صنعاء 19C امطار خفيفة

ستيفن هوكينغ.. الكون على كرسي متحرك

ستيفن هوكينغ.. الكون على كرسي متحرك
ستيفن هوكينغ

لم يكن ستيفن هوكينغ سوى مفارقة تجلس على كرسي متحرك. جسد معلق بين الحياة والموت لكن دماغاً يضيء ككوكب في سماء مظلمة. كان يستطيع أن يحرك جفنه فقط ومع ذلك حرك عالماً كاملاً من السكون إلى التفكير. بينما هناك من يتحركون كثيراً لكن لا يذهبون خطوة واحدة خارج حدود الجهل الموروث.

ولد هوكينغ في زمنٍ كانت الفيزياء فيه تلبس معطفاً أبيض وتحلم بفهم الله بلغة الرياضيات. لكن الشاب الإنجليزي المصاب بالتصلب الجانبي لم يكتفِ بالحلم، فبينما كانت عضلاته تتجمد واحدة تلو الأخرى كان فكره يتوسع كالمجرة. لم يحتج معجزة بل جهازاً ناطقاً وكرسياً متحركاً خرج منهما إلى الفضاء الأبعد. كان يمكن أن يكون مجرد ظل على كرسي متحرك ينتظر نهاية رحيمة من مرض لا يرحم. لكنه قرر أن يدير اللعبة لصالحه.
رجل لا يستطيع أن يبتلع ريقه ابتلع فكرة “حدود المعرفة” ولفظها على هيئة معادلات أذهلت الفيزيائيين. صنع من عزلته جسراً إلى النجوم، وابتكر من شلل عضلاته حركة جديدة في الفيزياء النظرية. وبينما كان بعض “العلماء” يتجادلون في شكل الحور العين. كان هوكينغ يسأل بجدية: هل بدأ الزمن فعلاً؟
في المقابل هناك قوم لا يعانون من التصلب العضلي بل من التصلّب العقلي. أجسادهم مرنة كألسنتهم، لكن عقولهم متخشبة كمنابرهم. هوكينغ يشرح الثقوب السوداء وهم يشرحون كيف يدخل الجن في الجسد. هو يتأمل الكون وهم يتأملون “عورة المرأة”. هو يحرض الكون على الكشف وهم يحرضون المجتمع على الصمت. هو يقول إن “الذكاء هو القدرة على التكيّف مع التغيير” وهم يعتبرون التغيير مؤامرة غربية على الدين. هو يبحث في كيف خُلق الكون؟ وهم يبحثون في كم حورية تنتظر المؤمن في الجنة؟.
تاريخ موجز للزمان
الفرق بين من وسع أفق الإنسانية، ومن وسع دائرة الحرام حتى ضاقت الدنيا على الناس، هو الفرق بين من يجلس على كرسي ليطل على النجوم، ومن يقف على منبرٍ ليخيف الناس من النار.. الفارق ليس في العضلات بل في الشجاعة. هوكينغ تحدى الإعاقة وهم تحدوا المنطق. هو حاور الله بالمعادلات وهم حاصروه بالنصوص. جسده مقيد بالكهرباء وعقولهم مقيدة بالكهنوت.
كان الرجل الذي لا يستطيع أن يبتسم أقدر على إضحاك القدر من كل دعاة المعجزات. كان يكتب للإنسانية بخط إلكتروني ما تعجز أمة كاملة عن قوله بخطبة الجمعة. ترك لنا "موجز تاريخ الزمن" بينما تركوا لنا "موجز أحكام الطهارة".. قال مرة: “أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل بل وهم المعرفة”. وكم يبدو أن كلامه كُتب لنا نحن المتورطين في وهم أننا نعلم لأننا نحفظ ونفهم لأننا نردد.
إن العجز الحقيقي ليس أن تفقد الحركة بل أن تفقد القدرة على الشك.
هوكينغ علّمنا أن المقعد ليس من يقعد على الكرسي بل من يقعد عن التفكير. وأن من يخاف السؤال لن يشفى أبداً من مرض اليقين.

الكلمات الدلالية