفور والنيل ‏الازرق وكردفان والنوبة وعموم السودان. ‏

التدخل السريع والجيش الملغوم بجماعة الجبهة القومية الاسلامية في ‏الحزبيين الوطني والشعبي هم مشعلو الحرب الحالية والتي تهدد الكيان السوداني. ‏

الانقسام في صف نداء الحرية والتغيير منذ تحالف جماعة الحرية والتغيير ‏‏(المركزي) مع البرهان وحميدتي والقبول ان يكونوا واجهة لحكم العسكر والعودة ‏مجددا للعبة اياها. والتوقيع معهما على (الإطاري) له دخل في هذه الحرب التي ‏تهدد السودان برمته. ‏

ما يجري في السودان منذ الـ15 من يناير اخطر مما تشهده العراق سوريا وليبيا ‏واليمن. ‏ إن أنموذج الصومال واليمن وربما أخطر منهما هو ما يراد للسودان. ‏

استمرار الحرب في بلد كالسودان متعدد الاثنيات والتكوينات العربية والافريقية ‏والتركيبة القبلية الكاثرة والتباين الجهوي والتعدد اللغوي والمعتقدي خطره كبير. ‏للسودان جوار 7 دول ومفتوح على البحر الاحمر وجواره متعدد وخطر مكانته ‏وموقعه وثرواته ومساحته محل اغراء كبير والمؤامرات موجودة والمطامع عديدة. ‏وتوجد حالياً العديد من الحركات العسكرية في مناطق عدة؛ فخطر استمرار ‏الحرب امتدادها الى الداخل السوداني والى الجوار قائم والمشكل أن العديد من ‏الوسطاء على كثرتهم ليسوا بعيدين عن الشبهات كما ان القارة الافريقية موبوءة ‏بالتيارات الارهابية. ‏

في منتصف ستينيات القرن الماضي أصدر الشاعر الكبير محمد الفيتوري ديوانه ‏الثالث وربما كان الرابع (أحزان افريقيا)، كتب مقدمته الناقد الكبير محمود أمين ‏العالم. واشاد بإبداعه وروحه الثورية منتقداً حضور اللون الاسود بينه وبين ‏مجتمع مدينة الاسكندرية التي نشأ وتربى ودرس فيها. ‏

في هذه الحرب استحضر بعض من الكتاب والادباء قصيدته (قلبي على وطني) ‏وهي القصيدة التي رثى بها صديقة عبدالخالق محجوب - الامين العام للحزب ‏الشوعي السوداني لكأن القصيدة تتحدث عن حرب البرهان وحميدتي وليس فقط ‏عن اعدام النميري لمحجوب ورفاقه عام 1971. ‏

لماذا يظن الطغاة الصغار وتشحب الوانهم

‏ ان موت المناضل موت القضية ‏

اعلم سر احتكام الطغاة الى البندقية لا خائفاً ‏

ان صوتي مشنقة للطغاة ‏

ولا نادماً ‏

ان روحي مثقلة بالغضب ‏

كل طاغية صنم دمية من خشب ‏

وتبسمت كل الطغاة دمى ‏

ربما حسب الصنم الدمية المستبدة ‏

وهو يعلق اوسمة الموت فوق صدور الرجال ‏

انه بطل ما يزال ‏

الملحمة (المرثاة) يستعاد نشرها موجهة للطغاة الاصغر من الصغار لإصرارهم ‏على وأد الارادة السودانية وكأنها تقول لهم قتلوني وانكرني قاتلي. وهو يلتف بردان ‏في كفني. ‏

وانا من؟ سوى رجل واقف خارج الزمن ‏

كلما زيفوا بطلاً قلت قلبي على وطني.‏

الكلمات الدلالية