نفحات إيمانية.. في رُبُوع الحرمين!
ها أنا أقف بكل خشوع أمام الكعبة المشرفة، بعد أن انتهيتُ من أداء مناسك العُمرة، والذي يتكرر لعشرات المرات بحمد الله وتوفيقه.. أقف منبهرًا، كأنني أشاهد الكعبة لأول مرة، شاخصًا بصري تجاه قبلة المسلمين في مَشَارق الأرض ومغاربها، حيث يتجهون بصلاتهم إليها في اليوم والليلة خمس مرات.. ثم وهو الأهم، وأنا أشاهد الكعبة والطائفين عليها، والمصلين من كل جوانبها داخل الحرم وخارجه، أظل أتعمق أكثر بمدى عَظمة جوهر الإسلام وروح العقيدة اللذَين هما من أهم أسباب هذا الجَمع الموجود داخل الحرم وخارجه، وفي مكة المكرمة كلها، وعلى مدار العام، إنها العقيدة التي هي سبب وجودهم هنا، ثم توحدهم عرضًا وجوهرًا -ولو مؤقتًا!- رغم اختلاف أوطانهم وأجناسهم ولغاتهم! وإن كان هذا التوحد دنيويًا خارج تواجدهم بمكة المكرمة، يتلاشى، بل يكاد يغيب تجاه بعضهم البعض، وتجاه بعض أهم قضاياهم المصيرية والعامة، ولأسباب معظمها قد تكون خارج رغباتهم! إلا أن تواجدهم في الحرم المكي الشريف يوحدهم عَرضًا وجوهرًا حتى ولو حسب الظاهر! حيث يحسون في قرارة أنفسهم، ومن خلال الإيمان بخالقهم وبوجدانهم وشعورهم بتوحدهم وبقربهم من خالقهم وهم يطوفون ويسعون لترتفع إليه سبحانه وتعالي الأكف ضارعة ومناجاة إليه أن يوحد قضاياهم المصيرية والعامة، بقدر توحدهم من خلال أدائهم لشعائرهم ومدى قربهم من بعضهم البعض عند تواجدهم في الحرم الملكي الشريف.
ولذا، فقد ظللتُ أسمع مناجاة بعضهم لخالقهم، ومنهم فلسطيني كان واقفًا بجواري، والذي خَلَّف بعضًا من أقاربه وأبناء شعبه المُتعَايِشين بين نيران العدو ونيران الحصار، وباتت مدينة "غزة" أثرًا بعد عين، بعد أن ظل ولايزال يختلط الدم بِكِسرة خبز وجرعة ماء! ها أنا أسمعه يناجي ربه بالفرج على مدينته ووطنه وشعبه، وبالتوحد الفلسطيني الذي لاتزال الفرقة بين "رام الله" وبين "غزة" وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وإلى درجة ارتفاع الشجب والاستنكار العربي والإسلامي والإنساني ضد ما يحصل في غزة من تخريب وتدمير للأرض والبشر على مرأى ومسمع العالم.. ربما -أكرر ربما- يعلي على شجب واستنكار بعض قادة "رام الله"! وما سماعي لمناجاة الفلسطيني لربه بما ناجاه به إلا لمعرفته بواقع شعبه وقيادته ووطنه أكثر ممن عداه!
وعلى يميني، أسمع الشقيق السوداني يناجي ربه، طالبًا من ربه وضع حد للحرب الدائرة داخل وطنه، والتي باتت مُدمرة للأرض والبشر! والتي معظمها تحدث بِفعل خارجي، وجزء منها بفعل محلي، ووقودها الأبرياء!
بينما على يساري أسمع عِرَاقيًا (حُرًا!) يناجي ربه هو الآخر أن يرحم وطنه من بعض أبنائه ممن أجسادهم في العِرَاق وأرواحهم وعقولهم وأفئدتهم في إيران التي نشرت في وطنه الخراب والدمار والذل والهوان، بعد أن كان عِراق الأمس أُنموذجًا للكبرياء وللنخوة والشجاعة، لتهدي أمريكا العراق بكل ما ومن فيه بعد احتلالها له لإيران حتى باتت تتدخل بمجمل شؤونه الخاصة والعامة!
وعلى مقربة مني أيضًا أسمع شقيقًا لبنانيًا يناجي ربه بأن يرفع الغُمة عن وطنه، الذي كلما أراد النهوض والخروج من أهم مشاكله ومحنه، تأتي التدخلات الإيرانية بصورة مباشرة حينًا وعبر حلفائها ممثلين بـ"حزب الله" وغيره، أحيانًا، ليقفوا ضد رغبات وتوجهات الشعب اللبناني الشقيق رغم ما بات عليه حزب الله ذاك من ضعف ووهن!
بينما أسمع الشقيق السوري وهو يرفع كفيه إلى خالقه حامدًا وشاكرًا على وضع وطنه الجديد بعد أن تطهر من رجس "الفرس" و"العلويين"، وأن يحفظ وطنه ممن لايزالون يكيدون له المكائد، ويزرعون الفتن بسبب فقدانهم نفوذهم ونشر مذهبهم وخزعبلاتهم، وقهرًا على تلك المليارات التي فقدوها في أحد عشر يومًا فحسب، بفضل الله، ثم بفضل بعض أشقاء وطنه، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي لم ينسَ الدعاء لها بالاسم قيادة وحكومة وشعبًا!
ثم، ها أنا أسمع شقيقي وابن وطني اليمني الذي يناجي ربه أن يضع حدًا لخلافات قادته الشرعيين، لينصرفوا إلى تحرير وطنه من الاحتلال الإيراني -الحوثي، وأن يعيده ويعيد كل المشردين إلى وطنهم ومنازلهم ومزارعهم وأعمالهم، بجانب طلبه من ربه وضع حد لمعاناة أبناء وطنه ممن لايزالون في المحافظات المحتلة، وفي مقدمتها عاصمتنا العزيزة صنعاء، والذين يذوقون الأمرين، وباتوا ينشدون أبسط الضروريات الممكنة، بخاصة من بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014م المشؤوم! كما يُجبرون على أداء طقوس وممارسات لا علاقة للإسلام ولا لمكان ومكانة اليمن بها! ويساقون كالأنعام عند الحاجة للحشد لتظهر المليشيات على غير حقيقتها!
وهناك الباكستاني والهندي والإفريقي وغير هؤلاء، وهم كُثر، ممن ظللتُ أسمع مناجاتهم لربهم برفع الغُمة بمختلف اللغات واللهجات، وإن لم أستوعب عدا بعضها، فالكل يطلب من خالقه رفع الغمة عن معاناتهم الخاصة والعامة.
هكذا ظللت أسمع العديد من الأشقاء بالعقيدة ممن سُعدتُ بالتواجد معهم على (صحن) الكعبة المشرفة، وقابلتهم وجهًا لوجه وهم يناجون ربهم بكل حب وتضرع ورجاء وثقة بالاستجابة، والذين بقدر حجم فرحة تواجدهم على أرض الحرم المكي الشريف، بقدر حجم حزنهم وقلقهم عن وضع أوطانهم وأمتهم! فما بات يجمع الكل دون استثناء، هو حجم المعاناة العامة التي باتت تعاني منها الشعوب العربية والإسلامية، وما ذلك إلا بسبب سقوط همم المسلمين بوجه عام إلا من رحم الله! وإن تعجب، فعجب قيام بعض الهواة الطارئين ممن جاؤوا لهدف الظهور ممن يستغلون تواجدهم في الحرم المكي الشريف بفضل التسهيلات التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين، فيرفعون بعض الأعلام لهدف الإساءة لحكومة خادم الحرمين الشريفين التي لولاها بعد الله لَمَا جاء هذا الجمع الكبير، والتمتع بالأمن والأمان وسُبل الراحة.. ولذا لا غرابة أن يُواجه رجال الأمن مثل هؤلاء دون تردد! ودون أي اهتمام لردود الأفعال أيا كانت، والتي هي من بعض أهم أسباب دوافع أُولئك الصغار ممن يرفعون بعض الأعلام!
وحينما جاء وقت صلاة العِشَاء، أدينا الصلاة جميعًا خلف إمام واحد! فتذكرتُ بعد أداء الصلاة وأنا أشاهد حجم المصلين والقيام بأداء الفريضة وبصورة تؤكد مدى عظمة جوهر الإسلام ونظامه، تذكرت ما كان عليه أداء الصلوات الخمس حسب ما قرأت بغير كتاب، حينما كانت تقام أربع مرات عند أداء كل فريضة بحسب كل مذهب من المذاهب الأربعة! حتى جاء الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وأمر بتوحيد أداء الصلاة، ووضع حدًا لذلك الأداء غير المُستساغ لا دينيًا ولا فطريًا!
"فالله أعلم حيث يجعل رسالته".
وحينما خرجتُ من صحن الحرم المكي الشريف، ظللتُ أمشي الهوينى، متذكرًا كل مكان أضع فيه قدمي، أنه كان موضع المكان الذي تواجد فيه الرعيل الأول من رجال الله، وفي مقدمة تلك الأمكنة، مكان مولد سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث تم بناء "مكتبة مكة" التي تم بناؤها بنفس المكان الذي وُلد فيه، بعد اندثار المنزل ذاته بفعل الزمن، ولكيلا يتحول مكان ميلاد الرسول -صلَّ الله عليه وصلم- إلى مكان أو أمكنة تُمَارَس فيها طقوس غير مُستحبة، لتأتي فكرة إنشاء مكتبة عامة، ولتضع حدًا لذلك!
أجل، هذا المكان الذي وُلد فيه سيدنا وحبيبنا محمد، ليرسله الله رحمة مهداة للناس كافة، وظهر بنفس الأرض رجال حوله! والذين بفضل الله ثم بفضل هذا النبي الكريم وبقيادته، نشروا الإسلام في ربوع الأرض، من أجل تحويل عبادة العباد إلى عبادة الله، ونقلهم من جور الدنيا إلى عدل الله دُنيا وأُخرى.. وما أقوله عن الحرم المكي الشريف، أقوله عن الحرم النبوي الشريف ومدينة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- فما أجملها من أيام خالدة قضيتها في ربوع المدينة المنورة بعد أيام مماثلة قضيتها في مكة المكرمة، المدينة التي فتحت ذراعيها لاستقبال سيد البشر، ولتكون منطلقًا لنشر الإسلام ورسالته الخالدة في ربوع العالمين.
وظللتُ أتردد على الحرم النبوي الشريف كل يوم خمس مرات، وكلما تواجدتُ فيه، ظللتُ أتذكر تواجد الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- مع ثُلة من صحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار، يتدارسون ما ينزل عليه من آيات قرآنية بين حين وآخر، بل أقرأ إحدى السور (المدنية) وأنا بنفس المكان الذي نَزَلت فيه! وأتخيل مجلس الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- الذي منه ينشر تعاليمه، ويدرس القيام بمهام الجهاد في سبيل الله، ويوجه صحابته الكرام، ويقوم بتعليمهم وتهذيبهم، ناشرًا رسالة الله.. المجلس الذي تكاد قلوب المؤمنين في كل مكان تطير شوقًا إليه، حيث تلقى التعليم ومكارم الأخلاق ومعالي الهمم التي ظل الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- يتجلى بها، بجانب كونه أفصح الناس لسانًا، وأرجحهم عقلًا، وأسرعهم فهمًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، فظلت حياته بالمدينة المنورة كما كانت حياته بمكة المكرمة، كلها حياة عمل وتعليم وجهاد.
وظللتُ أتردد على تكرار السلام عليه -صلَّى الله عليه وسلم- وعلى صاحبيه.. ومع زحمة المتواجدين أمام قبره الشريف، اخترتُ وقتًا مناسبًا، لأجد متسعًا من الوقت، ولأتذكر بعد السلام عليه، وأنا أرفع نظري نحو قبره الشريف، أُولئك الطارئين على عظمة الإسلام وسموه، ممن يدعون الانتماء إليه -صلَّى الله عليه وسلم- زورًا، ويزعمون وجود استثناء واصطفاء لهم بحكم نسبهم إليه، وحولوا ذكرى مولده -صلَّى الله عليه وسلم- إلى أخذ أموال الناس بالباطل.. هؤلاء الطارئين من حوثة وفُرس لا علاقة لهم بقيم الإسلام وبأخلاق وسمو ونبل هذا النبي العربي الكريم الذي كان مجلسه يتألف من أبي بكر العربي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، ودون أي استثناء ولا اصطفاء ولا تمييز ولا فوارق، إلا بالتقوى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. متذكرًا هنا من يزعمون انتماء نسبهم إليه -صلَّى الله عليه وسلم- بخاصة رؤوسهم (الخميني وخامنئي والسيستاني) الذين لم يؤدوا شعائر الحج والعمرة، ولم يزوروا مسجد سيد الخلق -صلَّى الله عليه وسلم- فيا للعجب!
أقول، تذكرتُ بعد السلام عليه -صلَّى الله عليه وسلم- وكِدتُ أُناجيه شاكيًا من هؤلاء الذين يزعمون الانتماء إليه زورًا! مستغلين بعض الأُميين وبعض المحبين للرسول -صلَّى الله عليه وسلم- دون حياء ولا خجل من الله! ليت شعري، ماذا لو بُعث الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- وشاهد هؤلاءِ الفجرة المتاجرين باسمه؟ أحسب أنه سيحاربهم كما حارب أقرب الناس إليه نسبًا أمثال أبي جهل وأبي لهب، ومن في حكمهما! وفي الوقت الذي لايزال نظري مرفوعًا إلى قبره الشريف، تذكرتُ ما آل إليه الوضع العربي والإسلامي اليوم، بوجه عام، رغم تاريخهم المجيد وقرآنهم العظيم وسنة نبيهم الكريم، فتذكرت أربعة أبيات شعرية لأمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة تعد من أعظم القصائد الخاصة بشعائر الحج، مخاطبًا بها "الخديوي عباس"ـ عام 1909م، قائلًا:
"إذا زُرتَ يا مولاي قبر محمدٍ
وقبلتَ مثوى الأعظم العَطِراتِ
فقل لرسول الله يا خير مُرسلٍ
أبثك ما تدري من الحسراتِ
شُعُوبك في شرق البلاد وَغَربِها
كأصحاب كهفٍ في عَميقِ سُباتِ
بأيمانهم نوران ذِكرٌ وسنةٌ
فما بالُهُم في حَالِك الظُّلماتِ"
ثم بعد السلام على سيدنا وحبيبنا رسول الله، اتجهتُ قليلًا لأُسلم على ثاني اثنين إذ هما في الغار، أول من آمن من الرجال برسالة السماء، وَمَن وُصف بالصديق لتصديقه لرفيقه محمد -صلَّى الله عليه وسلم- أعنى أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- والذي رغم هدوئه ودعته وليونته، إلا أنه بعد وفاة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- وعلمه بردة بعض العرب، جرد عليهم السيوف، وأصرَّ على محاربة كل من خرج عن الإسلام أو امتنع عن الزكاة، ولم يمت إلا وجيشه ينشر الإسلام في ربوع الفرس والروم.
ثم اتجهتُ للسلام على خليفة خليفة رسول الله، الذي أعزَّ الله الإسلام بإسلامه، سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- عمر العَالِم برعيته الرفيق بالضعيف غير محابٍ للقريب ولا جافٍ للغريب، أكثر الصحابة صوابًا وحكمة، فواصل ما شرع به أبو بكر الصديق من نشر الإسلام وفتوحات فارس وإزالة ممالك كِسرى وقيصر! مستغربًا وأنا أقف أمام قبره كأنني أمام جبل أُحد من عظمة أفعال هذا الرجل الاستثنائي، وكيف استطاع أن يبني نظامًا ودولة خلال خلافته تكفل المنافع للناس، وتقيم لهم العدل والإنصاف والاستقرار المعيشي من خلال استحداث التكافل الاجتماعي، وتوجيهه إلى وُلَاته في البلدان التي تم فتحها في عهده، بأهمية قيام توافق في شؤون إدارة الحكم بتلك البلدان الحديثة العهد بالإسلام بين الاجتهاد وبين القواعد الإسلامية! إضافة إلى ما قام بها من تطورات عسكرية وسياسية واقتصادية، والتي هي بمجملها مظهر من مظاهر تقواه وخوفه من ربه، لتنتهي بوفاته -رضي الله عنه- أروَع وأزكى وأعدل فترة زمنية في صدر الإسلام بعد فترة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- وخليفته أبي بكر الصديق.
وكان لا بد من زيارة مقبرة "البقيع" المقبور بها الآلاف من الصحابة، وفي مقدمتهم الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان، وكبار الصحابة، وزوجات وبنات الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- ودون وجود مبانٍ ولا مظاهر على أي من هذه القبور رغم أهمية ومكان ومكانة بعض أصحابها!
وأثناء السير قرب الحرم النبوي الشريف والفندق الذي أُقيم فيه، شاهدتُ مكانًا صغيرًا محاطًا بعلامات بارزة حفاظًا عليه باعتباره مكانًا تاريخيًا، إنه "سقيفة بني ساعدة" التي أنقذت العرب والإسلام والمسلمين بعد وفاة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- مباشرة من الفرقة والتناحر، وليست كما يصفها غلاة الشيعة وَمَن يحذون حذوهم!
كم هو ممتع حقًا الوجود في المدينة المنورة، حيث الشعور بسعادة استثنائية للنفس والبدن وراحة للقلب، ومدى التسامح الذي طغى في هذه المدينة عما عداه بعد هجرة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- إليها، ليظل الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- يتعايش بها مع غير المسلمين، بجانب تسامحه المعروف لدى أصحابه ولدى الخاص والعام، وعبر أفعاله العامة، ولتعتبر "وثيقة المدينة المنورة" من أهم التوجهات النبوية في التسامح والتعايش.
وفي الوقت نفسه، ظللت أشاهد مدى حجم الخدمات التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين، سواء في عمارة الحرمين الشريفين وتوسعهما كمًا وكيفًا، أو في توفير كل الضروريات والتحسينات والكماليات التي يحتاج لها الحاج والمعتمر والزائر، لكي يؤدي مناسكه وزيارته بكل سهولة ويسر، مع توفير الحماية والأمن والأمان، وكل ذلك يمثل قمة العَطَاء والقدرة الاستثنائية في تنظيم الحجاج والمعتمرين والزوار، رغم الحجم الهائل غير المسبوق! وهو ما يجعل أمثالي يقف مشدوهًا بحق أمام هذا العَطَاء اللامحدود وهذا التنظيم، وبصورة يعجز الوصف عن وصفها "فالله أعلم حيث يجعل رسالته".
ثم.. أما بعد:
لقد كتبتُ هذه الأحرف بخط اليد أثناء وجودي في المدينة المنورة، وتحديدًا عند وجودي داخل الحرم النبوي الشريف، ما بين صلاتي المغرب والعشاء، وذلك يوم 28 أغسطس الماضي، أي قبل شهر واحد من نشرها اليوم. وبسبب السفر والانتقال من مدينة إلى أخرى، إضافة إلى أسباب أخرى حالت دون طباعتها، تأخر نشرها، ملتمسًا العذر سلفًا لذلك.