صنعاء 19C امطار خفيفة

مناقشة مقال: "هل الديمقراطية هي الحل؟" للقاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي

يطرح القاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي في مقاله سؤالًا جوهريًا طالما شغل الفكر السياسي العربي: هل الديمقراطية هي الحل؟ ويُحسب له أنه لم يتناول الفكرة من زاوية تنظيرية جامدة، بل من واقع التجربة العربية والفلسطينية الماثلة، حيث تتشابك الشعارات بالممارسات وتختلط السلطة بالمقدّس.

إنّ القول بأن "الديمقراطية هي الحل" لا يقل تبسيطًا عن شعارات مثل "الإسلام هو الحل" أو "العلمانية هي الحل"، فكلها عبارات تختزل المعقد في وصفة جاهزة وتحوّل المفهوم إلى شعار سحري فاقد للمضمون. ومع ذلك، فإنّ جوهر ما طرحه القاضي الجليل يبقى صائبًا: لا سبيل للخلاص من أزماتنا المزمنة دون نظام يرسخ مبدأ أن السلطة للشعب، وأن القرار يُبنى على المشاركة والمساءلة لا على التفرد والوصاية.
الديمقراطية ليست صندوق اقتراع ولا ترفًا سياسيًا، بل منظومة قيم وسلوك وأخلاق. قيمٌ تُعلي من شأن الإنسان وحقه في التعبير والمحاسبة، وسلوكٌ يفرض على الجميع الخضوع للقانون لا للأهواء، وأخلاقٌ تجعل من النقد واجبًا ومن التنوع مصدرَ قوة لا تهديد.
ولو آمنت حماس -كما أشار المقال- بالديمقراطية كمنهج لا كشعار، لما انفردت بالقرار، ولما عرضت غزة والقضية الفلسطينية لواحدة من أسوأ الكوارث في تاريخها المعاصر. فالمقاومة لا تتعارض مع الديمقراطية، بل لا تكتسب شرعيتها إلا منها.
الفرق بين النظرية والتطبيق هو ما يميز الأمم الحية عن غيرها. ففي الغرب، تقف مؤسسات الديمقراطية كجدار يصد نزق القادة ويمنع القرارات المتهورة، بينما في العالم العربي يُهدم هذا الجدار باسم الدين أو الثورة أو المقاومة، فتُختزل الأوطان في إرادة فرد أو جماعة.
إنّ ما نحتاجه اليوم ليس رفع شعار الديمقراطية، بل ترسيخ وعيٍ ديمقراطي يجعلها واجبًا مدنيًا وأخلاقيًا، فوق الأديان والمذاهب والانتماءات. فالله -كما جاء في كتابه العزيز- لم يمنح أحدًا سلطة على أحد: ﴿وشاورهم في الأمر﴾، ﴿لست عليهم بمسيطر﴾. وهذه النصوص كفيلة بأن تضع الشورى والمساءلة في صميم الإيمان لا خارجه.
لذلك، يمكن القول إن الديمقراطية هي الحل فعلًا، حين تُفهم كممارسة يومية لبناء الإنسان الحر، لا كشعار يُرفع لتبرير سلطة جديدة. فحين يصبح العقل مرجعنا، والمواطنة ميزاننا، والحرية قَدَرنا المشترك، نكون قد بدأنا أولى خطواتنا نحو الدولة التي تستحق الحياة.

الكلمات الدلالية