صنعاء 19C امطار خفيفة

بين قداسة المركز وقوة الميدان:

لماذا تتمسك الشرعية بـ«المركز القانوني» في 2025؟

إهداء:

مع نهاية عامٍ مثقلٍ بالحرب والانتظار، لا يسع المرء إلا أن يتمنى للشعب اليمني بكل جراحه وآماله، في كل الجغرافيا والانتماءات، عامًا أقل قسوة وأكثر عقلانية. عامٌ تُغلَّب فيه فكرة الدولة على منطق الغلبة، ويُقدَّم فيه حق الناس في الأمن والعيش الكريم على حسابات القوة والنفوذ. لعلّ العام الجديد يكون فرصة لمراجعة المسارات، قبل أن تتحول «المراكز القانونية» و«الميادين» معًا إلى أطلال لا ينتصر فيها أحد.

مقدمة:

في اليمن، لم تعد الدولة تُقاس بما تسيطر عليه من أرض، بل بما تحتفظ به من اعتراف. في خضم الأمواج المتلاطمة التي تضرب الساحل السياسي اليمني، برز مصطلح "حماية "المركز القانوني للدولة" إلى واجهة الخطاب الرسمي لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، لا كشعار بروتوكولي، بل كخط دفاع أخير تحتمي خلفه شرعية منهكة في مواجهة تحولات ميدانية متسارعة وتقلبات إقليمية مع نهاية عام 2025.
أولًا: «المركز القانوني»… حين تصبح الشرعية ختمًا:
يقصد العليمي بالمركز القانوني الحفاظ على الاعتراف الدولي الذي يمنح حكومته وحدها حق تمثيل اليمن، وإبرام الاتفاقيات، والتعامل مع الملفات السيادية كالممرات المائية والعلاقات الدولية والتمويل. لكن في واقع اليوم، لم يعد هذا المركز تعبيرًا عن سيادة مكتملة، بقدر ما أصبح "درعًا سياسيًا" يمنع تحول القوى المسيطرة على الأرض إلى سلطات أمر واقع معترف بها دوليًا. فالعليمي يدرك أن سقوط هذا المركز لا يعني فقط سقوط حكومته، بل انهيار الغطاء القانوني عن جميع الأطراف غير الحوثية، وتحول المناطق "المحررة" إلى كانتونات متنازعة بلا أهلية قانونية للتعامل الدولي.
ثانيًا: من فجوة القوة إلى أظافر ميدانية:
يصطدم هذا المفهوم القانوني بواقع ميداني قاسٍ. فسلطة العليمي كثيرًا ما وُصفت في الخطاب الشعبي بأنها "كوز بطاقة مركوز" (منصب بلا سطوة تنفيذية)، في مقابل احتكار المجلس الانتقالي الجنوبي لأدوات القوة والسيطرة الفعلية في الجنوب. غير أن عام 2025 حمل تحولًا مهمًا؛ إذ لم يعد العليمي يكتفي بإدارة الخارج ووزارة الخارجية فقط، بل استند إلى تشكيلات "درع الوطن" المدعومة سعوديًا، لخلق حد أدنى من التوازن الميداني يمنع انفراد أي طرف بالقرار. وهنا، للمرة الأولى، لم يعد "المركز القانوني"عاريًا تمامًا من القوة، بل بات محاطًا بأظافر عسكرية وظيفتها ليست الحسم، بل منع الإقصاء.
ثالثًا: المركز القانوني كواجهة للمصالح الإقليمية:
خلف خطاب السيادة والقانون، تتكشف الحقيقة الجيوسياسية الأعمق: التمسك بالعليمي ومركزه القانوني هو في جوهره تمسك بالفيتو السعودي في اليمن. فالسعودية، التي هندست نقل السلطة، ترى في العليمي "الشريك المطيع" الذي يضمن بقاء القرار اليمني ضمن دائرة نفوذها، في مقابل قوى محلية (المجلس الأنتقالي) يُنظر إليه كامتداد استراتيجي للإمارات. ومن هنا، تصبح حماية «المركز القانوني» أداة لضبط التوازن بين الرياض وأبوظبي، وضمان عدم خروج الجغرافيا الحيوية، خصوصًا (حضرموت والمهرة) عن المدار السعودي.
وفي هذا السياق، لا يمكن التعامل مع الجنوب باعتباره مجرد ساحة نفوذ أو ورقة تفاوض، بل كقضية سياسية وتاريخية قائمة بذاتها، لها جذورها، وفاعلوها، ومظالمها المتراكمة. إن أي حماية حقيقية لـ"المركز القانوني للدولة" لا تكتمل دون الاعتراف بحق أبناء الجنوب في مقاربة عادلة لقضيتهم، خارج منطق الإقصاء أو التوظيف الإقليمي، وبما يضمن شراكتهم في تقرير شكل الدولة ومستقبلها.
رابعًا: لماذا لا يُستبدل المركز بمن يملك الميدان؟
قد يبدو السؤال بديهيًا: لماذا لا تُنقل الشرعية إلى الطرف الأقوى ميدانيًا؟ الجواب أن «الميدان» وحده لا يصنع دولة معترفًا بها. فالمركز القانوني ليس مكافأة للأقوى، بل أداة لمنع الاعتراف بنتائج غير مرغوبة إقليميًا ودوليًا. ومن دون هذا المركز، يصبح الحوثي هو الطرف الوحيد القادر على الادعاء بأنه يمثل «الدولة» بسلطة الأمر الواقع والمؤسسات.
خاتمة: معادلة البقاء:
بقاء رشاد العليمي في موقعه لا يستند إلى شعبية جارفة أو جيوشه الجرارة، بل إلى حاجة الجميع لهذا الختم الشرعي. فبدونه، تفقد السعودية مشروعية تدخلها، ويفقد المجلس الانتقالي غطاءه الحكومي، وتفقد بقية القوى مظلة التعامل الدولي، بينما يبقى الحوثي المستفيد الأكبر. وهكذا، يظل «المركز القانوني للدولة» هو الخيط الرفيع الذي يربط اليمن بالعالم، حتى وإن ظل هذا المركز نفسه معلّقًا بين قداسة القانون وقسوة الميدان، ومحكومًا بإرادات إقليمية أكبر من الدولة ذاتها.

الكلمات الدلالية