اليمن بين حلم التنوع وكابوس الكراهية
كنتُ جالسًا على المقعد أتصفّح في وسائل التواصل الاجتماعي، أراقب حجم خطاب الكراهية والتخوين المتدفّق بين السطور والصور، غفَت عيني قليلًا، وإذا بي أجد نفسي في عالمٍ ما بين الواقع والخيال... عالمٍ جعلني أكتب هذه الفقرات:
"الاختلافُ في جوهره ميلادُ المعنى، وفسحةٌ تُوسِّع القلب والرؤية. لكنه، حين يُغشى بالجهل والخوف، يتحوّل إلى تهمة، وإلى وصمةٍ تُطارِد المختلف، حتى يُصوَّر كأنه خطرٌ يهدّد المجموعة. ومنذ تلك اللحظة، يُفتح باب الكراهية على مصراعيه، وتُسنّ السيوف من الكلمات، فيُوأد المختلف بلا دم، ويُنفى من رحابة الوطن وهو لايزال في قلبه يُحبّ الوطن.
كم آلمني أن أرى الخلاف في إيمانٍ أو فكر، في طقسٍ أو معتقد، يُحوَّل إلى سببٍ للتخوين أو الكراهية. أليست هذه أشياء تخصُّ ضمير الإنسان وحده؟ أليس الأجدر أن يكون ما يوحّدنا أعمق من حدود المذهب والطائفة؟ نحن أبناء ترابٍ واحد، أنفاسنا متشابكةٌ في هذا الهواء الذي لا يسأل عن هوية المستنشق، وأحلامنا ممهورةٌ باسم وطنٍ اسمه اليمن.
كنتُ أتمنى أن نرتقي جميعًا إلى حيثُ تتلاشى الحدود الضيقة، فنرى بعضنا لا بما نؤمن به في سرائرنا، بل بما نقدّمه بأيدينا وعقولنا لبناء الغد. أن يكون معيارنا هو ما نزرعه من خير، وما نرفعه من جدارٍ في مدرسة، وما نكتبه من كلمةٍ تبني ولا تهدم. أن نعلو معًا إلى يمنٍ جديد، يمنٍ يقدّم إنسانيته قبل أي شيء آخر، فيصبح المعتقد شأنًا شخصيًا لا يُستعمل سيفًا على الرقاب، بل زهرةً تتفتح في حديقة التنوع.
ذلك هو الحلم الذي أسكنه: يمنٌ واسعٌ كسماءٍ لا تُحدّ، يتّسع للجميع مهما اختلفت طرقهم في الفكر أو الإيمان. يمنٌ لا يختنق بالتصنيف، بل يتنفّس من رئة إنسانيته. يمنٌ يعلّم أبناءه أن المختلف ليس عدوًا، بل مرآةٌ تكشف وجوهًا أخرى للحقيقة، وأن التنوع ليس لعنة، بل نعمةٌ تحفظ الحياة من الركود والذبول.
فليكن ما يجمعنا أقوى من كل ما يفرّقنا، ولتكن إنسانيتنا أعظم من كل جدارٍ يُقام بيننا. وليكن اليمنُ، في نهاية المطاف، بيتًا يسع الجميع، حيث يزهر المختلف كما يزهر الشبيه، وحيث نتذكّر أن الأوطان تُبنى بالأيادي المتشابكة، لا بالأصوات المتناحرة".
فجأةً فتحت عينيّ، فإذا بي مازلت على نفس المقعد، والهاتف بين يدي، وأدركت أن ما عشته كان شبه حلم. لكنني خرجت منه بيقينٍ واحد: أننا كيمنيين نستطيع أن نكون بداية هذا التغيير، وأن ننظر إلى تنوّعنا لا كوصمةٍ تفرّقنا، بل كمصدرٍ للقوة، وجسرٍ نحو وطنٍ يليق بإنسانيتنا.