صنعاء 19C امطار خفيفة

التوحش الحوثي: طبيعة وليس وسيلة

تمثل الحوثية نموذجًا واضحًا لما يُعرف في علم الاجتماع السياسي بـ"الحركات المتوحشة"، وهي الحركات التي لا يُعد القمع والعنف مجرد وسيلة أو تكتيك تلجأ إليه عند الحاجة، بل هما طبيعة بنيوية وجزء أصيل من كيانها. فالتوحش هنا ليس خيارًا سياسيًا يمكن ضبطه أو التخلي عنه، وإنما هو آلية دائمة للتعامل مع المجتمع والخصوم، وكذلك الحلفاء الظرفيين، وحتى الأنصار الذين لا يُظهرون ولاءً مطلقًا.

إن الطبيعة البنيوية للحوثية، القائمة على العنف والقسوة، تجعلها عاجزة عن تبني أنماط سلوك عقلانية أو مرنة، لأنها في جوهرها لا تملك أدوات السياسة الحديثة القائمة على التوافق والعمل ضمن نظام تعددي. وبدلًا من ذلك، يتحول العنف إلى اللغة الوحيدة التي تفهمها الحركة وتتواصل بها، سواء داخل بنيتها التنظيمية أو في تعاملها مع محيطها. وما يعزز هذا النمط أن التوحش مع مرور الوقت يتضاعف حضوره في جميع الظروف، سواء كانت الحركة في حالة ضعف أو قوة، وفي وضع من الثقة أو الخوف.
ففي حالة الضعف والهشاشة؛ تعوّض الحركة عجزها عن كسب التأييد الطوعي، أو ما يُسمى بـ"الشرعية"، بمزيد من القهر والعنف. فهي لا تمتلك قاعدة اجتماعية واسعة، ولذا تعتمد على بث الرعب المفرط للحفاظ على تماسكها الداخلي، وردع خصومها، وتقديم نفسها كقوة عنيفة لا يمكن هزيمتها.
وفي حالة القوة والتمكن؛ يتحول التوحش إلى أداة للهيمنة المطلقة. فهي ترى في لحظة التفوق والسيطرة فرصة تاريخية لإعادة صياغة المجتمع وفق صورتها العقائدية، فتقوم بتكثيف للتلقين الإيديولوجي عبر الدورات الثقافية، والمخيمات الصيفية، والحشود الدائمة، والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام وغيرها.
كما انها في مرحلة التمكين تستخدم التوحش لتدمير أي منافس أو معارض محتمل، سواء كان حقيقيًا أو متوهمًا، ومهما كان حجمه صغيرًا، انطلاقًا من قناعة بأن وأد البذور الأولى للمعارضة هو الضمانة لاستمرار سيطرتها الدائمة.
وفي لحظات الخوف أو التهديد الداخلي والخارجي، حين تواجه الحركة تهديدًا فعليًا، يتخذ التوحش شكل رد فعل هستيري، مدفوعًا بغريزة البقاء، ما يؤدي إلى تصعيد عشوائي وغير محسوب.
وفي مثل هذه اللحظات، يتحول المجتمع الخاضع لسيطرتها إلى رهينة، وتصبح سياسات الاختطاف، والتصفيات، ونشر الرعب، استجابة غريزية لهواجس الحركة التي تعتقد أنها تخوض "المعركة الأخيرة".
ولهذا، من المتوقع أن يزداد ويتسع نطاق توحش الحوثيين عقب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. فقادة الحركة وكوادرها يعيشون اليوم حالة عميقة من الرعب والارتباك بعد استهداف مواقعهم الحيوية ورموزهم القيادية، وبمنطق الحركات المتوحشة، فإن هذا الخوف لن يؤدي إلى التهدئة أو مراجعة السلوك، ولا إلى الانفتاح على المجتمع أو بناء تحالفات جديدة، بل على العكس تمامًا. إذ سيدفع الحوثيين إلى تصعيد وحشي هستيري قد يطال حتى أطرافًا لا تمثل أي تهديد لهم، مثل موظفي المنظمات الدولية أو حتى المدنيين العاديين. ففي مثل هذه الظروف، يصبح التوحش رسالة وغاية بحد ذاته لإرهاب الجميع وإخضاعهم.
يزداد خطر الحوثية مع امتزاج نهج التوحش بهذيان ديني، يجعلها تتوهم أن عناية إلهية خاصة تحميها وتُمكّنها، وتزيل من أمامها كل العقبات. هذا الاعتقاد يغلق أي باب للنصح أو الدعوة للتعقل، إذ ترى الحركة في أي دعوة لتخفيف القسوة تخاذل وخيانة لمشروعها العقائدي، وتخادم مع العدو.
إن أخطر ما يواجه اليمنيين والعالم في التعامل مع الحوثية هو أنها ليست طرفًا سياسيًا تقليديًا يمكن احتواؤه عبر المفاوضات أو الضغط الدبلوماسي أو حتى الشراكة في الحكم. فهي كيان يقوم على منطق الإقصاء والعنف المستدام، لا يعرف الاعتدال ولا يقبل بالتسوية، ما يجعلها تهديدًا دائمًا لا يمكن تحييده إلا بمقاربة شاملة هدفها القضاء التام عليها وتجريم فكرها.

الكلمات الدلالية