اليمن... إلى أين؟
قرار مجلس الأمن الأخير: تجديد الوصاية لاستمرار الصراع وغياب الحلول
من يقرأ بعناية وتركيز نص قرار مجلس الأمن الدولي الصادر بتاريخ 14 نوفمبر2025م برقم 2760، سيدرك سريعًا أنه لم يأتِ بجديد مقارنة بالقرارات السابقة. فالعقوبات باقية، والتمديدات مستمرة، واليمن مايزال تحت بند الوصاية الدولية، في انتظار أن تتقدم الأطراف المحلية نحو حل سياسي شامل، وهو ما لم يتحقق، لأن المتصارعين لا يمتلكون الجرأة لصنع قرار وطني شجاع.
بينما يظل سؤال الشعب اليمني قائمًا: إلى متى سيظل الوضع على ما هو عليه؟ ومتى ينتهي هذا الصراع الذي طال أمده؟
المرجعيات
وبالعودة إلى مضمون القرار الأممي، يتضح أنه يعيد التأكيد على المرجعيات التي اعتمدتها الأمم المتحدة منذ اندلاع الحرب، والمتمثلة في قراراته السابقة، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وعلى الرغم من أهمية هذه المرجعيات، إلا أنها لم تعد كافية لإيجاد حل حقيقي كامل، فالأزمة لم تعد أزمة نصوص أو قرارات، بل أزمة توافق يمني داخلي قادر على وقف الحرب بقناعة، وإعادة الدولة إلى مسارها الطبيعي. ولهذا بات من الضروري علينا كيمنيين أن نشخّص المشكلة بوضوح إذا أردنا الوصول إلى حلول واقعية.
الحقيقة المغيبة
الحقيقة التي يجب الاعتراف والإقرار بها هي أن اليمن لم يعد ساحة صراع محلي فحسب، بل تحوّل إلى مسرح إقليمي ودولي تُدار فيه المواجهات بالوكالة. فقد تعمّقت التدخلات الخارجية، واعتمدت في صراعها على أطراف يمنية محلية تتلقى أموالًا كبيرة من الدعم الخارجي لتستقوي به أكثر من اعتمادها على الحوار الوطني، والتفاهم حول مصلحة اليمن، ما جعل التقارب بين المتصارعين شبه مستحيل، واتسعت الفجوة بين أبناء الوطن الواحد.
وبهذا المشهد المركّب، بدا اليمن كأنه تحت استعمار غير مباشر تتحكم فيه القوى الخارجية عبر أدواتها المحلية، فيما يبقى الشعب هو الخاسر الأكبر. والمتضرر الأوحد.
الحل: الحكمة اليمنية
ومن هذا المنطلق، فإن علينا أن نؤمن إيمانًا قطعيًا أن أي حل حقيقي لن يأتينا من الخارج، ولن تصنعه الأمم المتحدة ودول الإقليم والعظمى، دون وجود إرادة يمنية صلبة وقرار موحّد يتخذه المتصارعون أولًا بقناعة، فاليمنيون قادرون بحكمتهم وتجاربهم وخبرتهم وثقافتهم السياسية والوطنية، على صياغة الحلول والاتفاقات الوطنية التي توقف الصراع المحلي والإقليمي والدولي، وتعيد للدولة اليمنية هيبتها ومكانتها بين الأمم، وتفتح أبواب الأمن والاستقرار والسلم المحلي والإقليمي والدولي.
لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا توحد الصف اليمني، وتضافرت الجهود من كل مكونات المجتمع اليمني، يتجاوز الجميع الخلافات، والولاءات الضيقة، ويتناسون جراح الحروب وآلامها، ويفسحون المجال للعقلاء وأصحاب الحكمة والمرجعيات الوطنية ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة لقيادة "مبادرة وطنية جامعة تشكل مرجعية يمنية تمثل مختلف المحافظات والمناطق اليمنية"، مرجعية تفرض احترام القرار الوطني على الداخل والخارج، وتتبنى مشروعًا وطنيًا شاملًا لا يستثني أحدًا، يجعل السلام الهدف المشترك للجميع.
إن استمرار الوضع الراهن ليس قدرًا محتومًا. ولن تغادر اليمن دوامة الصراع إلا حين يتحرك اليمنيون بأنفسهم، ويكفّوا عن الاتكال على القوى الخارجية. فأي تأخير في التوافق الداخلي سيضاعف معاناة الناس، ويزيد المشكلة أكثر تعقيدًا، ويؤدي إلى انهيار الدولة كاملة وتفكك المجتمع.
لقد آن الأوان لأن يعمل الجميع، شعبًا وقيادات ومجتمعًا مدنيًا وواجهات سياسية واجتماعية وشخصيات اعتبارية، على إعادة بناء الدولة اليمنية، واستعادة النظام الجمهوري، وتصحيح مساره، ليكون حاميًا لحقوق الناس وكرامتهم، وقادرًا على إعادة الأمن والاستقرار إلى كل ربوع البلاد.
فالسلام الحقيقي لن يتحقق إلا بعقول ونظريات يمنية تضع المصلحة العامة فوق كل المصالح عبر اتفاق وطني صادق يعيد الاعتبار لليمن ومكانتها، وينهي التدخلات الخارجية، والوصاية الدولية، ويضع البلاد على طريق التنمية والبناء والإعمار والاستقرار والسلام.
السلام الخارجي
السلام المنتظر من الخارج، ليس سوى وهم يُكرّس استمرار الوصاية الدولية، لتبقى اليمن وشعبها تحت رحمة المساعدات الإنسانية، وذل الفقر والجوع والحصار، والقضاء على ما تبقى من مقدرات اليمن، وانتهاك السيادة والكرامة اليمنية.
ألا ليت قومي يعقلون.