صنعاء 19C امطار خفيفة

26 سبتمبر… ذكرى الثورة وحاجة اليمن إلى مصالحة وطنية وسلام دائم

تحل علينا اليوم الذكرى الـ63 لثورة 26 سبتمبر 1962، التي غيّرت مسار التاريخ اليمني، وأوقدت شعلة التحرر في شمال الوطن وجنوبه، ومهّدت لانطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب، وأسست لمرحلة جديدة من البناء والعدالة والمواطنة المتساوية.

لقد جسدت سبتمبر بمبادئها الستة حلم اليمنيين في الحرية وبناء الدولة، ولم تكن مساندة مصر العروبة بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر لها إلا لتحقيق هذه الأهداف. لقد قدمت مصر كل إمكانياتها لكي تنتصر الثورة، حتى أصبحت اليمن جزءًا من وجدانها العروبي.
وككل الثورات لم يخلُ مسارها من العثرات والنكسات بحكم تعقيدات الواقع اليمني، وعدم نضج بعض قواه التي أعاقت تحقيق أهدافها كاملة.
من إنجازات سبتمبر الكبرى استقلال الجنوب اليمني المحتل، ثم تضافر الثورتين لتحقيق الوحدة عام 1990، التي جددت الأمل بقيام دولة ديمقراطية حديثة. ولكن للأسف لم يكن من حققوا الوحدة على مستوى آمال وتطلعات الشعب، وقد أسهموا في نكستها التي نثق أنها مؤقتة وزائلة، لأن الشعب بغالبيته الساحقة مع يمن حديث غير عصبوي ديمقراطي يخدم كل مواطن بدون تمييز.
إن التدخلات الخارجية بشتى صورها، قبل وبعد الوحدة وحتى اليوم، قد أسهمت بخلق شرخ وطني، وبتمزيق النسيج الاجتماعي، حتى أصبحنا اليوم لا يجمعنا جامع، ونرى أكثر من سلطة ورئيس وحكومة وجيش، وبرلمان وبنك مركزي، وغياب الدولة الخادمة والجامعة، دولة كل المواطنين، التي حلم بها شهداء سبتمبر وأكتوبر وكل اليمنيين.
إن اليمن اليوم بحاجة ماسّة إلى وقفة شجاعة ومسؤولة لوقف الحرب وإنهاء نزيف الدم وتقديم تنازلات متبادلة لا مفر منها من كل الأطراف وعقد مؤتمر يمني -يمني شامل، لا يُقصي أحدًا، برعاية دولية محضة ونزيهة، تكون مخرجاته استعادة السلام والاستقرار والمصالحة وبناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وحكم اليمن برئيس واحد، وحكومة اتحادية واحدة.
إنه لا سبيل لاستعادة الكرامة اليمنية إلا بسلام عادل، ودولة قوية، ومشروع وطني جامع يضع مصالح اليمنيين فوق كل اعتبار.
وفي هذه الذكرى العظيمة، لا يمكن أن نغفل عن ذكر القضية الفلسطينية التي تبقى القضية المركزية للعرب جميعًا، حتى الانتصار على المشروع التوسعي الإحلالي الصهيوني. لقد مضى على "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، ما يقارب عامين، واستشهد أكثر من 65 ألف فلسطيني، وأصيب أكثر من 166 ألفًا، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال، في حرب إبادة مستمرة دمّرت البنية التحتية، وأدت إلى تهجير مئات الآلاف، في مشهد يؤكد أن الصراع ليس صراع حدود، بل صراع وجود.
العدوان الإسرائيلي على فلسطين ليس سوى حلقة في مسلسل طويل من الاعتداءات على الأمة العربية كلها، لن تتوقف لأن إسرائيل خلقت للقيام بهذه الوظيفة لحساب الصهيونية العالمية والدول التي تهيمن عليها وتدير كافة شؤونها. وها نحن قد تابعنا تدمير غزة والتطهير العرقي توطئة لتصفية القضية واغتيال المقاومين في غزة والضفة وخارج فلسطين وهجمات القطعان الصهيونية على المسجد الأقصى ومسجد الخليل إبراهيم، والاعتداءت المتكررة على اليمن ولبنان وسوريا وقطر. كل ذلك يحدث ونحن نتحدث ونتحدث وكفى.
إن مجرم الحرب رئيس وزراء إسرائيل البغيض يمضي بعنجهية في تنفيذ المخطط الصهيوني التوسعي المعروف بـ"إسرائيل الكبرى"، وهو المخطط الذي رسم ملامحه المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897 بقيادة مؤسس الحركة الصهيونية، النمساوي تيودور هرتزل. واليوم نشهد كيف يحاول العدو أن يفرض هذا المشروع بالقوة والدمار والإبادة، مستفيدًا من الدعم الأمريكي المفتوح، ومن تواطؤ ودعم عواصم غربية وغيرها وازنة، ناهيكم عن ضعف الموقف العربي الذي لم يرتقِ إلى مستوى التحديات، ولم يدرك أن الخطر الصهيوني يستهدف الجميع بدون استثناء.
إننا نقف إلى جانب فلسطين في نضالها ومقاومتها حتى قيام الدولة الحرة وعاصمتها القدس. ونقف مع شعبنا اليمني ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ومع الشعبين اللبناني والسوري، إيمانًا منا أن معركة الأمة واحدة، وأن العدو واحد. إننا كيمنيين لن نقبل التطبيع معه قبل قيام الدولة الفلسطينية وارتفاع علم فلسطين في سماء القدس والمسجد الأقصى، وانسحابه الكامل من كل شبر عربي يحتله في سوريا ولبنان.
المجد والخلود لشهداء سبتمبر وأكتوبر وشهداء المقاومة، والتحية لكل من يناضل من أجل الحرية والاستقلال.
وعاشت اليمن موحدة، حرة، مستقلة، آمنة، وسيدة قرارها.
وكل عام وأنتم بألف خير.
* الرئيس اليمني الاسبق

الكلمات الدلالية