صنعاء 19C امطار خفيفة

الأخلاق أولًا... قبل القوانين

في كثير من النقاشات المجتمعية، يتكرر السؤال: ما الذي نحتاجه لننهض؟ ويأتي الجواب غالبًا: "نحتاج قانونًا صارمًا، ونظامًا حازمًا، ومحاسبة شفافة". لا شك أن القانون مهم، وأن غيابه سبب مباشر للفوضى. لكن، هل نحتاج إلى القانون ليمنعنا من الكذب؟ من خيانة الأمانة؟ من أكل حقوق الناس؟

الواقع يقول إننا، حتى حين تكون القوانين موجودة، لا نستقيم دائمًا. لماذا؟ لأن ما يُضبط من الخارج لا يمكن أن يصمد أمام ما هو هشّ في الداخل. الأخلاق، لا القانون، هي ما يجعل الإنسان يلتزم بفعله حتى في غياب الرقابة. هي ما يجعله يصطفّ في طابور دون أن يراقبه شرطي، أو يعيد الأمانة دون أن يُجبره قانون.
القيم ليست ترفًا في مجتمعنا، بل ضرورة. مجتمع بلا أخلاق، حتى وإن امتلأ بالقوانين، سيبقى هشًا، متفككًا، تسوده الأنانية والمصالح الضيقة. أما المجتمع الذي تغرس فيه القيم في البيوت والمدارس أو في تفاصيل الحياة اليومية، فهو مجتمع يراقب نفسه بنفسه.
نحن في زمن تتغير فيه المفاهيم بسرعة. بات الذكاء يُخلط أحيانًا بالمكر، والنجاح يُقاس بالحصول على أكبر قدر من المكاسب، لا بسلامة الطريق إلى تلك المكاسب. هذه الفوضى الأخلاقية لا تُعالج عبر قوانين وحدها، بل تحتاج إلى إعادة بناء الإنسان من الداخل.
في اليمن، تعاقبت الأنظمة، وتبدّلت القوانين، لكن القيم التي حافظت على تماسك المجتمع في وجه الأزمات، كانت نابعة من الروح، من التربية، من ضمير الناس. حين تصدّع هذا الضمير بفعل الظروف أو الانقسام أو اليأس، بدأنا نشهد ممارسات لم نكن نعرفها من قبل.
إن إصلاح المجتمع لا يبدأ من المحكمة، بل من البيت. من الطفل الذي يرى والده يرفض الرشوة، أو والدته تعيد حقًا صغيرًا ليس لها. هذه اللحظات هي التي تُبني بها المجتمعات العادلة، لا الخطابات أو الشعارات.
فالقانون قد يُرغم، لكن الأخلاق تُلهم. وما يُلهم هو الذي يبقى.
وما لم تُغرس القيم في النفوس، فلن تنجح أي منظومة في فرضها بالقوة.

الكلمات الدلالية