صنعاء 19C امطار خفيفة

من يمدّ قدميه خارج السجادة يُعاد تنبيهه

يقدّم تقرير صحيفة "الرياض" المشهد اليمني كما لو كان لوحة شديدة العتمة، بينما تقف المملكة بجانب اللوحة كفنان يحاول إعادة ترتيب الألوان كلما عبثت بها يدٌ "جنوبية" لا تجيد الرسم داخل الإطار الرسمي. يبدأ النص من افتراض واضح: أن التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي في حضرموت ليست سوى فوضى جديدة، وأن المملكة - بحكمتها المعتادة - تنهض لمنع اللعبة من الخروج عن قواعدها.

لا جديد في اليمن سوى أن اللاعبين الصغار يمارسون هواية كسر القواعد، بينما اللاعب الأكبر يوزّع صفارات الإنذار.
يقف التقرير أمام حضرموت كمن ينظر إلى تحفة ثمينة يخشى أن يسقطها طفل مشاغب. فالرسالة المركزية تقول:
حضرموت مستقرة رجاءً لا تلمسوها.
هكذا تبدو المحافظة في التقرير، مساحة هادئة لا تحتمل موجة صوت مرتفعة، فضلاً عن عربات مدرعة. ومع ذلك، يعرف الجميع أن حضرموت ليست "مسكينة"، بل رقماً صلباً في معادلة النفوذ. ولذلك يصبح أي تحرك باتجاهها بمثابة وضع إصبع على جرس إنذار إقليمي.
التقرير لا يقول مباشرة إن الانتقالي تجاوز حدّه، لكنه يكتب ذلك بخط عريض بين السطور. يشبّهه من بعيد بالحوثيين، على طريقة المقارنات التي لا تُقال إلا لتترك أثراً نفسياً. تشبيه محسوب، لا مبالغ فيه، ولكنه يرسم حدوداً: لا تكن كمن يحاول خلق واقع موازٍ، فذلك اختصاص جهات أخرى.
الرسالة ليست للقراء بل للمجلس نفسه. من يمدّ قدميه خارج السجادة يُعاد تنبيهه.
من أجمل المقاطع تلك التي تذكّر بأن ٫القضية الجنوبية عادلة لكنها لا تختزل في شخص واحد". عبارة دبلوماسية بقدر ما هي لاذعة: لك الحق أن تطالب، لكن ليس لك الحق أن تتحدث باسم الجميع.
هذا النوع من الجُمل ناعم في لغته، قاس في معناه. وهو يُعيد ترتيب الكراسي في المسرح الجنوبي. لا أحد يجلس في الوسط بمفرده، مهما كان صوته مرتفعاً.
حين يسرد التقرير الانتهاكات المنسوبة لقوات الانتقالي، من الإعدامات إلى الاعتقالات والتضييق، لا يفاجأ القارئ اليمني بشيء. فالقوائم في اليمن طويلة بما يكفي لأن ينسخها أي صحفي دون جهد بحثي كبير.
لكن ما يلفت الانتباه ليس الاتهامات، بل التحذير من "تمزق النسيج الاجتماعي". نسيج لو كان مادياً لاحتاج إلى خياطين محترفين أكثر من الصحفيين.
التقرير يقدّم السعودية كحكم صارم، يرفع البطاقة الصفراء لكل من يتجاوز الخطوط. لا غلبة بالسلاح، ولا توسع خارج الشرعية، ولا فرض وقائع دون إجازة رسمية.
الصياغة هادئة، لكن الرسالة متوازنة في حدّتها، يحق للمملكة أن تضبط الإيقاع، لأنها في نهاية المطاف من يمسك بمكبرات الصوت في الملعب.
يكرر التقرير أن حضرموت ليست مجرد قطعة جغرافية بل "عقدة ميزان". أي خلل فيها يربك المشهد اليمني كله. ولهذا فإن أي محاولة لفرض السيطرة عليها خارج إطار الشرعية ليست مجرد مغامرة سياسية، بل تعدٍّ على توازنات يعرف الجميع حساسيتها.
الجغرافيا في اليمن لا تُقاس بالمساحة بل بعدد الاهتمامات الخارجية المحيطة بها.
التقرير يختتم بفقرة عن المشاريع السعودية في حضرموت والمهرة. عدد كبير من الطرق والمدارس والكهرباء. قائمة ممتدة تشبه إعلاناً حكومياً أكثر مما تشبه تكملة لتحليل سياسي.
لكن السياق مفهوم، من يبني الطرق يملك الحق في منع الدبابات من السير عليها.
ومن يدعم البنية التحتية، يطلب في المقابل احترام البنية السياسية.
التقرير، في نبرته ومضمونه، يخبر الانتقالي بلطف حازم: تستطيع أن تكبر لكن ليس خارج إطار القياس.
ويخبر الشرعية: سنظل ننعشك حتى تفيق حتى لو احتجتَ أكسجيناً خارجياً دائماً.
ويخاطب اليمنيين بلا تصريح: الاستقرار قرارٌ إقليمي بقدر ما هو محلي.
نص متزن في لغته لكنه يلمّح أكثر مما يقول، ويفترض أكثر مما يصرّح، ويؤكد أن حضرموت ستبقى ساحة اختبار للنوايا أكثر مما هي ساحة اشتباك.

الكلمات الدلالية