رائدات في ظروف غير مواتية - المقدمة
تعزو مارينا دي ريخت في مطلع كتابها الذي تنشره النداء على حلقات بدءا من اليوم، وجودها في اليمن في مشروع يهتم بالرائدات الصحيات إلى صدفة!
هي صدفة حملت مسرات إلى اليمنيين واليمنيات، فمارينا لم تكن "خبيرة" اجنبية عملت في مشروع مؤقت ثم انصرفت بعد سنوات في مهمة اخرى في بلد آخر. كلا!
حفرت عميقا في اليمن. ولما غادرت سبقها إلى كل مكان حلت فيه محاطة باصدقاء وصديقات يمنيات من الحديدة ووداع ومختلف البقاع اليمنية، في الداخل وفي المهجر.
النداء تنشر كتاب مارينا دي ريخت بدءا من مقدمتها التي نخصص لها الحلقة الأولى.
المقدمة:
عندما كنت مراهقة أصابني الملل من البقاء في بلدي هولندا وحلمت دائماً بالمغامرات والسفر إلى بلدان بعيدة، ومنذ ذلك الحيّن قررت أن أتعلم العربية وأن أتخصص في الأنثروبولوجيا.
تلقت أمي تدريبها في التمريض وعملت به كمهنة وكم تمنت أن يشاركها أحد أبناءها أو بناتها اهتمامها بالمجال الطبي والعمل به لكن أحدا من أبنائها الثلاثة لم يحقق أمنيتها. لكن مسارات حياة الأفراد تتغير فجأة في بعض الأحيان كما يتضح في قصص هذا الكتاب بفعل تأثير الظروف أو بالمبادرات التي نتخذها نحن أو بتأثير الآخرين. وسواء أسميناها مصادفة أو قدراً أو عناية إلهية فإن هذه التغيرات المفاجئة قد تصبح جزءاً منسجماً من مخطط أكبر.
إن هذا الكتاب نتاج لعدد كبير من التغيرات المفاجئة التي صدف وأن توافقت مع بعضها البعض في نهاية الأمر، وهو عبارة عن دراسة أنثروبولوجية لنساء يعملن في مجال الصحة في بلد عربي تتشابه قصصهن واهتماماتهن إلى حد كبير مع قصة أمي. تطلعت المرشدات مثل أمي إلى التعليم بشوق كبير وقد منحهن الدخول إلى المجال الصحي الفرصة لتطوير أنفسهن ولذا فإنني اهدي هذا الكتاب أولا وأساسا لروح أمي. يصف الجزء الأول من الكتاب مبادراتي الخاصة والظروف الأخرى التي قادت إلى تأليف هذا الكتاب وهنا أود أن اذكر بالشكر والعرفان العدد الكبير من الأشخاص الذين منحوني علاوة على أمي الإلهام والعزم والمساندة.
ليس من المدهش القول إن هذا الكتاب لم يكن ليرى النور لولا مساندة وحب العديد من النساء في الحديدة من العاملات في المجال الصحي وغيرهن من اللواتي نجحن في أن يجعلن الحديدة وطني الثاني ولقد أحببت الحيّاة والعمل معهن وفارقت الحديدة بمشقة. إن فكرة إعداد رسالة دكتوراه بعد ستة أعوام من العمل في مشروعات التنمية لم تكن وليدة اعتبارات بحثية وفكرية فحسب بل كانت أيضا تلبية لاعتبارات ودواع عملية، لقد أتاحت لي هذه الفكرة فرصة البقاء على صلة بالأصدقاء في الحديدة وإن كانت من موقع وزاوية أخرى.
أنني مدينة بالكثير جدا لهؤلاء الصديقات والأصدقاء الذين يتعذر ذكر أسمائهم جميعا إضافة إلى دواعي الخصوصية لكنني اشعر أن علَى أن اذكر بالاسم كل من عائشة، أمينة، بلقيس، بثينة، حنان، جميلة، جميلة، مرجانة، ونعمة واعدهن بالا تكون نهاية هذا الكتاب نهاية صداقتي لهن.
وبالإضافة للنساء اليمنيات في الحديدة، ثمة نساء أخريات قدمن لي الكثير من الدعم والمساندة، من أهمهن بالنسبة لي السيدة ثيرا دي هاس زميلتي الهولندية في الحديدة وأم المرشدات، فمنذ زيارتي الأولى للمشروع قدمت لي السيدة دي هاس كل عون ممكن وأصبحت صديقة حميمة، ولن انس أبدا تلك الليالي التي قضيتها في منزلها وهي تطبخ لي وتحدثني عن حياتها وعن المشروع، كانت دي هاس شديدة الاهتمام ببحث الدكتوراه الذي كنت اكتبه لأنها كانت تحب زميلاتها اليمنيات وشديدة الفخر بإنجازاتهن. لقد ماتت مبكراً ويحزنني جدا أنها لم تر النتاج النهائي لهذا الجهد وهي الشخص الثاني الذي اهدي إليه هذا الكتاب.
ومن الكثيرين ممن قدموا لي الدعم والمساندة في اليمن اذكر محمد عيدروس، يوكا بورينخا، ديبي بيني، خالد الدبعي، علي غيلان، سام لولي وعبد الله السياري.
عندما قررت أن اجمع المادة الأولية لرسالة الدكتوراه في العام الأخير من عملي في الحديدة تلقيت دعما حماسياً وملهماً من الدكتورة اناليس مورز التي أشرفت على رسالتي للحصول على الماجستير وبقيتُ على اتصال دائم بها طوال فترة عملي في اليمن ولم يكن هذا الجهد ليرى النور بدون دعمها ومساندتها أو على الأقل كان سيبدو مختلفا عما هو عليه الآن. إن اهتمامها الأصيل بمشروع بحثي، وقراءتها المتعمقة لكل ما كتبت وتشجيعها الدائم لي لتحسين عملي وتجويده كان له أثر كبير وحاسم على النتاج النهائي للبحث وإنني لأشعر بجزيل الامتنان لها. كما أود أن اعبر عن فائق شكري لجاك فان در خيست للمساعدة القيمة التي قدمها لي وقبوله لي كطالبة دكتوراه بالرغم من انه لم يكن يعرفني قبل تنال اناليس درجة الأستاذية الكاملة، وكم اشعر بالامتنان للمساعدات التي قدمها لي خاصة في بعض القضايا ذات الطابع العملي كما اشكر له تعريفي بالأنثروبولوجيا الطبية.
لقد ساعدني العديد من الناس على العودة للمجال الأكاديمي بعد رجوعي إلى هولندا عقب ست سنوات من العمل في الخارج، وأود أن أخص بالشكر اليس يونكر الذي ابتعد مثلي لسنوات عن العمل الأكاديمي ولقد التقيته في الشهر الأول لعودتي وبالرغم من أننا لم نكن نعرف بعضنا البعض فقد انتهينا صديقين حميمين، وقد أسسنا معا نادي التاريخ الشفاهي الذي تحول إلى مجموعة دعم فعالة للباحثات الشابات في مجال الدراسات النسوية والذي أود أن أعرب عن شكري لكل أعضائه. كما أود أن أقدم شكري لأعضاء نادي دعم وحدة الأنثروبولوجيا الطبية بجامعة أمستردام ونادي أمستردام للانثروبولوجيا التابع لمدرسة أمستردام لأبحاث العلوم الاجتماعية. لقد مثلت اجتماعات هذه الأندية بالنسبة مصدراً غنياً للاستلهام الفكري والعلاقات الاجتماعية على حد سواء.
علاوة على أعضاء هذه الأندية، هناك أيضا العديد من الذين قرأوا كتاباتي وعلقوا عليها وساعدوني بطرق أخرى، وأود هنا أن أخص بالشكر كلا من ماريو باوتلر، جانين كلارك، رنيكا فان دالن، مارجريت فون فابر، رونيدا كونيخ، وندي لي، الين موير، كارين فان نيوكريك، مثياس بيلكمان، ناتالي بوتز، راشي سبرونك، إلى دي ريخت، ادا راوس، علي صالح العمري، ليدفين سخيبرس، وليم فان دي سخندل، ستيني شامي، ديلور والترز وفازير ساميندال. أما صديقتي ماريان رينز فقد شاطرتني أفكاري وكتاباتي الأولى. لقد اكتشفنا الانثروبولوجيا النسوية سوياً وسوياً طمحنا بأن نكون باحثتين وناشطتين في آن واحد. وقد تمكنت من تحقيق هذا الحلم أما هي فلم تعش لتحقق حلمها، وأنا اعرف كم كانت ستسعد بكتابة رسالة دكتوراه بنفسها ولذلك فهي الشخص الثالث الذي اهديه هذا الكتاب.
واعبر عن عميق شكري لمدرسة أمستردام لأبحاث العلوم الاجتماعية والمؤسسة الهولندية لتطوير بحوث المناطق المدارية اللتين وفرتا التمويل لأجزاء مهمة من بحثي، وهيأت لي مدرسة أمستردام لأبحاث العلوم الاجتماعية مناخا طيبا ويسرت إداراتها كل الدعم الضروري لعملي.
وقامت السيدة مارتا بالوش بمراجعة النص وتصحيحه وتحريره وأنفقت إجازتين ثمينتين في ذلك وتحملت عناء الحضور من لندن لمناقشة التعديلات القيمة التي اقترحتها والتي أقدرها حق التقدير. أتقدم بوافر الشكر أيضا للسيد تون سميت الذي صمم الغلاف واخرج الكتاب.
وأخيرا وليس أخرا أعرب عن خالص شكري لعائلتي وأصدقائي لدعمهم المستمر لي وأخص بالذكر والدي الذي اهتم دائماً بكل ما افعل وبقراءة كل ما اكتب تقريباً وأنا مدينة له بتطوير حسي للاهتمام بالبشر الذين يعيشون في ظروف غير مواتية وصعبة، كما أنني ممتنة لإخوتي أسرهم وأصدقائي العديدين الذين اهتموا بي رغم انشغالي ببحثي واتصلوا بي ودعوني إلي موائدهم وحفلاتهم ومسراتهم وغيرها. إن كتابة رسالة دكتوراه حول صديقاتي الحميمات في اليمن محاطة بأصدقاء وأقارب حميمين مثلهن في هولندا، بالرغم من فقداني لثلاثة منهن، شكلت بالنسبة لي سبيلا مثالياَ للشعور بالرضا عن فترة هامة من حياتي.
في الحلقة القادمة: الفصل الأول - رداع التجربة الأولى في العمل التنموي