صنعاء 19C امطار خفيفة

أوان الاقتصاد (2)

استأنفت اليوم كتابة الجزء رقم (2) من مقالة أوان الاقتصاد.

كنت قد كتبتها قبل ثلاثة أيام، وظللت منتظراً أمراً مهماً يدعم فكرة مركزية عولت عليها، لتكون ضمن عناصر نجاح الدعوة التي اقترحتها لعقد مؤتمر اقتصادي وطني يُعقد داخل البلد، في عدن أو غيرها، بعد التحضير الجيد لآفاق المؤتمر ومهامه، والقضايا والمعضلات والثقوب السوداء التي سيقف أمامها المؤتمر للخروج بخارطة طريق للإنقاذ الاقتصادي، تخرج البلد وشعبها واقتصادها من غوائل وعوامل وعناصر شكلت ولا تزال تشكل جوهر الأزمة الاقتصادية المستفحلة منذ زمن ليس بالقصير، أثرت على حياة الناس وأخلّت بواقع وموقع البلد ككيان يمتلك عناصر قوة حقيقية لكنها مصادرة.
الغرض من عقد المؤتمر هو الوقوف والبحث العميق المبني على أسس منهجية تدفع بالأمور نحو جادة الصواب.
أجّلت كتابة هذا الجزء لأنني في مقالتي السابقة وجّهت بعض كلامي المعزز لعقد المؤتمر لشيخين جليلين كنت أتوقع رداً جميلاً، أو على أقل تقدير إشارة بأنني أخطأت السبيل.
المهم، أنا لم أوجّه دعوتي لا لعلامة الاقتصاد وأبوه آدم سميث صاحب كتاب ثروة الأمم، ولا للشيخ كينز صاحب النظرية الكنزية، ولكني وجهت دعوتي للعزيزين الشيخ سلطان البركاني تيمناً ببركاته، علّها تدعم الدعوة لعقد المؤتمر، كما وجهت ذات الدعوة للشيخ بن دغر بما له من مآثر الجدل (الديالكتيك) الذي خاضه أيام كان الجدل حقاً ينير الطريق.
لكن كلا الشيخين، ربما لانشغالهما بأمور البلاد والعباد، ومجلسي النواب والشورى، لم يجدا وقتاً يمنحانه لعابر سبيل.
لكن تظل مسألة النهوض باقتصاد البلاد من وهدته وسباته الطويل، الشبيه بسبات عليل داخل غرفة الإنعاش، مسألة تؤرق بال كل وطني غيور للتصدي لجملة التحديات والمفاسد التي عاقت وما تزال تعوق مسيرة اقتصاد منهك مستلب، تنخر مفاصله عوامل الإنهاك وعدم القدرة على النهوض.
وتلك كانت وستظل رسالة أي وطني غيور، كما ستظل مطلباً لن تسقط بالتقادم، إرادة المطالبة بعقد مؤتمر وطني عاجل يشكل مدخلاً وسنداً لأي خارطة سياسية ننشدها لمسار تصحيح أوضاع البلد وإخراجه من حالة التيه، في دنيا تتسم بالمتعارضات القاتلة والجذرية.
إنها متعارضات ذات جذور تاريخية، أساسها إلى جانب عوامل تاريخية متأصلة في البنية القبلية التي تعتاش من عوامل السلب لتصبح على المدى ظاهرة حرب تولّد عناصر تأبيدها. بلادنا لم تستقر إلا لفترات قصيرة، تعاود بعدها حالة وآلة الحرب مسيرتها، تخلق وتخلّف وراءها عوامل وعناصر إضعاف الدولة وإهدار حقوق الأجيال.
إنها حالة مماثلة لمقولة ديفيد هارفي، مؤلف كتاب فضاءات ما بعد الرأسمالية، حيث يقول:
"إن الحرب وغيرها من أشكال الضغط العسكري، لأن ميزان القوى العسكري يلعب دوراً لا يقل أهمية عن القوة الاقتصادية."
انظر كتاب فضاءات الرأسمالية العالمية، ديفيد هارفي، ص 162.
نحن في بلد يعيش حالة حرب استفحلت مضارها وتأثيراتها السالبة، ناهيك عما كوّنته من طبقة أثرياء وتجار حروب كانوا معاول فساد وإفساد، وتخليق أوضاع مشوّهة ساعدت على تزايد حالات التشوه الهيكلي الموسوم به الهيكل العام لاقتصاد بلادنا المشوه، المصاب بتضخم وكساد تراكمي، ويعيش حالة اختلالات هيكلية مزمنة بكافة موازين البلد المالية والنقدية؛ أي عجز هيكلي مزمن في موازنة الدولة الرخوة، وعجز مستمر بكافة الموازين: الميزان التجاري، ميزان المدفوعات، وسواها.
ومن تعاقبوا على قيادة البنك المركزي يعرفون ويعون أين تكمن أسس الإشكال الناخر في جسد الدولة واقتصادها وإنفاقها غير السوي.
لأجل ذلك، ومن أجل الخروج من حلقات الركود والتضخم والعجز الدائم وضعف أداء المؤسسات، دعونا وندعو مجدداً لعقد مؤتمر اقتصادي يقف أمام هذه الكارثة، لأن البقاء هكذا تحت ظل شبه دولة تدير اقتصاداً مصاباً هيكلياً بعجز يجعله أشبه بالرجل العليل أمر لا ينبغي السكوت عليه من كافة من يهمهم مستقبل هذا الوطن الغني بالإمكانات، الفقير – للأسف الشديد – بحالة اللااستقرار وسوء الإدارة ومعجون الفساد وتلاعبات المستفيدين من استمرار حالة الحرب، أياً كان شكلها وأياً كان من يحركها.
نأمل أن تجد دعوتنا آذاناً صاغية.
كتاب: فضاءات الرأسمالية العالمية
تأليف: ديفيد هارفي
حقوق الترجمة العربية محفوظة – صفحة سبعة للنشر
المملكة العربية السعودية – الطبعة الأولى 2024

الكلمات الدلالية