خطة ترامب في غزة انتصار لنتنياهو

نتنياهو وترامب
رُتب كل شيء قبل لقاء ترامب ونتنياهو، وقرأ ترامب بيانًا أُعدّ له بموافقة نتنياهو المسبقة. ترامب لم يكن سوى ببغاء. سبق البيان اجتماع بين نتنياهو وجاريد كوشنر، صهر ترامب الذي ليس له وظيفة رسمية، ومبعوثه ويتكوف، وكلاهما يهوديان صهيونيان يعملان في العقارات كترامب.
حقق نتنياهو معظم أهداف إسرائيل من الحرب والحصار والتجويع في غزة. البعض قد يفرح لتنازل ترامب عن تحويل غزة إلى مشروع عقاري، الريفييرا الترفيهية بغزة، الذي كان هدفه كما يقول المثل اليمني: "فجعه بالموت يرضى بالحمى". بعض العرب يعتبرون الخطة نصرًا، وهي ليست برمتها كذلك، ولموازين القوى أثره. كلمة الإرهاب حضرت في الخطة، وغابت المقاومة التي جُوهلت رغم مشروعيتها وتوقيع العرب والمسلمين على قرارات عربية ودولية اعتبرت مقاومة المحتل، بما فيها استخدام العنف، مشروعة.
تضمنت الخطة موافقة عرب ومسلمين على تسليم المقاومة سلاحها وحرمانها من حقها في لعب دور سياسي ومن المشاركة في تقرير مصير غزة.
وهذا تنازل في غير محله واعتداء سافر على حقوق لا تقبل التصرف، ولا سابقة لها، وجائزة للمحتل والمعتدي ونصيره الأمريكي. العرب والمسلمون أعلنوا تعبهم بموافقتهم على أن المقاومة إرهاب، وأنها هي المذنبة، وليس إسرائيل المحتلة والمعتدية التي تتظاهر ضدها معظم شعوب الكرة الأرضية، ما عدا المدجّنون العرب. باختصار: أُدينت المقاومة عربيًا وإسلاميًا، وهذا انتهاك لإجماع عربي-إسلامي على مدى 77 عامًا حول الموقف من فلسطين، وقد نجح ترامب نيابة عن نتنياهو في تجاوزه واعتباره من الماضي.
غياب الضفة
مشروع إي واحد E-1 لفصل شمال الضفة عن جنوبها يسير على قدم وساق، وسيلحق أبلغ الضرر بالدولة كهدف مجمع عليه. الضفة، التي لا تزال تُحاصر ويُقتل أبناؤها وتُهدم منازلها وتُحرق مزارعها وتُنتهك حرمة أقصاها وتُستباح مخيماتها، لم تكن في الحسبان لا عند الحليفين ولا عند قادة العرب والمسلمين الذين التقاهم ترامب وبنى رؤيته على توافقه معهم قبل أيام، بغياب ممثل فلسطين الرسمي: السلطة الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد"!
توني بريمر مندوب إسرائيل في غزة
سيقوم توني بلير بتفكيك غزة وإعادة تركيبها بما يخدم إسرائيل. بلير معلوم عنه انحيازه العلني لإسرائيل، الذي بدأ قبل أربعين عامًا بعد زيارته لإسرائيل وهو نائب في مجلس العموم. وحينذاك ملأ رصيده النقدي بمصروف جيب غير رمزي، ولبس الكوفية اليهودية التي تشير إلى ولاء لابسها الكامل للمشروع الصهيوني، من قبل كل من تدعوهم إسرائيل إلى زيارة ترفيهية تشمل دعوات على أفخر الأطعمة وغسيل الدماغ وزيارة الشواطئ. عادةً تتم الزيارات في أغسطس من كل عام، وزيارة حائط البراق ومتحف "ياد فاشيم" الذي سيفتتح فرعًا له في ألمانيا قريبًا.
بلير لا يقل انحيازه لإسرائيل عن انحياز ترامب. سيعيد بلير مع فريقه، الذي سيختار بعناية وقد يضم إسرائيليين يحملون جوازات غربية، هندسة الغزيين: ثقافة وتعليمًا وإعلامًا. وسيعلمهم حب الجار الذي اغتصب أرضهم وشنّ عليهم عدة حروب مدمرة وحاصرهم منذ عام 2008 وحتى عام 2025. سيكون ما قاله نتنياهو أن التعليم الفلسطيني يعلم الكراهية بمثابة برنامج عمل لقنصل أمريكا في غزة، وقد يفرض رواية مزيفة لتاريخ فلسطين في المناهج التعليمية، وغسيل العقول سيكون مهمته الأولى.
عندما كان بلير رئيسًا للرباعية بتعيين أمريكي أيضًا أعطى الاقتصاد أولوية على قيام الدولة، وهو الذي طلب بإلحاح من رئيس السلطة عدم طلب أي شكل من أشكال العضوية في الأمم المتحدة. هنا لن ننسى أنه غزا واحتل العراق لصالح إسرائيل مع أمريكا، ودمّرا حضارته وفكّكا جيشه ونسيجه الاجتماعي وسرقا ثروته وصنعاه بحالته الضعيفة حاليًا.
الدولة سراب
نتنياهو لم يتحدث عن انسحاب كلي، وزاد على ذلك أن إسرائيل ستتولى الأمن في غزة ورفض مشاركة السلطة في إدارتها، وتحقق له ما أراد بموافقة عربية وإسلامية. من المهم قبل أن تتسرع الدول العربية فرادى بالترحيب بالخطة أن تتدارسها وتحدد موقفًا جماعيًا تفصيليًا منها، لصلتها الوثيقة بمستقبل الفلسطينيين ووحدة غزة والضفة وحلم الدولة الذي تبدد كليًا اليوم بعد الحصول على دعم دولي رسمي وشعبي لها.
والتأمل المعمّق في تكرار نتنياهو القول بأن إسرائيل وأمريكا ستغيران الشرق الأوسط، أي دولهم، بمفردهما طبعًا. ذكرت الدولة الفلسطينية في المادة 16 من الخطة، وهي مطاطة ولصالح إسرائيل، تقول: "مع تقدم إعادة إعمار غزة وتطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد (قد فقط) تتهيأ الظروف أخيرًا لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه طموح الشعب الفلسطيني". طموح فقط، وليس حقًا غير قابل للتسويف نصّ عليه قرار التقسيم عام 1947 وعشرات القرارات الدولية.
هذه المادة، بموافقة عربية وإسلامية، تعني أن قيام الدولة قد لا يحدث إلا بعد عشرين عامًا، وآنذاك تكون الضفة قد هُوِّدت بالكامل.
فصل غزة عن الضفة
من أهداف إسرائيل الاستراتيجية إضعاف السلطة وشل فاعليتها لخلق هوة بينها وبين الشعب الفلسطيني، برغم استمرار التنسيق الأمني، وحصر تواجدها في رام الله، مع مستقبل غامض لها يظل دائمًا بيد إسرائيل. استراتيجية الطرفين الأمريكي والإسرائيلي هي تصفية القضية الفلسطينية بدون تطهير عرقي، وتطبيع وسلام مقابل السلام، وتوسيع الاتفاقات "الإبراهيمية" كمسار وحيد للسلام. وكما قال ترامب: لرفاهية من يمضي فيه.
في تحدٍّ وقح مدح ترامب دوره لإنجازه الاتفاقات الإبراهيمية، ونقل سفارة أمريكا إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، ولم ينقصه إلا المطالبة بجائزة نوبل للسلام. كل هذا وترامب "صديقنا وحليفنا وشريكنا الاستراتيجي"، ونحن له شاكرون وممتنون.
العرب
سيسوقون خطة ترامب–نتنياهو ويشاركون في تطبيقها، وسيصورون لشعوبهم أنهم انتصروا لأن الفلسطيني باقٍ على أرضه. البقاء انتصار فعلًا، لكن من قال من الفلسطينيين، وهم يُهجّرون بالقوة المفرطة داخل القطاع ويعانون الجوع والعطش، سيقبلون ترك وطنهم؟ الغزي يعلم أولاده أنهم من يافا أو عكا أو دير ياسين أو الجليل، وأنهم ضيوف في غزة، لأن ثقتهم بعودتهم إلى وطنهم الذي تركوه بالقوة الباطشة والإرهاب عام 1948 لم تتزحزح أو تضعف رغم معاناتهم منذ عام 1948.
عباس، من كبوة إلى كبوة
رحب فور انتهاء المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو بالخطة، وكرر مطالبته للمقاومة بإلقاء سلاحها، ولم يقل كعادته بتسليمه لها، لأن إسرائيل لم تعد تعترف به وتعارض رغبته وترى أن يتم تسليم السلاح وفق شروطها، لأنها تريد هزيمة ساحقة للمقاومة ولمشروعيتها. التسليم إذلال للفلسطيني في غزة والضفة والشتات وللعرب، ولن تكسب منه السلطة سوى الحنظل.
قطر
ما كان يجب عليها أن تقبل التحدث مع نتنياهو وقبول أسفه وتطلب اعتذاره. كان يجب عليها طلب التعويض لشهيدها وللشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا على ترابها، وعدم القبول بحق إسرائيل بقتلهم وهم في حمايتها. وعدم تكرار ذلك، والتعامل مع الفلسطينيين كبشر لا تقل قيمتهم عن مواطنها القطري. كان عليها أن تواصل غضبها من عدوان إسرائيل وتصر على اعتذار رسمي ببيان يلقيه نتنياهو أو صادر عن حكومته.
إن المحادثة ليست سوى نوع من أنواع التطبيع، الذي عبر عنه ترامب بالقول بأنه وضع العلاقات القطرية–الإسرائيلية على مسار إيجابي، وأن لجنة ستتعامل مع مشاكل البلدين.
يا قافلة، عاد المراحل طوال.