صنعاء 19C امطار خفيفة

حين تتكرّر لعنة «عوض لعنة»

حين تتكرّر لعنة «عوض لعنة»
صورة مشهورة لعوض بن وبر (عوض لعنة)

قبل يومين اختطفت السلطات الشاعر والشخصية اللطيفة أوراس الإرياني. كان الحدث صادماً بكل المقاييس، فأمثال أوراس لا يشكّلون خطراً حتى على نملة تدبّ في الأرض. هذا المشهد أعاد إلى ذاكرتي حادثة مشابهة مطلع الثمانينيات، حين اختطفت أجهزة أمن الدولة في الجنوب شخصية مغمورة، فكاهية، تعاني اضطراباً نفسياً وتهيم في شوارع مدن حضرموت. كان الرجل – الذي يُعرف بعوض لعنة – يعيش على ما يجود به الناس عليه باعتباره «مجنوناً» لطيفاً غير مؤذٍ، يستأنس به المارة ويسألونه في شؤون الحياة فيردّ بأجوبة غير متوقعة تذكّر بالمثل القائل: «خذوا الحكمة من أفواه المجانين».

لكن جنون السلطة وأجهزتها الأمنية في تلك الحقبة كان أخطر وأكبر من جنونه. فقد كانت تتوهّم أنّها في صراع مع الإمبريالية والصهيونية والكمبرادور واليسار الانتهازي واليمين البرجوازي والسعودية وعُمان والشمال والإنس والجن، حتى وصلت في آخر خيوط المؤامرة إلى «المجنون» عوض لعنة، فاختطفته في ليلٍ أظلم وساقته في طائرة عسكرية مكبّلاً إلى عدن. عندها بدا للجميع أنّ السلطة فقدت رشدها واتزانها، فثار السخط الشعبي عليها، لكنّها تمسكت أكثر باعتقاله وفبركة التهم له. وسرعان ما تحوّل الغضب إلى سخرية واحتقار أفقداها هيبتها التي بنتها طوال سنوات القمع، حتى صار الناس في اللقاءات والخطب الرسمية يقرنون حربها على الإمبريالية والصهيونية بحربها على «عوض لعنة».

اضطرت الأجهزة الأمنية في النهاية إلى إطلاقه بعد أن اكتشفت أنّ ما انكسر بينها وبين الناس لا يمكن إصلاحه بسهولة. وكان ما سُمّي بلعنة عوض لعنة أحد مقدمات انهيار هيبة الدولة وأجهزتها، وبلغت تلك اللعنة ذروتها في تناحر الرفاق في أحداث يناير 1986 وما تلاها من نكبات. ومنذ ذلك الحين صار عوض – الذي اكتسب لقب لعنة بعد اللعنات التي حلّت بالرفاق من بعد اعتقاله – المجنون السياسي الأشهر في الجنوب، واستُرشد بمقولاته أو «هلوساته» حتى بعد زوال تلك السلطة وأجهزتها.

اليوم، ما حدث لأوراس – مع الفارق في العقل طبعاً – يعيد إلى الأذهان تلك الصدمة التي تحوّلت إلى قشّة قصمت ظهر الدولة وهيبتها. ولعلّ التاريخ يتكرّر: مرّة في هيئة مجنون، وأخرى في هيئة ساخر.

مالكم ومال الإنسان الطيّب الودود يا سلطة الجنون والريبة؟ والله إنّها لعنة حلّت بكم وفيكم.

وحسبنا الله ونعم الوكيل

الكلمات الدلالية