صنعاء 19C امطار خفيفة

الحقيقة المرة بين خطاب الوزير وغضب الانتقالي

 شائع محسن الزنداني

أثار تصريح وزير الخارجية شائع محسن الزنداني، الذي قال فيه إنه لا وجود لحلّ الدولتين في أية تسوية سياسية قادمة، ردود فعل غاضبة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي. غير أن الوزير، في الواقع، لم يخرج عن الإطار العام للمواقف المعلنة إقليميًا ودوليًا حيال مستقبل اليمن. فحتى اللحظة، لا توجد أية وثيقة أو اتفاق رسمي يتحدث عن خيار الدولتين، بل إن جميع الجهود الدولية تتركز حول تسوية تضمن وحدة الدولة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي أزعج الانتقالي في كلام الوزير؟ هل أنكر الوزير اتفاقًا مكتوبًا ينص على حل الدولتين؟ أم أنه عبّر بصراحة عمّا يُعرفه الجميع، لكن بعض الأطراف تفضّل عدم الإفصاح عنه؟
فلو كان هناك اتفاق حقيقي بهذا المعنى، لكان من حق الانتقالي أن يعلنه للرأي العام، أو على الأقل يشير إلى وجود تفاهمات أو وعود غير مكتوبة، يشهد عليها التحالف العربي الذي أشرف على اتفاق الرياض، وضمّ المجلس الانتقالي إلى قوام الشرعية في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وقَبِلَ بدمج قواته ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية للدولة اليمنية.
الواقع أن الانتقالي يواجه معضلة في التوفيق بين خطابه السياسي الداخلي، الذي يعد أنصاره بدولة الجنوب، وبين مشاركته الفعلية في مؤسسات الدولة اليمنية الموحّدة. ولأن الاعتراف بهذه الحقيقة يضعه في مواجهة جمهوره، فإنه يرفض أي حديث رسمي يناقض تلك الوعود، حتى وإن كان الحديث يعكس الموقف الواقعي والسياسي القائم.
ويبدو أن ما قاله الوزير الزنداني لا ينفصل عن المسار العام الذي ترعاه الأمم المتحدة بدعم من التحالف العربي، والذي يهدف إلى إنهاء الحرب عبر تسوية شاملة تقوم على وحدة مؤسسات الدولة وتوزيعٍ أكثر عدالة للسلطة والثروة بين المكونات. هذا الاتجاه يحظى بتأييد دولي واضح، ويُنظر إليه كمدخل عملي لتحقيق الاستقرار، في مقابل الطروحات الانفصالية التي يُخشى أن تفتح الباب أمام صراعات جديدة. لذلك، فإن تصريحات الوزير لا تمثل خروجًا عن الإجماع، بل تعبيرًا عن قراءة واقعية لطبيعة المرحلة، ولحدود الممكن السياسي في ظل التوازنات القائمة إقليميًا ودوليًا.
الحقيقة، وإن كانت مرة، تظلّ السبيل الأصدق لفهم ما يجري، والاعتراف بها لا يعني التنازل عن الحقوق، بل هو الخطوة الأولى نحو تسوية واقعية وعادلة تحفظ مصالح الجميع.

الكلمات الدلالية