صنعاء 19C امطار خفيفة

الفنانون العرب... غياب أم تغييب..؟

بينما تقوم إسرائيل بحرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، تأتينا أخبار سمجة تعكس مستوى الانحطاط الذي تعيشه هذه الأمة، فالمتابع العربي لم تعد تعنيه مشاهد القتل والتجويع في غزة، أكثر مما تعنيه متابعة مباريات كرة القدم، وحفلات الترفيه الماجنة، وفستان زفاف هيفاء المثير للغرائز، إذ جُعل منه مادة دسمة للتناول والتعليقات التي تظهر حجم الخيبات التي نعيشها اليوم.

وليت الأمر اقتصر على هذا الحد، فقبل أشهر شاهدت فنانًا يطلق عليه اسم "الهضبة"! ظهر في إحدى حفلاته في إحدى الدول العربية، مثبتًا ذيلًا على مؤخرته (تصوروا)، ولا ندري ما الفائدة من أن يضع فنان مشهور يتقاضى آلاف الدولارات ذيلًا، ويظهر بهذا المستوى البهائمي.
أما الاهتمام لدى المُتلقي العربي مؤخرًا، هو ما كشفته الفنانة السعودية أسيل عمران، عن خضوعها لعملية تجميد البويضات، وهو القرار الذي أثار جدلًا واسعًا وعرّضها لموجة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاكل شيرين مع زوجها، ثم مع محاميها، وتعرض الفنانة إليسا للاحتيال، وتصريحات الممثلة بدرية طلبة، وطلاق فلان وفلانة، وخيانة فلان للبطلة الفلانية أو العكس... الخ. ولا ننسى هنا أن نعرج على مرض أنغام والتعاطف الكبير معها (ماذا بشأن الغزاويين هنا..؟ إنهم يموتون. ألا يستحقون التعاطف؟).
هكذ يبدو المشهد، ليستمر الاستهبال، والذهاب بعيدًا عن واقع الأمة المزري والمخيف، والانشغال بالتفاهات.
فكثير من الفنانين العرب لم نسمع عنهم تصريحات تُندد وتستنكر وتتضامن مع الشعب الفلسيطني، إخوتهم بالدين والعروبة والمصير، مقارنة بالفنانين الأجانب الذين أظهروا موقفًا متقدمًا مقارنة بهولاء مثل أنجلينا جولي، وبالرغم من اللوبي اليهودي المتغلغل في صناعة السينما الأمريكية، إلا أن هؤلاء استمروا في مناصرتهم لفلسطين، وأدانوا إسرائيل، في الوقت الذي يعرفون الثمن الفادح الذي سيدفعونه لاحقًا، كما حصل مع ميل جيبسون بعد فيلم آلام المسيح، وكذلك مع الممثلة ميليسا باريرا بحجة معاداة السامية، التي أصبحت سيفًا مصلتًا على كل من ينتقد إسرائيل.
ولم تقتصر إدانة مشاهير الفن والأدب في أمريكا بل أيضًا فناني وأدباء بريطانيا، حيث وقع أكثر من 2000 فنان بريطاني، على رسالة قالوا فيها إن إسرائيل حوّلت غزة أنقاضًا، وشبح الموت يخيّم على المنطقة.
وأضافوا في رسالتهم أن إسرائيل قطعت إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والدواء عن 2.3 مليون فلسطيني، والآن، وبعد تعرّض مئات الآلاف للقصف من الجوّ والبحر والأرض، يُطلب من الفلسطينيين، مرة أخرى، الذين أُجبر أجدادهم على ترك منازلهم تحت فوهة البندقية، أن يهربوا أو يواجهوا عقابًا جماعيًا على نطاق لا يمكن تصوّره. لقد جُرّدوا من حقوقهم، ووصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي بأنهم "حيوانات بشرية".
ومن بين الموقعين تشارلز دانس، وبيتر مولان، وستيف كوغان، وميريام مارغوليس، وتيلدا سوينتون، وفق موقع «إندبندنت» البريطاني.
لقد انحاز هؤلاء لإنسانيتهم، ورفضوا الظلم، في الوقت الذي لم نرَ نجوم "الفن العربي" يكتبون تغريدة أو يوقعون عريضة إدانة أو تصريحًا يتضامنون مع إخوانهم في غزة. صامتون صمت القبور... خائفون... مهادنون... مُتراجعون... إلا القليل منهم، من حقنا هنا أن نتساءل، ونقول ألا تتحرك ضمائركم مما يحدث، وأنتم تقفون على خشبة المسرح لتغنوا وترقصوا "بالسنتيانات"! والأجساد العارية، وأطفال ونساء غزة يموتون جوعى، وتهدم بيوتهم على رؤوسهم؟ ألم تغنِّ فيروز لفلسطين ولبنان ولمصر ولدمشق والإسكندرية ولمكة أيضًا، وفعلها محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، والآن لطفي بوشناق ومرسيل خليفة وجوليا بُطرس، عندما كان الفن رسالة وموقفًا خرج هؤلاء يعبرون بفنهم، عن قضايا أمتهم، وخلدوا أسماءهم بفنهم الأصيل المنحاز لقضايا الناس، لذلك مازالت أعمالهم خالدة لأنها نابعة من وعي ومسؤولية والتزام مهني وأخلاقي، مما أكسبهم احترام الجماهير، هل أصبح الفن العربي انعكاسًا لحالة التردي الذي نعيشه، وتعبيرًا صارخًا عما تريده الأنظمة العربية المتخادلة؟ أوليس الفن نوعًا من أنواع التمرد والاحتجاج والرفض؟
نعم، لقد توارى الصغار بعدما مات الكبار. لكِ الله يا غزة.

الكلمات الدلالية