ثورة 26 سبتمبر الخالدة.. بين الحقيقة والادعاء(2-2)
"ليست القحطانية والهاشمية ولا الزيدية والشافعية، ولا الفوضى والاستبداد غير مَظَاهِر لمشكلتنا الرئيسية: التخلف!"، رجل التنوير وصانع أحداث ومواقف استثنائية الشهيد محمد أحمد نعمان -رحمه الله- وهو يتحدث عن أزمة المثقف اليمني عام 1965م من كتابه: "الفكر والموقف"، ص267.
لنأتي إلى السؤال مرة أُخرى: لماذا لم يتم تنفيذ أهم أهداف الثورة اليمنية، أعني الهدف الثاني (بناء جيش وطني قوي، لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها)، والهدف الثالث (رفع مستوى الشعب اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا)، والذي تحقق جزء يسير منه فحسب؟! والإجابة، هي ما أطرحه بهذه الأسطر، ومن خلال اجتهاد شخصي وفهم خاص، رغم وجود العديد من زملاء المهنة وبعض المثقفين والمؤرخين وغيرهم، ممن قد يتوافقون على ما أطرحه هنا كرد على ما يخص عدم تنفيذ الهدف الثاني، والذي أحسب أنه يرجع إلى سببين اثنين:
أحدهما وجود بعض وربما معظم المحسوبين على الهاشمية السياسية عند قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، ومنهم مَن كان لهم دَورٌ مباشر في قيامها! فرغم وجود قلة منهم ممن كان لهم دَورٌ في ثورات وحركات ما قبل السادس والعشرين من سبتمبر ضد الإمامة، وهو دور معروف، حتى وإن كانت بعض أسباب ذلك ترجع إلى وجود تنافس جلي على السلطة مع الإمامة! إلا أن معظمهم بمن فيهم بعض من هؤلاءِ ممن تواجدوا خلال وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وعبر الممارسة في السلطة العليا العسكرية والأمنية والمدنية وفي مجال القضاء بوجه خاص، ظلت قلوبهم مع توجهاتهم السلالية الهاشمية، فظلوا تبعًا لذلك يحتكرون بعض الجوانب القضائية والمنح الدراسية وَغيرها، وبصورة أكثر ممن عَدَاهم، كما ظلوا يخلقون بعض المشاكل والعراقيل والأسباب لتوجهات الثورة بوجهٍ عام، بصورة مباشرة وغير مباشرة.. هذا التواجد المُريب ظلوا من خلاله ينخرون بجسد الثورة وبأهدافها عامة وبالهدف الثاني خاصة حتى يوم انقلاب 21 سبتمبر 2014م المشؤوم. وهذا الجانب إنما يُجَسد الإمامة الزيدية ذاتها فكرًا وأداءً، ليسهل عليهم وجوده كما كان قبلًا! بين القُبل السبع المحيطة بالعاصمة صنعاء (خولان، سنحان، بني حشيش، بني الحارث، بني مطر، أرحب، وبلاد الروس) بِوَجه خاص، وبين بعض قبائل إقليم (آزال) بوجهٍ عام! ومع انتشار التعليم بين أبناء هذه القبائل بما في ذلك دور: (المعاهد العلمية) وآلاف الخريجين من مختلف الجامعات العربية والغربية، ودون أن نتجاهل دور بعض أبناء هذه القبائل وبعض مشايخها في قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، وفي الدفاع عنها، إضافة إلى نشر الفكر والتنوير من بعض أبناء هذه القبائل بين أوساط المجتمع اليمني بِوَجهٍ عام، إلا أن تغلغل الفكر الزيدي بجانب الولاء القبلي والاستحواذ، ظلا يطغيان في الحضور عمَّا عَدَاهُما! بجانب سهولة انقياد بعض مشايخ هذه القبائل وأتباعهم لولاء مَن يرونه يحقق رَغَبَاتهم سواء المادية أو السلطة أو كليهما! وهو ما يميز اتسامهم بسرعة تغيير الولاءات والتناقضات وبصورة عجيبة ومُدهشة حِسًا ومعنى!
هذه القبائل، وبالصورة التي ذكرتها آنفًا، ظل غالبية الجيش وقادته منها، ومن خلال الجيش وقادته ظل التحكم بشؤون اليمن بكل ما ومن فيها، مما أدى إلى عدم تحقيق الهدف الثاني من أهداف الثورة اليمنية، بل وأهداف أُخرى، بخاصة وأن الولاء القبلي وتغلغل الفكر الزيدي بجانب حُب الاستحواذ بات ذلك بمثابة قاعدة لدى هذه القبائل. وللتأكيد على هذا، وبأن الإمامة الزيدية وفكرها والذي يُعتبر بجوهره جزءًا مكملًا لعنصرية واستحواذ السلالة الحوثية، فإن ما حدث يوم 21 سبتمبر 2014م المشؤوم يؤكد هذا.. فعلى سبيل المثال وجدنا يومها أن الفرقة الأُولى مدرع، بما مثلت من تنوع داخلها من خلال وجود معظم أبناء اليمن فيها، إضافة إلى البُعد الفكري المغاير للإمامة الزيدية لدى الرجل الأول بها بالذات! مع وجود عوامل أُخرى! كانت هذه الفرقة أو اللواء أو أحد أجزاء مكونات الجيش اليمني، الهدف الأول لتتار العصر عند قيامهم في البدء باحتلال العاصمة صنعاء! بينما بقية ألوية الجيش بما فيها (الحرس الجمهوري) لم يحدث أي احتكاك بها من الغزاة، وإنما كانت عاملًا رئيسيًا في الإسهام باحتلال العاصمة صنعاء، والتي كان معظم الألوية العسكرية والأمنية بها جزءًا رئيسيًا لهذا الاحتلال وسرعة السيطرة على العاصمة، إذ لم يُوجد من يقف ضد التتار عَدَاهم! وتأكد تمامًا أن ما سُمي (هيكلة الجيش) إنما كان مجرد ظاهرة صوتية غير صحيحة، فقد ظل الجيش تحت سيطرة وتوجهات الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح -رحمه الله وعفا عنه- والذي كان وراء سهولة سيطرة الحوثة على عمران وصولًا إلى صنعاء، إلا أن الولاء القبلي القائم على الفكر الزيدي، بجانب حُب الاستحواذ الذي يُعد ضمن عقيدة الجيش بِوجه عام، كان أيضًا وراء تسهيل بل مساعدة التتار باحتلال العاصمة صنعاء وبقية محافظات إقليم آزال بالذات!
ولا جديد بهذا، فالقُبل السبع المحيطة بها ظلت ولاتزال هَمًا يمنيًا عامًا! فمنها تمت استباحة العاصمة صنعاء عام 1948م، ومنها تمت محاصرة العاصمة صنعاء نهاية عام 1967م وبداية عام 1968م حتى انقلاب 21 سبتمبر 2014م المشؤوم.. ومن نفس هذه القبائل وبنسبة 80% من قبائل ومحافظات اليمن الأُخرى، هي التي باتت ولاتزال تُغَذي الجبهات الحوثية لقتال أشقائهم! الخ.
لذا، ما أوردته هنا يعطي ردًا على أهم سبب أو أسباب عدم تنفيذ الهدف الثاني من أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، مكررًا هنا عدم نكران بعض أبناء هذه القبائل في قيام الثورة والدفاع عنها، بما فيها خلال حصار السبعين يومًا للعاصمة صنعاء، لكن احتكار الجيش وقادته منها، والتغلغل الفكري للزيدية الهاشمية داخلها، ثم الاستحواذ، وهو القاسم المشترك، أفقد جوهر الهدف الثاني من أهداف الثورة، وهو نفسه الذي كان ولايزال له دور سلبي عسكريًا وأمنيًا وتنمويًا، وبالوضع الذي بتنا نعيشه في اليمن اليوم!
ولذا، لا غرابة أن تُواجه "الشرعية"، ومن أول يوم الانقلاب الحوثي، عدم وجود جيش فاعل مع العتاد من أجل تحرير العاصمة صنعاء، باستثناء بعض من القيادات والأفراد الذين انضموا للشرعية، وهو ما يعني بداية بناء جيش جديد عددًا وعتادًا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى! وتحرير المحافظات الجنوبية ومدينة تعز وبعض مناطقها كان للتحالف دور كبير بذلك، بجانب انضمام مختلف شرائح المجتمع اليمني بخاصة في تعز لتحريرها من الهيمنة الحوثية، ومن الجيش السابق نفسه!
وحينما ظل بعض الصحفيين يطالبون بنقل العاصمة من صنعاء، وأنا أحدهم، ليس انتقاصًا لمدينة صنعاء التي تُعاني هي الأُخرى من القبائل المحيطة بها، وإنما بسبب قرب العاصمة من هذه القبائل ذاتها! فالعاصمة صنعاء يختلف أبناؤها عن القبائل المحيطة بهم عرضًا وجوهرًا.
لنأتي إلى سبب عدم تنفيذ الهدف الثالث من أهداف الثورة (رفع مستوى الشعب اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا!)، ولنركز على الجانب الاقتصادي والتنموي.
فمن المعلوم أنه منذ حدوث انقلاب عام 1948م مرورًا بانقلاب عام 1955م ووصولًا إلى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، كان الوضع الاقتصادي والتنموي ببعض الدول العربية عامة وبدول الخليج خاصة ليس أفضل من الوضع في اليمن عدا بجزء يسير، فقد كانت دول الجوار تعاني هي الأُخرى من هذه الجوانب، وإن لم يكن بنفس حجم معاناة اليمن في كل الأحوال!
والسؤال هنا: ما الذي جعل من دول الجوار بالذات رائدة في تقدمها الاقتصادي والتنموي وبرفاهية شعوبها بوجه عام عكس اليمن؟!
بالتأكيد لا بد أن يكون للثروات النفطية دورٌ كبير بذلك، لكن ذلك لم يكن كافيًا! فقد كانت العراق وليبيا لا تقل ثرواتهما النفطية عن السعودية وبقية دول الخليج! وهذا على سبيل المثال لا الحصر!
والرد على السؤال، كما يرى كاتب هذه (الأحرف)، يرجع إلى وجود قيادات فاعِلة ومخلصة لوطنها، لديها القُدرة على مُسَاعدة شعوبها في الانتقال من حياة ماضيها إلى حياة حاضرها ومستقبلها بكل ما يمثل ذلك من تطور ورخاء ورفاهية، إضافة إلى قدرة هذه القيادات على اتخاذ قرارات تُتَّخذ بكل مَهَارة، مع وُعود لشعوبها قادرة على الوفاء بها! ثم، وهو الأهم، وجود ثقة بين القيادة وشعوبها، وقرب القائد من شعبه عَرضًا وجوهرًا.. وتلك هي قيادات السعودية ودول الخليج، عكس الدول العربية النفطية الأُخرى، وعكس اليمن تمامًا! الذي لم يجد القائد الموصوف بهذه الصفات ولا حتى ببعض منها! وهذا هو من أهم معاناة اليمن حتى اليوم!
وللتأكيد على ما قلتهُ آنفًا، فإن من المُستحيل مقارنة الإمام يحيى حميد الدين بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فالأول ظل (بقصره) لا يفارقه إلا نادرًا! واحتجابه عن شعبه يُعد قلة علم بالأُمور المحيطة به رغم وجود قلة من مُستَشَاریه، لكنهم غير جديرين بمهامهم! وذلك يؤدي أيضًا إلى أن يَصغر عنده الكبير، ويعظهم الصغير، وَيُقبح الحسن، ويُحسن القبيح، فيختلط الحق بالباطل، وكل ذلك يؤدي إلى بقاء الشعب جاهلًا وغبيًا ومتخلفًا! بينما الملك عبدالعزيز ظل على تواصل مُستمر من يوم فتحه للرياض بشعبه، وأحاط نفسه بمُستشارين كبار عربًا وغير عرب، لهدف الاستفادة منهم لخدمة وطنه وشعبه! بجانب تميزه بذكاة استثنائي، وبمصداقية وإخلاص وحِكمة وبُعد نظر من أجل حاضِر ومستقبل شعبه ووطنه، وما أقوله عن الإمام يحيى والملك عبدالعزيز، ينطبق تمامًا على كل من جاءَ بعدهما من قادة هنا وهناك، حتى لو اختلف العرض، فإنه لا يختلف الجوهر!
لذا فإن غياب قيادات فاعلة وصادقة ومخلصة وغيورة على وَطنها وشعبها في اليمن، من أهم أسباب عدم تنفيذ الهدف الثالث من أهداف الثورة اليمنية، إلا ببعض الجوانب الثقافية بالذات..!
ولا بأس أن أضيف بالحديث هنا إلى الهدف الرابع من أهداف الثورة اليمنية، وهو: (إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمدًا أنظمته من روح الإسلام الحنيف!)، فلم يتحقق هو الآخر على أرض الواقع باستثناء جزء يسير منه، والذي يتعلق بجوانب التعاون الشعبي، والذي سَادَ بِمنتصف السبعينيات من القرن المنصرم. وسبب عدم تنفيذه كما يجب وكما أرى، هو عدم وجود أحزاب ديمقراطية قوية وفاعلة تنطلق من واقع المجتمع اليمني، وتؤدي دورها في مجال التوعية السياسية والحزبية الفاعِلة والمنضبطة! فرغم وجود العديد من الأحزاب من بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، إلا أن أداءها أو بعضه ظل مرهونًا بتوجهات خارجية! كما ظلت تعمل بصورة غير معلنة، حتى قيام الوحدة اليمنية المُباركة، ليظهر العمل الحزبي إلى العلن، وليطغى في أدائه العديد من القصور، وإلى درجة خروجها عن أوجه الممارسة الديمقراطية المُعلنة ظاهريًا، وعن قواعدها، وليكون ذلك سببًا من أسباب حرب عام 1994م الظالمة، وليزداد الأمر سوءًا بعد تلك الحرب، حينما انفرد أكبر حزبين بالسلطة، ثم، رغم انفراد أحدهما بالسلطة من بعد عام 1997م، إلا أن كليهما ظلا المهيمنين على مجمل الممارسات شبه الديمقراطية، وليظل اختلاط الانتماء القبلي والفئوي وحب الاستحواذ المُطلق بالجانب الحزبي لدى كليهما، مع بعض الفارق! وصولًا إلى حدوث انشقاقات جَلية أثناء وبعد ثورة الشباب، وظل التقاسم الوظيفي موضع تندر لدى غالبية أبناء الشعب اليمني، والذي ازداد بؤسًا بعد دخول مكونات ومجالس جديدة، ليظل المؤهل الأول لشغل منصب أو وظيفة كبيرة، هو الانتماء لهذه الأحزاب والمكونات والمجالس، مع الفارق! وهذا قد يدفعنا إلى تحميل المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح وصولًا إلى المجلس الانتقالي القسط الأكبر مما عاناه ولايزال يُعَانيه الشعب اليمني من محن اليوم!
لذا، فإن الهدف الرابع من أهداف الثورة اليمنية لم يتحقق إلا بصورة ضئيلة جدًا، بخاصة وأن الانتماء القبلي والمناطقي والفئوي ظل يطغى على الممارسة الحزبية الحقيقية والفاعلة، وبعض وربما معظم الحزبيين محسوبون على فئة (المثقفين)! وهذا يؤكد مقولة الشهيد محمد أحمد نعمان -رحمه الله- والمتصدرة لهذه "الدردشة"، إذ لا فرق كبيرًا بين مثقفي عام 1965م وبين مثقفي أو حزبيي اليوم! طالما والانتماءات القبلية والمناطقية والفئوية لاتزال عند الممارسات الحزبية والحملات الانتخابية بالذات هي السائدة حتى اليوم. وما بات يحدث اليوم من تراشق إعلامي وعلامات تخوينية وبمختلف وسائل الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعي بين الحزبين، إنما يعطي المزيد من فشل الحزبية في اليمن، بخاصة وأن هذا يحدث في الوقت الذي يتربص عدوهما بهما وبالوطن أرضًا وشعبًا، وهو ما قد يطالب أمثالي بتجميد الجوانب الحزبية (مؤقتًا)، تمهيدًا لبناء أحزاب ومنطلقات حزبية تطبق ما تعنيه الحزبية عرضًا وجوهرًا!
كذلك، ما أوردته هنا يؤكد أن ورثة الأحرار إلا القلة هم الذين ينطبق عليهم ما قاله البعض عن الثورة والمتصدرة لهذه المقالة بحلقتها الأولى، وأن ما قاله البردوني بات هو المعروف عمن تسلموا السلطة ممن قاموا بالثورة! و من يتأمل جيدًا بجوهر الأبيات الشعرية (البردونية) سيتأكد من ذلك حتمًا، كما أن مقولة "الفضول": "شعب بحمد الله يمشي للورا"، لاتزال هي المهيمنة على واقع المجتمع اليمني، مع بعض الفوارق بين هنا و هناك وهنالك.. وما وجود أنصار وزنابيل للمدعو عبدالملك الحوثي، إلاَّ تأكيد لذلك، بخاصة معظم مَشَايخ وقبائل القبل السبع المحيطة بصنعاء وبعض من مشايخ وقبائل إقليم (آزال)!
وقد يتساءل القارئ لهذه "الدردشة" إن وُجد ما الذي يراه كاتبها لحل مَشَاكل وعلل ومحن اليمن؟! والإجابة كما أعتقد بل أجزم شخصيًا، يبدأ الحل أولًا بانتهاء الظاهرة الحُوثية عبر (القوة)! مع تنظيف كل ما عَلِق بأذهان العامة في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات والمناطق التي لاتزال محتلة حوثيًا وإيرانيًا.. تنظيفها من كل ما أحدثه الحوثي من آراء وأفكار وتصورات وغير ذلك.
وبعدها يبدأ تنفيذ مخرجات الحِوار الوطني بأقاليمه الستة، والتي عالجت معظم الجوانب السياسية والحزبية والثقافية والاجتماعية، بخاصة وأن الذين صاغوها يمثلون كل شرائح المجتمع اليمني دون استثناء.
فتنفيذها دون تغيير ولا تكييف ولا زيادة أو نقصان، هو المخرج الوحيد لمجمل مشاكل ومحن اليمن ولبناء حاضره ومستقبله، كما يرى كاتب هذه الأحرف، مستغربًا من عدم تنفيذ ما يخص الأقاليم المحررة حتى اليوم!
إن بعض أهم الدوافع لكتابة هذه المقالة بحلقتيها الاثنتين، ومناقشة أهداف الثورة اليمنية أو بالأحرى الأهم منها، وذات الصلة المباشرة بالمجتمع، وأسباب عدم تنفيذها كما أرى، إنما يرجع إلى مُشَاهدتي ليلة السادس والعشرين من سبتمبر الماضية لأربعة خطباء عبر بعض الفضائيات وبوقت واحد، وباستثناء خطاب فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي -رئيس مجلس القيادة الرئاسي- باعتباره الرئيس الشرعي لليمن، والمعترف به محليًا وإقليميًا ودوليًا، فإن من عداه ممن سمعنا خطاباتهم، إنما ذلك مجرد ادعاء وحب الظهور من خلال استغلال هذه المناسبة المجيدة، إذ لا علاقة لهم بما ادعوه بثورة السادس والعشرين من سبتمبر ولا بأهدافها، بخاصة وأنهم دون صفات رسمية! مع أن هذا الادعاء أيًا كانت دوافعه، إنما يؤكد على عظمة وسمو ونبل ورفعة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، وأهميتها لدى مختلف أبناء المجتمع اليمني، إلا من به مرض، وقليلٌ ما هم!
وإن تعجب فعجبٌ ظهور (مشاط) صنعاء الذي يدعي هو الآخر بما ادعى غيره! رغم أنه يمثل توجهًا مُغايرًا للثورة! ولكونه مجرد هاوٍ، طارئ على دنيا السياسة، غير قادر أن يرى أبعد من أنفه وذاته! فمن كان يتخيل وصولنا إلى هذا الوضع المؤلم، وبعضنا يشاهد أمثال هذا النكرة؟!
وأحسب أن مُجمل ما ذكرته آنفًا بوجهٍ عام، إنما يؤكد الفارق الجلي بين الحقيقة والادعاء حول ثورة السادس والعشرين من سبتمبر!
أخيرًا، ربما كان يمكنني التزام الصمت عند مشاهدتي لتلك (الغاغة) ليلة السادس والعشرين من سبتمبر، كحال بعض زملاء المهنة على الأقل، لكن الكتابة عندي ليست مجرد وسيلة استثمارية لتحقيق مكاسب مادية أو غيرها! وإنما أعتبرها ضرورية، كتعبير للوجود، وكغريزة للبقاء والاستمرارية في هذه الحياة مع التعايش في الواقع الذي أتواجد فيه، وكأداء لبعض ما أراه من خلال تقديم ما قد أعتبره فهمًا لبعض القراء بما قد أرغب بقوله لهم! ثم وهو الأهم، أكتب من أجل الوطن أرضًا وإنسانًا، من خلال الكلمة التي لا يملك أمثالي عداها! وبراءة للذمة، وأداء للواجب، وصونًا للمستقبل، ثم عظة وعبرة التاريخ.