صنعاء 19C امطار خفيفة

المدين

المدين
لوحة رمزية
كلمات من رجلٍ مثقل
كان يسير بخطى متثاقلة، كأن الأرض تُقاومه.
خرج للتو من مدرسته، تلك التي ظل يُعلّم فيها رغم انقطاع راتبه لأكثر من عشر سنوات.
جسده منهك، لا يحمل في جيبه سوى أقلامٍ جفّ حبرها، كأنها تشاركه العجز.
استدان من ذلك الدكان قبل أشهر،
مبلغٌ لا بأس به، لكنه صار ثقيلاً... كأنه دينٌ على روحه.
في كل مرة يمرّ قربه، يُبطئ خطاه، يُطأطئ رأسه،
كأن نظرة صاحب الدكان ستُسقطه أرضًا.
يحاول أن يُغيّر طريقه،
ليس خجلًا فقط، بل خوفًا،
خوفٌ من أن يُسأل أمام الناس، فيُحرج.
كأن الدين صار مرآةً يرى فيها عجزه، وانكساره، وانحناءه الذي لا يُفارق ظهره.
كلما فكّر أن يُخفف من ديونه،
تذكّر أن الأولاد على وشك دخول المدرسة:
دفاتر، حقائب، أحذية...
والبنت الصغيرة مريضة، مرضٌ شبه مزمن، لا يملك ثمن علاجها.
زوجته لا تطلب شيئًا،
لكنها تمشي بحذاءٍ ممزق، تُخفيه تحت عباءتها،
تحاول ألا تُرهقه أكثر، كأنها تُخفي ألمها في طيّات صمتها.
أولاده يتظاهرون بالشبع، ويصمتون،
وهو يتظاهر بأنه لا يعرف،
كأنهم جميعًا يتواطؤون على الصبر، دون أن يتفقوا عليه.
قد ترك الدخان خلفه،
وكل ما كان يُحب، تخلّى عنه.
بنطاله رثّ، وقميصه الوحيد شبه ممزق.
لم يكن ما يرتديه هو ما يهمه، بل ما يحمله في داخله:
أحلامٌ مؤجلة، وكرامةٌ تُصارع الانكسار.
كان يمشي...
منحني الظهر، كأن الدين يُثقله.
وفي داخله، يدور حوارٌ لا يسمعه أحد:
> كلما ظننت أنني اقتربت، ابتعدت أكثر.
> كلما شعرت أنني سأدفع، جاء ما هو أثقل.
> الأولاد... المدرسة... البنت الصغيرة... الحذاء... الدواء...
هل يعرف صاحب الدكان كل هذا؟
هل يعرف أنني لا أنام؟
أنني أكره نفسي حين أمرّ أمامه؟
أكره هذا الانحناء في ظهري...
كأنني أحمل الدين على كتفي، لا في جيبي.
أكره أنني أُخفض رأسي، لا لأنني مذنب، بل لأنني ضعيف.
مرّ أمام الدكان، فنظر إليه صاحب الدكان، ثم خفض نظره دون أن يتكلم،
كأنه لا يريد أن يحرجه، أو كأنه فهم كل شيء دون أن يُقال.
لكن في داخله، كان هناك صوتٌ صغير يقول:
*سأسدّد إن شاء الله... يومًا ما.*
تابع السير،
وإن كان ظهره ما زال منحنيًا،
فإن في قلبه شيئًا بدأ يعتدل.

الكلمات الدلالية